وتنفي تلك الفصائل الشعبية، المعروفة بـ"المقاومة"، أي ارتباط خارجي لها، وتؤكد أن مقاومتها شعبية وتتفاوت بين عمليات طعن بالسكاكين أو إطلاق نار على أفراد "داعش" في أحياء المدينة ليلاً أو نهاراً، وبين إرسال معلومات عن مواقع التنظيم للقوات العراقية والكردية المتواجدة في محوري مخمور والقيارة قرب الموصل، أو كتابة شعارات مناهضة للتنظيم ليلاً. وكحال كل حركات المقاومة أو حركات ردود الفعل، ففي الموصل هناك من يعتبر أن المليشيات أو الأميركيين ليسوا بأفضل من "داعش"، وأن القصف يوقع مدنيين، وأن "المقاومة" تؤدي إلى قتل أبرياء وتدفع التنظيم لشن حملات اعتقال هستيرية، وأنه لا جدوى منها.
فصائل متعددة وهدف واحد
تؤكد مصادر على اتصال بـ"المقاومة" في المدينة التي يسيطر عليها "داعش" منذ يونيو/حزيران 2014، أن خسائر غير قليلة في الأرواح تكبّدها التنظيم، فيما لجأ إلى أسلوب القمع والاعتقال المبني على الشبهات، سعياً منه لإخماد "الهياج الثوري" الذي نشب في صفوف أبناء المدينة، الساعين للتخلص من التنظيم.
وتُعتبر "كتائب الموصل الحدباء"، من الفصائل المنظّمة، ويقودها ضباط قدماء، متمرسون في القتال وحرب المدن، بحسب ما توضح المصادر، التي تشير إلى أن هذه الفصائل تمكّنت من تنفيذ عدد كبير من المهام، قُتل خلالها العديد من عناصر "داعش". كما تمكّنت "كتائب الموصل الحدباء" من نقل إحداثيات دقيقة للقوات العراقية، تتعلق بمواقع لـ"داعش"، جرى قصفها من خلال الطيران الحربي، كذلك وفّرت معلومات مهمة أخرى تخص خططاً للتنظيم وإعداد عناصره وأنواع الأسلحة وأعدادها التي يمتلكها، وغيرها من المعلومات الميدانية.
ونظراً لخطورة العمل في فصائل مقاومة لتنظيم "داعش" داخل الموصل التي تُعتبر أبرز معاقل التنظيم حالياً، اعتمدت "كتائب الموصل الحدباء" في زيادة عدد عناصرها على إنشاء تنظيم سري، يعتمد الثقة من المقربين لقيادات الكتائب، حتى وصل عددهم حالياً إلى نحو 100 عنصر. وتعتمد جميع "فصائل المقاومة" التنظيم السري، وذلك من أجل الحفاظ على سرية العمل والتحركات وأرواح عناصرها وأسرهم.
أما "حركة م"، فتُعتبر أكثر الحركات "المقاومة" في الموصل التي تتمتع بتنسيقٍ عالٍ في إدارة عملياتها، وعُرف عنها تنفيذ عمليات تفجير في مواقع خطيرة لتنظيم "داعش" وقتل عناصره، مكنّها من ذلك توغّل عناصرها داخل التنظيم واختراقهم مراكزه وتوليهم مناصب حساسة، وهو ما يشير إلى إمكانات فكرية وعقائدية كبيرة يتمتع بها عناصر الحركة.
وبحسب المصادر فإن "حركة م" تتمتع بهيكلية تُقسم إلى ثلاثة أجنحة، جناح عسكري وجناح إعلامي وجناح إداري. يتولى كل جناح منها عناصر مدربة، وتُعتبر أكبر فصائل "المقاومة" عدداً، إذ يبلغ تعدادها أكثر من 200 عنصر، ونجحت من خلال تلك الهيكلية في توجيه النظر الشعبي في الموصل باتجاه "المقاومة"، كما نجحت في رفع السخط الشعبي عند أبناء الموصل تجاه "داعش". وعن سر التسمية في ما يخص حرف الـ"م"، تفيد المصادر بأن هذا الحرف يرمز إلى أشياء كثيرة منها الموصل، مقاومة، ممانعة، مناهضة، محاربة، وكل ما يمت بصلة من تسميات تتعلق بـ"المقاومة" تبدأ بحرف الميم.
أما "كتائب النبي يونس"، فيبلغ عدد عناصرها نحو 80 عنصراً، ويطلقون على أنفسهم "الفدائيين"، ويعملون في أغلب مناطق الموصل الموجود فيها عناصر لـ"داعش". وعلى الرغم من قلة عددهم، إلا أن عناصر "كتائب النبي يونس" منظمون بشكل جيد، ويقودهم ثلاثة من عناصر الأجهزة الأمنية في عهد نظام صدام حسين، ويعتمدون في عملياتهم على الكمائن. وبحسب المصادر، نجحت "كتائب النبي يونس" في الاستيلاء على أسلحة ومواد متفجرة كانت بحوزة عناصر لـ"داعش". كما زوّدت "كتائب النبي يونس" بعض الفصائل المعارضة بالأسلحة، بعد أن تمكّنت من حيازة عدد كبير منها بفضل عملياتها العسكرية وكمائنها ضد التنظيم.
