مغتربون في خدمة الأسد

28 مايو 2021
من تظاهرات ضد الانتخابات (Getty)
+ الخط -

يبدو أن مسرحية "العرس الديمقراطي" في سورية تحوّلت في الإعلام إلى ارتجال وخروج عن النصوص. فبعض "الإخوة المواطنين"، في سياق تحكّم كومبارسي، لم يفهموا إشارات "مايسترو لغة الإشارة" عن طوابير "البصم بالدم للسيد الرئيس". وبما أن المايسترو من الممكن أن يكون "مساعداً أول" في فرع مخابراتي، فقد زاد مشقة مراسلي "قنوات الديمقراطية"، بعدم تخريب المقدمات، والنتيجة الهتاف بـ"الله سورية بشار وبس".

يدرك السوريون عموماً منذ 50 عاماً أن السياسة في بلادهم مجرد مسرحية عبثية، وهي في 2021 أردأ من مسرحيات سلالة كيم الكورية الشمالية في التسعينيات. كان يمكن للأمر أن يمر من دون همروجة الصور للتغطية على دمار المدن، لكن ترك المخيلة تستنتج أن تصويت الأسد في دوما (عاصمة الغوطة الشرقية) هوعودة إلى مسرح الجريمة، أعاد ترسيخ الوعي بحقيقة النظام الاستبدادي. اكتمال فصول المسرحية استدعى أيضاً أن ترتدي "العلمانية الأسدية" رداء دينياً، بتجيير المسجد الأموي، وتحويله إلى مهرجان خطابي شبيه بمهرجانات انتصارات "البعث"، منذ 1967. فيما يطل وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ليخبرنا أن ديمقراطية رئيسه أفضل من الأميركية، بل وتتجاوز برلين وبقية أوروبا.

للأسف فإن خطاب المقداد، وما يسمى إعلاماً في دمشق، يجد جمهوراً من بين الفارين منذ عقود نحو الغرب، وبينهم عرب وليس فقط سوريون. فالانفصام سيد الموقف عند من تراه يسارع فرحاً لمشاركته للمرة الأولى في حياته، من دون اكتساب جنسية، في انتخابات بلدية في بلاد الاغتراب، وفي الوقت نفسه يذم الديمقراطية التي منحته حماية وحقوق مواطنة، لمصلحة تمجيد مستبد في الشام، من دون جرأة على العودة إلى الوطن.
نفر الانتهازيين في أوروبا، ممن أساءوا فعلياً لمقاصد اللجوء والهجرة، لا يستطيع أن يجيب على مشاهد استغلال الدين لترسيخ الديكتاتورية باسم الديمقراطية، وعلى الرغم من ذلك يمعنون في إهانة العقل ومقاصد بحثهم عن الحرية والحماية.

وفي سياق هذا المشهد العبثي، ثمة ما استوقف كثيرين في تعريف نظام التهجير للمهجرين السوريين نحو لبنان ودول الجوار. فجأة صار النازحون في لبنان "مغتربين". وكأننا عملياً أمام تعريف جديد للتهجير القسري تحت كل أنواع القصف والتدمير والاضطهاد، فالناس الذبن يأوون إلى الخيام في أسوأ ظروف يمكن تخيلها، يعتبرهم ساسة وإعلاميو الأسد "مغتربين"، شأنهم شأن المغتربين في أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأستراليا ودول الخليج العربي.

في المجمل، يبدو من العبثي مناقشة بديهيات أن منظومة الحكم في دمشق غير شرعية. بيد أن ما يستحق التوقف عنده ومناقشته مستقبلاً أن في دول الاتحاد الأوروبي، بمعية تل أبيب، يعرفون أن نظام الأسد وكل مسرحياته "الديمقراطية"، لن يأخذا المشهد السوري إلا نحو مزيد من المآسي والكوارث. ما ينطبق على أوروبا، التي تخشى فقط جحافل لاجئين إليها، يسري على دول عربية، ساعية لإعادة نظام متهم بارتكاب جرائم حرب إلى الحظيرة الرسمية، بادعاء حرص كاذب على شعب سورية، وبحجة "مواجهة نفوذ إيران". فهؤلاء المهرولون نحو تقديم غطاء للأسد يقومون في حقيقة الأمر بتسليم سورية إلى طهران وأذرعها على طبق من فضة، مناصفة مع بقية الاحتلالات، وعلى رأسها الروسي، مع ما يستتبعه من تثبيت تقسيم البلد، وانتزاع سيادة شعبها، والبدء بحالة تغيير ديمغرافي تام لسورية المستقبل.

المساهمون