وقف إطلاق النار البعيد في الحرب على لبنان

10 أكتوبر 2024
الضاحية الجنوبية لبيروت، 8 أكتوبر 2024 (محمد ياسين/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبادرة لوقف إطلاق النار في الحرب على لبنان، مما أدى إلى تصاعد الأحداث واغتيال قادة من حزب الله واستمرار القصف الجوي والنزوح.
- القرار 1701 لم يُنفذ بالكامل، ومعارضة حزب الله لترسيم الحدود قبل وقف الحرب على غزة تعقد الجهود الدبلوماسية، بينما تواصل الولايات المتحدة وأوروبا دعم إسرائيل.
- تلعب إيران دوراً مهماً بدعمها لحزب الله، بينما تصر إسرائيل على إنهاء تهديده، مما يجعل الوضع العسكري غير مستقر وصعب التنبؤ بمساره.

أفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول مبادرة لوقف إطلاق النار في الحرب على لبنان وذلك في الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، قبل أن يشهد الموقف سلسلة من التطورات الخطيرة، بدأت بتفجير أجهزة البيجر في 17 سبتمبر الماضي، وسارت في منحى تصعيدي مع اغتيال عدد من قادة حزب الله، بمن فيهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر الماضي، وتواصلت مع حملة القصف الجوي والنزوح وبدء إسرائيل عملية عسكرية برية محدودة في الجنوب مؤججة الحرب على لبنان في الأسابيع الأخيرة. المبادرة الأولى من أجل وقف إطلاق النار جاءت في 25 سبتمبر الماضي من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لمدة 21 يوماً، على أمل أن يتيح مثل هذا الاتفاق قصير الأجل الوقتَ للأطراف للتوصل إلى اتفاق طويل الأجل لإنهاء القتال على الحدود، والسماح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى ديارهم، وذلك على أساس العودة إلى تطبيق القرار 1701، الذي صدر في 11 أغسطس/ آب 2006، ولم يتم تنفيذه كاملاً حتى اليوم.

مبادرة وقف إطلاق النار

قادت الولايات المتحدة وفرنسا المبادرة، وأيدتها حكومات أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر. وقالت الدول الموقعة على بيان وقف إطلاق النار إن "الوضع بين لبنان وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لا يُطاق، ويمثل خطراً غير مقبول بتصعيد إقليمي أوسع. وهذا ليس في مصلحة أحد، لا شعب إسرائيل ولا شعب لبنان". نقلت بعض وسائل الإعلام عن وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب قوله إن نصر الله أيد المبادرة. وتم تداول أنباء غير مؤكدة عن أن نتنياهو أبدى موافقة أولية، لكن سرعان ما صدر نفي عن مكتبه، وقال إنه لم يبد موافقة، وذلك قبل مغادرته إلى نيويورك لإلقاء خطابه في الأمم المتحدة، وبعد ساعات تم اغتيال نصر الله، وتغير اتجاه الأحداث كلياً.

ركزت الحركة الدبلوماسية خلال الأسبوعين الأخيرين على تطبيق القرار 1701، ولم يتحدث أحد عن ضرورة إصدار قرار جديد عن مجلس الأمن، وذلك لأن الأطراف كافة تعرف بأن 1701 ليس قراراً لوقف إطلاق النار، بل هو قرار من أجل "وقف الأعمال العدائية"، تم التوصل إليه بعد 33 يوماً من المعارك في حرب تموز/ يوليو عام 2006. ولم يكن الأمر سهلاً حينذاك، لأن الولايات المتحدة عارضت طلب الدولة اللبنانية وقف إطلاق النار، وذلك بحجة أن الظروف غير متوافرة، وهي كانت تريد منح إسرائيل الوقت الكافي من أجل تحقيق أهدافها. ومن ثم تطور موقف واشنطن إلى إرسال قوة من "تحالف الراغبين" مشكّلة من بلدان من حلف شمال الأطلسي، قادرة على فرض ما يتفق عليه المجتمع الدولي بالقوة. وفي نهاية المطاف اقتنعت الإدارة الأميركية بأن الوقت الذي منحته لإسرائيل نفد ومن الأفضل التوصل إلى قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من أجل وقف الأعمال العدائية، على أن يجتمع المجلس بعد أسبوع من ذلك ليصدر قراراً بوقف إطلاق النار، ولكن ذلك لم يحصل، وتغاضت عنه جميع الأطراف.