وتؤكد المصادر أن هذه الكتائب، تعمل في مناطق وجود عناصرها الذين يتوزعون في مناطق مختلفة من المدينة، كما يعملون على شكل مجموعات، كل مجموعة يتراوح عدد أفرادها بين ثلاثة وخمسة أشخاص، أو تندمج مجموعتان أو أكثر إن تطلب الأمر ذلك.
خطر يهدد بزوال "داعش"
ووفق ما تقوله المصادر لـ"العربي الجديد"، وما نقله عناصر في قوات الجيش العراقي، وزعماء قبليون من الموصل، فإن "داعش" تعرض خلال أكثر من شهرين إلى عمليات مضادة من قبل "مقاومين" في الموصل، أدت إلى زعزعة الأمن الداخلي للتنظيم، كما هددت بزواله السريع من المدينة.
ويؤكد العقيد في الجيش العراقي السابق سلام العكيلي، وهو من أهالي الموصل، لـ"العربي الجديد" أن "داعش" اعتبر وجود مقاومة تعمل ضده في الموصل، عملاً يقف وراءه ضباط وعناصر أمن الأجهزة الأمنية في عهد صدام حسين. ويلفت العكيلي، الذي يسكن في إقليم كردستان، إلى أن "داعش يعتقد أن لا مقاومة تقوم ضده في الموصل إلا أذا كان وراءها ضباط سابقون"، مما دفعه، بحسب العكيلي، إلى شن حملة اعتقالات لضباط في الجيش العراقي السابق، بينهم مقاتلون كانوا شاركوا في عمليات السيطرة على المدينة ضمن الفصائل المسلحة، التي كان بينها تنظيم "داعش" صيف 2014.
ويشير إلى أن "تنظيم داعش بعد سيطرته على المدينة، فرض على جميع الفصائل الانضمام إلى صفوفه ومبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي، لكن ضباطاً سابقين، ومقاتلين في الجيش العراقي السابق، كانوا يقاتلون ضمن فصائل حزب البعث والنقشبندية رفضوا ذلك، بعضهم تم قتلهم أو سجنهم بسبب رفضهم، وآخرون أعلنوا ولاءهم لكنهم لم ينضموا إلى صفوف التنظيم".
عزل الموصل عن العالم
عمد تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة، بهدف السيطرة على تحركات "المقاومة"، إلى قطع خدمة الإنترنت على سكان الموصل، لتفقد المدينة آخر وسيلة اتصال بالعالم الخارجي. خلية "الإعلام الحربي" التابعة للجيش العراقي أكدت الأمر في بيان لها أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، لافتة إلى أن التنظيم أمر بقطع شبكة الإنترنت عن معظم مناطق الموصل، بدءاً من أول أغسطس/آب الحالي، بدعوى "التخوّف من أن تكون للقوات العراقية عيون داخل المدينة، تقدّم لها معلومات عن مواقع ومقرات التنظيم عبر الإنترنت".
وقد أبلغ عناصر "الحسبة"، وهي الجهة الرقابية المسؤولة عن تطبيق وتنفيذ تشريعات "داعش" في المدينة، مزودي خدمة الإنترنت في الموصل، بحجب الخدمة عن المشتركين في المدينة، محذرين المخالفين بعقوبات قد تصل إلى السجن، أو الإعدام في حال ثبوت التعاون مع جهات أمنية غير معروفة وتزويدها بمعلومات عن مواقع التنظيم. التنظيم وعقب قراره بإغلاق شركات الانترنت، قرّر فتح مقرات خاصة أشبه بمقاهي الإنترنت، تتيح للسكان استخدامها، لكن هذه المواقع تكاد لا تخلو من عناصر التنظيم لمراقبة اتصالات السكان.
يُشار إلى أن "داعش" يسيطر منذ صيف 2014 على مدينة الموصل، ومنها تمدد إلى مدن أخرى داخل العراق. ويفرض التنظيم قوانين صارمة على المدنيين تتعلق بحياتهم اليومية ومعتقداتهم الدينية، وصلت عقوبات مخالفي قوانينه إلى الجلد والسجن وقطع الأطراف والقتل، بحسب ما يحدده للمخالفين. يأتي ذلك في وقت تستعد فيه القوات العراقية إلى خوض معركة مدعومة بغطاء جوي للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لتحرير المدينة.