بعد أربعين سنة، يتكرر السيناريو نفسه تقريباً، بالرغم من اختلاف الظروف وشخصية وأداء الرئيسين. التحديات التي قضت على طموح الرئيس جيمي كارتر بتجديد رئاسته في 1980، هي من ذات عيار المشكلات التي واجهت ولا تزال حملة الرئيس دونالد ترامب، وتجمّدها عند فارق مرجح أن يؤدي إلى نتيجة مماثلة لصالح خصمه جو بايدن.
آنذاك واجه الرئيس كارتر 3 عقبات كبيرة حكمت على حملته بالشلل: أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران والتي استمرت حتى آخر لحظة في رئاسته، وكشفت يومها عن تخبط وتعثر في استعادة الدبلوماسيين قبل موعد الاستحقاق الرئاسي وبما عزّز صورته كرئيس "ضعيف" وعاجز عن حسم مشكلة صغيرة قياساً على دولة عظمى؛ العلة الثانية كانت اقتصادية، تمثلت في تصاعد البطالة إلى حوالي 7,2% مضافة إلى تضخم بمعدل 14,7%؛ أما العثرة الثالثة فكانت بمثابة تحصيل حاصل للسببين أعلاه، والتي تجلّت في تعذر حصوله على موقع متقدم ولو لمرة واحدة خلال الحملة، على منافسه رونالد ريغان، الذي تمكن من إحراز نصر كاسح بلغ حدّ حصوله على 489 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي (من أصل 538) مقابل حصول كارتر على 49 صوتاً فقط.
بالمقارنة، يواجه الرئيس ترامب 3 تحديات مشابهة، وإن من صنف آخر: تفشي وباء كورونا الذي شكّل التحدي الأكبر بتفاقم أرقام انتشاره ووفياته، لا سيما مع عدم تعامل الإدارة معه بصورة علمية وبكثير من الاستخفاف في مسألة فاصلة بين الحياة والموت، وفق توصيفات الغالبية الكاسحة من المعنيين والمختصين في القطاع الطبي العلمي. المفترض أن يقود هذا القطاع معركة المواجهة مع الفيروس وتوفير الإدارة لمستلزمات هذه المواجهة. لكن البيت الأبيض راهن على تبخّر الفيروس مع حلول الصيف، وبما يعطيه دفعة زخم لحملته الانتخابية. غير أنّ الحقائق كشفت وهم مثل هذه المراهنة، بل كلفتها؛ فمع الوقت تراكمت الخسائر التي جاورت 9 ملايين إصابة و228 ألف وفاة، في الطريق إلى ربع مليون، أو ربما إلى ضعف ما هي عليه الآن حسب توقعات المراجع المختصة، ومنه الدكتور أنتوني فاوتشي. هذه الأرقام المخيفة لعبت، ومنذ البداية، الدور الرئيسي في صياغة خيارات الناخبين، الذين رأوا في استفحال الوباء حالة من التقصير والعجز في إدارة البيت الأبيض للأزمة. تماماً كما رأوا في أزمة رهائن السفارة في طهران.
البطالة ما زالت فوق 7%، أي ما كانت عليه أواخر أيام الرئيس كارتر
العامل الثاني يتمثل في تردي الوضع الاقتصادي، كنتيجة لكلفة الوباء. صحيح أن أرقام النمو، الخميس، جاءت في ظاهرها واعدة -31% - لكنها في حقيقتها ليست سوى جزء من استرجاع الصعود بعد حالة الركود الحاد التي فرضها الفيروس.
البطالة ما زالت فوق 7%، أي ما كانت عليه أواخر أيام الرئيس كارتر. حزمة التحفيز والعون لم تخرج من الكونغرس بعد، ومن غير المضمون أن تصدر بعد الانتخابات. وبالتالي تزداد التوقعات تشاؤماً إزاء الوضع الذي قد لا يرى الانفراج قبل أواخر السنة المقبلة وفق تقديرات معظم خبراء الاقتصاد.
العامل أو العائق الثالث كان وما زال عجز الرئيس ترامب عن التقدم ولو مرة واحدة في استطلاعات الرأي على بايدن؛ نفس العجز الذي عانى منه كارتر في 1980، مما يدل على عمق أعطاب حملته وجذرية تأثيرها في خيارات الناخبين، وبخاصة المستقلين والمتأرجحين بين الحزبين. وهذا مدلول له ترجمته على صعيد النتائج في نهاية المطاف.
يفرض هذا التشابه نفسه، قبل 4 أيام من نهار الحسم. وتتبدّى انعكاساته في أجواء الفريقين الديمقراطي والجمهوري. الأول من شدة ارتياحه يستعجل يوم الاقتراع ويتمنى لو كان غداً. الثاني خائف من اقتراب لحظة إعلان النتائج التي يتمنى لو أمكنه تأخير موعدها. الديمقراطي كان له ما أراد وإلى حدّ بعيد، سواء لجهة جعل كورونا الناخب الأكبر أو لجهة جعل الانتخابات استفتاء حول رئاسة ترامب. يساعده في ذلك إقبال غير مسبوق على التصويت المبكر، الذي بلغ 85 مليون ناخب حتى اليوم، ومن المتوقع أن يبلغ 100 مليون عشية يوم الانتخاب، بعد أن مددت ولايات مدته، التي كان ينبغي أن تنتهي يوم الجمعة، حتى الإثنين، بسبب كورونا. من جهته، لا يزال الجمهوري يعلق الآمال على خطف ما يكفي من الولايات الحاسمة في اللحظة الأخيرة؛ مثل فلوريدا وبنسلفانيا، ولو أنّ الأرقام تستبعد ذلك.
لكن ما في بطن صندوق الاقتراع محجوب ولغاية الكشف عنه. والأسئلة الشاغلة الآن: متى يتم هذا الكشف؟ ومتى يُعتمد بصورة رسمية؟ هل كالعادة حوالي منتصف ليل الثلاثاء المقبل، أم في اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو ربما الأشهر المقبلة؟