الأولوية هي لوقف إطلاق النار في الحرب على لبنان

جرى تطبيق القرار 1701 بدرجة معقولة، إذ توقفت الأعمال القتالية، وتم السماح بعودة السكان من الطرفين، واستمرت الخروقات الإسرائيلية للخط الأزرق (الخط الحدودي الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في صيف 2006) جواً. وبقيت الفقرة الثامنة من القرار التي تتحدث عن منطقة جنوب نهر الليطاني ملتبسة، وتم التسليم بأنه ليس هناك وجود عسكري لحزب الله في جنوب الليطاني، طالما أنه غير ظاهر، رغم أن الجميع يعرفون بأنه موجود عن طريق أبناء القرى الحدودية، وهو لم يستخدم طيلة 18 عاماً، وقد كان التعويل الأساسي هو أن تنشر الحكومة اللبنانية 15 ألف جندي فيها، لكنها لم تكن قادرة على الوفاء بذلك كلياً بسبب عدم قدرة الجيش من الناحية الفنية. لكن مع ذلك بقيت المشكلة إسرائيلية، فقد كان طموح تل أبيب إقامة منطقة عازلة بعد الخط الأزرق، داخل الأراضي اللبنانية، على أن تكون خالية من اللبنانيين، ولذلك تركت المسألة عند وقف الأعمال العدائية، كما وردت في القرار 1701، ولم تضغط وزيرة خارجية الولايات المتحدة في حينه كوندوليزا رايس، ولا فرنسا التي فاوضت بالنيابة عن الطرف اللبناني، من أجل اجتماع مجلس الأمن لتحقيق وقف إطلاق نار دائم، ولم يبادر إلى ذلك الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان.

حصلت محاولة في العام الماضي لإحياء القرار 1701، قامت بها الولايات المتحدة وفرنسا ضمن مساعيهما لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ولكن حزب الله عارض ذلك، ورفض بحث الأمر قبل وقف الحرب على غزة، علماً أن هناك مسائل كثيرة معلقة، منها 13 نقطة إشكالية من الجانب اللبناني في ما يخص الخط الأزرق الحدودي. ذهاب إسرائيل إلى مواجهة إقليمية انطلاقاً من حربها على لبنان يجعل فرص وقف إطلاق النار تتراجع في كل يوم، ويصبح لبنان معها طرفاً في منظومة قتال تشمل منطقة الشرق الأوسط. ورغم الحراك الدبلوماسي المحلي والإقليمي والدولي، لا يبدو أن الأعمال العسكرية ستتوقف قريباً في هذا البلد.

ولا تقتصر معارضة وقف إطلاق النار على إسرائيل وحدها، بل تشمل الولايات المتحدة وأوروبا، التي تردد بنبرات مختلفة كل يوم أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس، وتترجم ذلك، وخصوصاً واشنطن، بتزويد تل أبيب بالأسلحة والمساعدات المادية، وهي تحشد أساطيلها وتستنفر قواعدها العسكرية، وتمارس الضغوط السياسية من أجل تمكين إسرائيل من كسب الحرب على لبنان وفرض شروطها لوقف إطلاق النار. على المستوى المحلي اللبناني، هناك إجماع على أن الأولوية هي لوقف إطلاق النار في الحرب على لبنان، لكن هناك اختلافات في الوصول إلى ذلك، لكون البحث في هذه المسألة يقود إلى تحديد دور الجيش اللبناني والقوات الدولية وقوات حزب الله في الجنوب، لا سيما أن الحزب ليس في وارد تسليم سلاحه في هذه المرحلة من الحرب على لبنان مهما بلغ حجم الضربة العسكرية التي تعرض لها.

