معركة الوجود في النقب: شاهد على النكبة المستمرة

14 يناير 2022
تشهد المنطقة حملة شرسة لتجريف أراضي السكان (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تتعرض منطقة النقب، في الداخل الفلسطيني، في هذه الأيام لحملة جديدة هدفها الاستيلاء على الأرض ومصادرتها. وتشبه الحملة تماماً في جوهرها أحداث النكبة في العام 1948. 

والفارق الوحيد هو في حجم الآليات والقوات المحتلة على الأرض في قرى نقع بئر السبع. وستار هذه الحملة الجديدة هو مزاعم تحريش الأرض وزراعة الأشجار، وهو ما يشكل ترجمة لتصريح وزيرة الداخلية الإسرائيلية أيليت شاكيد، أخيراً، بأن مشروع بن غوريون في النقب لم يكتمل بعد.

وتشهد المنطقة حملة شرسة وضارية لتجريف أراضي السكان، التي يعتاشون منها بالزراعة وتربية المواشي، وتحويلها إلى أراضٍ مزروعة بالأشجار الحرجية، في مخطط رسمه الصندوق القومي اليهودي (المعروف بالعبرية باسم "الكيرن كاييمت ليسرائيل")، باعتباره الأداة التنفيذية لسلطة أراضي إسرائيل والحكومة. وتسانده في تنفيذه على الأرض أذرعها الشرطية، لا سيما وحدة "يواف" المخصصة للمواطنين البدو في النقب.

منصور النصاصرة: الكثير من أهالي النقب وبئر السبع يملكون صكوكاً عثمانية وانتدابية تبين ملكيتهم للأرض

عمليات التجريف وزراعة الأشجار طاولت الإثنين والثلاثاء والأربعاء الماضي أراضي قرية سعوة، خصوصاً تلك التابعة منها لعائلة الأطرش، منذرة بقرب الاستيلاء على كامل مساحة الأرض هناك. وتصل مساحة الأرض إلى قرابة 40 ألف دونم، تملكها العائلات الأصلية هناك. وتعود في غالبيتها لعشيرة القديرات ولعائلات أخرى هجّر بعضها من أراضيها الأصلية، وانتقلت للسكن في هذه الأرض.

عمليات تهويد النقب ليست جديدة

عمليات تهويد أرض النقب ليست محاولات طارئة، وإنما هي تسلسل لأحداث تعاقبت على المنطقة على مدار سنوات طويلة، منذ العام 1948.

ويقول الباحث الفلسطيني منصور النصاصرة، وهو ابن النقب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إسرائيل لم تعترف منذ العام 1948 بملكية البدو للأرض، رغم احتفاظ غالبيتهم بصكوك بريطانية وعثمانية، تحدد بعبارات واضحة وقانونية تلك الملكية.

ويشير إلى أن الكثير من أهالي النقب وبئر السبع يملكون، في هذه الأيام، صكوكاً عثمانية وانتدابية، تثبت دفعهم للضرائب، وتبين ملكيتهم للأرض، لكن السلطات الإسرائيلية تصرّ على أن هذه الوثائق التي يحملها البدو تعود إلى العهد التركي، وهي ليست دليلاً للملكية. وتدعي بناء على ذلك أن أراضي البدو هي أرض دولة، أو أتبعت للسلطان العثماني، وليست ملكية فردية. 

ويؤكد أن عرب النقب لم يستسلموا لهذا القدر، فقد قدموا، منذ خمسينيات القرن الماضي للمحاكم والمؤسسات الإسرائيلية المختلفة آلاف الوثائق والمستندات التي تثبت ملكيتهم للأراضي.

طلبات للحكومة لعودة البدو إلى أراضيهم

ويوضح النصاصرة، لـ"العربي الجديد"، أنه وفقاً للأرشيفات الإسرائيلية المتوفرة فقد "حصل البدو على وعود بعدم المسّ بملكية أرضهم، خصوصاّ بعد العام 1948. يضاف إلى ذلك أن البدو، الذين جرى ترحيلهم من المنطقة الغربية إلى النقب، حصلوا على وعود بالعودة إلى أراضيهم. لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن عودتهم إلى أرضهم مسألة شائكة، وستستغرق سنوات طويلة".

ووفقاً للنصاصرة فإن تلك الوثائق "تشير بوضوح إلى أن البدو الذين هجروا من المنطقة الغربية للنقب إلى منطقة السياج (وهو اسم أطلق على المنطقة التي جرى تركيز البدو فيها تحت الحكم العسكري في شمال شرق النقب، وهي 10 في المائة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة القبائل البدوية قبل العام 1948)، أرسلوا طلبات مختلفة إلى الحكومة الإسرائيلية للسماح لهم بالعودة إلى أراضيهم، التي استولى عليها الوصي على أموال الغائب، لكن دون جدوى".

تسلسل الأحداث خلال حرب النكبة وبعدها

من جهته، يوضح رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب، عطية الأعسم، تسلسل الأحداث على أرض النقب بعد ترحيل الناس إلى منطقة السياج، خلال حرب النكبة وبعدها. 

ويقول، لـ"العربي الجديد"، إنه تم "وضع الناس تحت الحكم العسكري لغاية 31 ديسمبر/كانون الأول 1966، وتم التعامل معهم بطريقة عسكرية بحتة".

