هل تغادر إسرائيل محور نتساريم الاستراتيجي الذي يبتر قطاع غزة في سبيل التوصّل إلى اتفاق؟
استمع إلى الملخص
- محور نتساريم يحمل أهمية استراتيجية وتاريخية لإسرائيل منذ 1971، ويعتبر نقطة عسكرية مهمة، بينما تطالب حماس بانسحاب إسرائيلي منه كجزء من أي صفقة هدنة.
- الوضع الحالي يعكس استخدام إسرائيل لمحور نتساريم كورقة مساومة في المفاوضات، مع تقارير تشير إلى موافقة إسرائيل مبدئيًا على تنازل عن السيطرة عليه في الماضي، مما يجعل مستقبل المحور والهدنة محل تكهنات.
يكتنف الغموض تفاصيل مقترح هدنة غزة الذي تحدّث عنه الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الجمعة الماضي وقال إنه مقترح إسرائيلي، مكوّن من ثلاث مراحل، مضيفاً إليه تفسيراته الخاصة، فيما ادّعت إسرائيل عدم دقته. وقد تطاول ضبابية التفاصيل محور نتساريم الذي يفصل مدينة غزة ومحيطها عن وسط القطاع وجنوبه، ويتمسك جيش الاحتلال بإبقاء السيطرة عليه، لأبعاده الاستراتيجية، إذ يعني عملياً التحكّم بكثير مما يحدث في القطاع وتحركات الفلسطينيين فيه.
وما لم تُنشر تفاصيل المقترح على الملأ، فمن شأن ذلك إبقاء الكثير من تفاصيله مبهمة. ولم يسم بايدن في خطابه حول المقترح، الأمور والأماكن بمسمّياتها، حيت ذكر أن المرحلة الأولى ومدّتها ستة أسابيع تتضمّن "وقفاً كاملاً وتامّاً لإطلاق النار، وانسحاب القوّات الإسرائيليّة من كلّ المناطق المأهولة بالسكّان في غزة، والإفراج عن عدد من الرهائن بمن فيهم النساء والمسنّون والجرحى، وفي المقابل إطلاق سراح مئات من المساجين الفلسطينيّين". وبعدم تسمية الأماكن، يُطرح السؤال إن كانت إسرائيل مستعدة لـ"التفريط" في محور نتساريم، أحد أهم الأماكن الاستراتيجية في قطاع غزة. ولفهم أهميته من المنظور الإسرائيلي، لا بد من عودة إلى الوراء.
في عام 1971، طرح قائد المنطقة الجنوبية آنذاك، آرييل شارون (الذي أصبح في مرحلة لاحقة رئيساً لحكومة الاحتلال)، خطة الأصابع الخمسة، التي هدفت إلى بتر القطاع من خلال الكتل الاستيطانية الإسرائيلية وتسهيل السيطرة عليه. تم تصميم "إصبع نتساريم" كما سُمي لفصل مدينة غزة، عن بقية القطاع. وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، تم إنشاء معبر "كارني" أو باسمه العربي معبر المنطار، الذي كان يستخدم لمرور البضائع.
وكان محور نتساريم بمثابة شريان الحياة لمستوطنة نتساريم الواقعة غربيه، ويشكّل الطريق الرئيسي بينه وبين المناطق الواقعة على الجانب الآخر من الخط الأخضر (بين اتفاقات أوسلو عام 1993 وفك الارتباط عام 2005). ويدرك جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب الحالية على غزة وحتى قبلها، أهمية وجود محور استراتيجي يفصل اليوم المناطق الوسطى والجنوبية من قطاع غزة عن مدينة غزة ومحيطها.
وفي العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008–2009، سيطرت القوات الإسرائيلية على المحور، ومع بداية الاجتياح البري في الحرب الحالية، احتل جنود الجيش الإسرائيلي محور نتساريم من جديد، كونه يسهّل العمليات العسكرية لجيش الاحتلال وسرعة الوصول، كما يقيّد تنقّل الفلسطينيين. وفي الصفقة الأولى، منعت قوات الاحتلال سكان شمال القطاع من العودة إلى منازلهم، إلا ما ندر. وتدرك حركة حماس بدورها، أهمية المحور وتطرح مع كل مفاوضات بشأن الصفقة مطالبتها بانسحاب جيش الاحتلال منه، كجزء أيضاً من الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
وذكرت تقارير عبرية في الآونة الأخيرة، منها ما ورد في صحيفة يسرائيل هيوم، في شهر مارس/ آذار الماضي، أنّ إسرائيل استثمرت في تطوير المعبر، وجهزته بوسائل مراقبة واتصال وغيرها. كما أفاد موقع واينيت العبري في شهر مايو/ أيار الماضي، بأنّ الجيش الإسرائيلي أقام أربع نقاط عسكرية كبيرة على طول محور نتساريم الذي سخّر له الجيش لواءين من قوات الاحتياطي.
ومن المرجّح أن ترفض دولة الاحتلال مغادرة الممر الذي يبلغ طوله نحو 8 كيلومترات، من حدود مستوطنة بئيري إلى شاطئ غزة، ويتراوح عرضه بين كيلومتر وكيلومتر ونصف الكيلومتر. لكنها قد تستخدمه أيضاً كورقة مساومة رئيسية في أي صفقة مقبلة. وفي المقابل، فإن بقاء قوات الاحتلال تراوح مكانها، عند محور نتساريم قد يجعلها هدفاً سهلاً للمقاومة في أحيان كثيرة. ورغم وجود المحور الذي يبتر القطاع وتقييد حركة الفلسطينيين، انتظر جيش الاحتلال معارك شرسة في مواقع عاد إليها، بعد أن ظن قبلها قضاءه على المقاومة فيها. وعليه سيضع الاحتلال نتساريم في ميزان الربح والخسارة.
يعيد هذا إلى ما نشره موقع زمان إسرائيل في شهر إبريل/ نيسان الماضي، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين لم يسمّهم، أنه على الرغم من عدم تصريح إسرائيل رسمياً، فإنها وافقت على مقترح للصفقة في حينه، شمل "تنازلاً" عن السيطرة على محور نتساريم. وتعتبر إسرائيل أن عودة المقاومين تزيد صعوبة تطبيق المرحلة الثالثة من الحرب، والتي تعتمد على عمليات دهم عسكرية موضعية. أما على أرض الواقع فمن الواضح أن المقاومة الفلسطينية بعثرت ولا تزال خطط جيش الاحتلال الإسرائيلي والقيادة السياسية والعسكرية. مع هذا، يعتقد مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنّ الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) يمكنهما التعامل مع أي قرار بشأن محور نتساريم، في إشارة إلى أي احتياجات من أجل التوصل إلى صفقة أو غيرها.