استمرار الحرب على لبنان

ومهما يكن من أمر، هناك انقسام آخذ بالتبلور حول ترجمة وقف إطلاق النار يمكن ملاحظته في موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي تحدث صراحة عن استعداد الحكومة لتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، بينما يبدو رئيس مجلس النواب نبيه بري متأرجحاً بين موقعه الرسمي والمهام التي ألقتها التطورات على ظهره، لجهة الدور المناط به من أجل ملء الفراغ الذي شكله اغتيال نصر الله بخصوص التفاوض السياسي نيابة عن حزب الله.

ثمة مواقف أخرى لا تسير على الإيقاع ذاته، وتعبر عنها أطراف من المعارضة وخارجها، وقد عكسها بوضوح زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يحاول إمساك العصا من منتصفها، ويتفق هؤلاء على أن انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال الموجودة حالياً، هو المدخل للنهوض بمهمة معالجة الوضع. وهنا تكمن نقطة الخلاف مع موقف بري وحزب الله، الذي يتمترس خلف رأي تأجيل الاستحقاق الداخلي إلى ما بعد وقف إطلاق النار. ويرى هذا التيار أن هذا الطريق هو الذي يحافظ على لبنان ويؤمن لحزب الله مخرجاً مشرفاً، ويتعرض هؤلاء لضغوط داخلية من الحاضنة الشعبية للطوائف الأخرى، التي ترى أن استمرار الحرب على لبنان سيدمر البلد، وحسب مصادر مطلعة، فإن أكثر من خلوة روحية انعقدت في الآونة الأخيرة، وانتهت إلى ضرورة تفعيل الدولة، وتسليمها مقاليد الأمر، وعدم السير في خط حزب الله وإيران.


إيران لا تريد الحرب مع إسرائيل

على المستوى الإقليمي، يبرز دور إيران بصورة أساسية، وموقفها غير منفصل عن توجهها العام، وهو أنها لا تريد الحرب مع إسرائيل، وكل مساعيها منصبة على تأكيد هذه النقطة. وحسب التسريبات الأميركية، فإن إسرائيل تشارك إيران هذا الموقف، ولكن طهران مصممة على إسناد حزب الله، الذي يشكل قوة دفاع متقدمة عنها. ويُقابل ذلك الإصرار الإسرائيلي على إنهاء الخطر الذي يمثله الحزب على إسرائيل. وبالتالي، فإن بقاء هذه المعادلة من دون التوصل إلى تفكيكها، يقود إلى حرب بين طرفيها، وما تطرحه الأطراف الغربية من حل وسط مفاده أن تضحي إيران بحزب الله مقابل عدم توسيع الحرب من قبل إسرائيل. وحتى تسهل هذه المهمة من دون حرب تدميرية على غرار حرب غزة، فإن المطلوب من حزب الله أن يرفع الراية البيضاء ويسلم سلاحه للدولة اللبنانية ويتحول إلى قوة سياسية.

إلى حين تنطلق المساعي الدبلوماسية فعلياً، تبقى الأنظار متجهة نحو الميدان العسكري، ويتوقف الأمر على ميزان القوى بين إسرائيل وحزب الله، وسيبقى كل شي معلقاً حتى يسمع العالم صرخة أحد الطرفين، على حد تعبير نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي قال في آخر ظهور له، أول من أمس الثلاثاء، إن حزب الله لن يكون البادئ في ذلك، وعلى هذا يبدو أنه، رغم الضربات الكبيرة التي تلقاها، قادر على القتال في خط الجبهة الأول، ولكنه في جميع الأحوال ليس في الوضع الذي كان عليه قبل عملية تفجيرات أجهزة "البيجر"، وكل التقديرات التي كانت قائمة قبل شهر عن قوة الحزب التي لا تقهر سقطت، وبات يخوض حرباً دفاعية صعبة، بغض النظر عن الخسائر التي يمكن أن يلحقها بإسرائيل. وعلى هذا، من المرجح ألا تتضح الصورة الميدانية قبل نهاية الشهر الحالي.

المساهمون