ويضيف الأعسم أنه "في العام 1965 سن الكنيست الإسرائيلي قانون التخطيط والبناء. واعتبرت الحكومة الإسرائيلية آنذاك منطقة السياج منطقة عسكرية مغلقة (محرمة)، وغير صالحة للسكن رغم وجود البدو فيها. أما بعد حرب يونيو/حزيران عام 1967، وتحديداً في العام 1968، قررت الحكومة إنشاء قريتي تل السبع ورهط لتركيز السكان البدو فيهما، وتغيير نمط حياتهم البدوي".

عطية الأعسم: إسرائيل فشلت بتغيير نمط حياة البدو في تل السبع

ويلفت الأعسم إلى أن هذا الأمر لم يفلح في تل السبع، لكنه نجح في رهط التي أصبحت اليوم المدينة العربية الوحيدة في الجنوب. ويعزو الأمر إلى أن "بعض السكان، الذين تم نقلهم من النقب الشمالي والغربي، أرادوا العودة إلى رهط ليكونوا بالقرب من مسقط رأسهم، بينما رفض قسم آخر منهم السكن في المدينة".

وبعد اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل تقرر إنشاء مطار البحيري، أو ما يسمى بـ"مطار نباطيم"، وعليه اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف بقرى كسيفة وعرعرة النقب وشقيب السلام، كي يتسنى لها ترحيل السكان من أرض المطار إلى تلك القرى. 

ولاحقاً في ثمانينيات القرن الماضي تم الاعتراف ببلدتي حورة واللقية، ليكون عدد بلدات التركيز الثابتة التي أنشأتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لتركيز البدو 7، تم فيها تجاهل أدنى مقومات الحياة الكريمة، لا سيما الحق في السكن للأجيال المقبلة.

وبالتالي تعاني هذه البلدات الآن من أزمة سكن خانقة، أدت إلى تفشي أزمة العنف بين السكان. وأدت البطالة والفقر، وعدم توفر مناطق صناعية أو فرص عمل، بالناس إلى عيش البحث عن السكن وقوت عيالهم يومياً، وبلا جدوى.

رفض الأهالي ترحيلهم إلى قرى ثابتة

وحافظ سكان القرى غير المعترف بها في ثمانينيات القرن الماضي، على صمودهم، ورفضوا محاولات تركيزهم أو ترحيلهم لقرى ثابتة، تحرمهم من مساحات واسعة من أراضيهم ونمط حياتهم التقليدي. 

وشهدت سنوات تسعينيات القرن الماضي نشاطاً دؤوباً لتنظيم صفوفهم، تمخض في العام 1997 عن إنشاء جسم يمثلهم، هو المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب. وكان عدد تلك القرى في حينه 49، تقلص عددها تدريجياً ليصل اليوم إلى 32 قرية حسب معطيات المجلس الحالية.

وبالرغم من أن المجلس الإقليمي ضم عشرات القرى، إلا أن الحكومات الإسرائيلية رفضت الاعتراف به كجسم قانوني يمثل السكان. وقامت بعد الاعتراف بعدد من القرى، التي كانت ضمن المجلس المذكور، بإنشاء مجلس إقليمي واحد لها جميعاً، حمل اسم "مجلس أبو بسمة". 

وعينت وزارة الداخلية الإسرائيلية، بعد العام 2000، أعضاء يهودا ورئيسا يهوديا لهذا المجلس، بحجة "متابعة أمور السكان وقضاياهم". لكن هذا المجلس، الذي فرض عليهم بأعضائه ورئيسه، لم يقدم لهم أي خدمة.

وبعدها بسنوات طالب السكان بإجراء انتخابات لاختيار رئيس المجلس مباشرة، كي يكون من السكان الأصليين، وليس موظفاً تعينه الحكومة. ورفع السكان التماساً للمحكمة بهذا الطلب. في البداية، وافقت المحكمة الإسرائيلية على مطلب السكان، لكنها اشترطت عدم حصول أحداث شاذة خلال إجراء الانتخابات المباشرة.

رفضت الحكومات الإسرائيلية الاعتراف بالمجلس الإقليمي، الذي ضم عشرات القرى، كجسم قانوني يمثل السكان

لكن سرعان ما تبين وجود مخطط حكومي، سعى لضرب وحدة سكان قرى المجلس الإقليمي، من خلال فصله إلى قسمين، هما المجلس الإقليمي "واحة الصحراء"، والمجلس الإقليمي "القيصوم"، ليعود موضوع تعيين موظفين يهود لرئاستهما إلى الواجهة. واستمر الحال على ما هو عليه، إلى أن تم أخيراً إجراء انتخابات، واختيار ممثلي السكان هناك.

وأصبح كل مجلس مسؤولاً عن عدد من القرى ومنفصلاً عن الآخر. وتتبع إلى "واحة الصحراء" القرى الواقعة على خط 25 و40، وهي قصر السر وأبو قرينا وأبو تلول وبير هداج، بينما "القيصوم" مسؤول عن القرى على خط 31، وهي ترابين الصانع وأم بطين والسيد وسعوة والدريجات وكحلة ومكحول.

ووافقت الحكومة الإسرائيلية على طلب السكان، مطلع العام الحالي، الاعتراف بمزيد من القرى. وسمحت بإقامة ثلاث قرى، هي عبدة وخشم زنة ورخمة. لكن الموافقة على إقامة القرى لا تعني الاعتراف بها، وإنما تأتي على شكل مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، وتركيز السكان في جزء بسيط منها، تماماً كما حدث خلال إنشاء قرى التركيز السبع الأولى. فمثلاً، ستخسر قرية خشم زنة نحو 13 ألف دونم من مساحتها الأصلية، ليتركز السكان في نحو 2500 دونم.

المساهمون