كشفت مصادر خاصة، عن حالةٍ من الغضب في صفوف أمناء الشرطة في مصر، والذين وصفتهم المصادر بـ"عصب وزارة الداخلية"، وقوامها الأساسي. وقالت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن الغضب يعود إلى مجموعةٍ من القرارات والتوجيهات التي أوصى بها جهاز الأمن الوطني، واعتمدها وزير الداخلية محمود توفيق أخيراً، والتي تتعلق في المقام الأول بأمناء الشرطة وتأثيرهم السلبي على صورة الوزارة.
وأوضحت المصادر، أن القرارات تمثلت في وقف العمل ببعض التعديلات التي أدخلها مجلس النواب في مايو/أيار 2012 على قانون هيئة الشرطة، المتعلقة بتنظيم الشؤون الوظيفية للضباط والأفراد وقواعد تعيينهم وتنقلاتهم وترقياتهم، وقواعد التأديب والإجازات والانتدابات، بهدف دعم السياسات الأمنية وتحسينها. أما أبرز هذه التعديلات، فكانت إلغاء المحاكمات العسكرية لأمناء الشرطة، باعتبارها مخالفة دستورية، كون الشرطة "هيئة مدنية"، واستحداث فئة جديدة ضمن أعضاء هيئة الشرطة، وهي فئة "ضباط الشرف"، والتي يتم من خلالها ترقية أمناء الشرطة المتفوقين في العمل إلى رتبة "ضابط شرف".
تمثلت القرارات بوقف العمل ببعض التعديلات التي أدخلها مجلس النواب في 2012 على قانون هيئة الشرطة
وأضافت المصادر، أن توصية قيادة الأمن الوطني بالوقف "غير المعلن"، للعمل برتبة "ضابط الشرف" لأمناء الشرطة، جاءت بهدف الحفاظ على الصورة الذهنية المجتمعية لضباط الشرطة المصرية، على حد تعبير المصادر، التي أكدت أن السبب يرجع لممارسات أمناء الشرطة، في تحصل الكثير منهم على رشاوى من المواطنين، وكذلك إضرارهم بالصورة الذهنية لضابط الشرطة، في سلوكيات ومظاهر أخرى. كما أوضحت المصادر أن القرارات شملت عدم رفع الدرجة الوظيفية لأمناء الشرطة الذين يقومون باستكمال دراستهم الجامعية، بالحصول على شهادة "ليسانس" (إجازة) في الحقوق، ونقلهم إلى كادر الضباط برتبة "ملازم"، وهو عرف داخل الوزارة مستمر منذ عشرات السنين، وتم من خلاله ترقية الكثير من أمناء الشرطة إلى رتبة ضابط في فترات طويلة مضت.
وشملت القرارات أيضاً، بحسب المصادر، عدم السماح لأبناء أمناء الشرطة بالالتحاق بأكاديمية الشرطة، لأسباب وصفتها بـ"الاجتماعية"، مشددة على أن القرارات تسببت في حالة غليان بين فئة أمناء الشرطة، الذين يرون أنفسهم "أساس الوزارة"، وأنهم هم من يتحملون الأزمات التي يتسبب فيها الضباط، وليس العكس، بالإضافة لكونهم المسيطر الحقيقي على نطاقات عمل أقسام الشرطة من خلال علاقاتهم مع المواطنين، والقيادات الشعبية بشكل حقيقي. ويأتي ذلك على عكس الأدوار الظاهرية التي يقوم بها الضباط، والتي تكون في معظمها قائمة على المظاهر فقط، بحسب المصادر، ووفقاً لما تناقله أمناء الشرطة.
وبتلك التعديلات لا يكون أمام أمناء الشرطة في حال رغبتهم بإلحاق أبنائهم للعمل ضمن الوزارة، سوى إلحاقهم بمعهد أمناء الشرطة، أو العمل المدني داخل الوزارة بعد تخرجهم من الكليات المختلفة في التخصصات ذات الصلة. يذكر أن برلمان 2012 الذي عرف بـ"برلمان الثورة"، كان قد أقر مجموعة من التعديلات التي من شأنها المساواة بين كافة المواطنين والمحافظات، في الالتحاق بكلية الشرطة، بعدما ظلّت مقصورة على طبقات اجتماعية محددة، بالإضافة لمنع أبناء سيناء من الالتحاق بها في أوقات مضت.
وأخيراً، قامت النيابة العامة بإصدار أمر بحبس أربعة أمناء شرطة، وتبرئة ضابط بنقطة شرطة المنيب، بعد توجيه اتهامات له بتعذيب أحد المواطنين بالجيزة، حتى الموت، في أعقاب اعتراضه على طريقة تعامل أفراد حملة شرطية، على أحد أسواق المنطقة، ما دفع الضابط المسؤول، إلى القبض عليه دون إذن من النيابة، واحتجازه، قبل أن يفاجئ ذويه بإبلاغهم بوفاته. هذه الحادثة تسببت في تظاهرات ومواجهات بين الشرطة وأبناء المنطقة، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن تضطر السلطات لإصدار قرار بسحب الأمناء الأربعة، وإحالتهم للتحقيق، في محاولة لتهدئة الشارع الغاضب.
وفي مقابل تلك الواقعة، لم تسمح الوزارة بحبس أحد ضباطها الذي قام بقتل أحد المواطنين، ويدعى عويس الراوي في قرية العوامية بالأقصر، أقصى الجنوب المصري، بعد رفض إهانة وجهها الضابط لوالد القتيل، ليرد الضابط بقتل الابن أمام أعين والده وأبنائه وزوجته، قبل أن يهرب من غضب المواطنين في الواقعة التي تسببت أيضاً في مصادمات بين الشرطة والأهالي الغاضبين. إلا أن النيابة المصرية في هذه المرة، لم تقم بإصدار أمرٍ بإحالة الضباط للمحاكمة أو حبسه على ذمة التحقيق، بل قامت بتزييف الواقعة، وتم الضغط على أهالي القتيل، لإجبارهم على التنازل عن روايتهم الحقيقية، وإصدار بيان رسمي من جانب النيابة العامة وجّه اتهاماً للقتيل بأنه هاجم القوات، باستخدام بندقية آلية.
يرى أمناء الشرطة أنهم "أساس وزارة الداخلية" ويتحملون الأزمات التي يتسبب بها الضباط وليس العكس
يذكر أن العام 2016 حمل واقعة فريدة من نوعها، بعدما قامت قوة أمنية من وزارة الداخلية بالقبض على 7 من أمناء الشرطة، من أعضاء ما يسمى "ائتلاف الشرطة" وقتها، أثناء دخولهم مدينة الإنتاج الإعلامي للظهور، مع المذيع وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساء، للحديث عن مشكلات وأزمات الأمناء. وحصل ذلك في أعقاب اعتصام نظّمه أمناء الشرطة بمديرية أمن الشرقية، وهو ما واجهه زملاؤهم من الأمناء وقتها، بقطع طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر، أمام مدينة الإنتاج الإعلامي، قبل أن تقوم قوة أمنية أخرى بالسيطرة على الوضع وفتح الطريق أمام حركة السيارات.
وارتبطت فئة أمناء الشرطة في مصر بالكثير من اللغط منذ نشأتها على يد وزير الداخلية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شعراوي جمعة. كان الغرض المعلن منها هو توفير رجال شرطة متعلمين لموازنة الأمر بين الغالبية التي كانت موجودة وقتها من الأميين والفلاحين الذين شكّلوا عصب وزارة الداخلية. لكن الحقيقة أن إنشاء معهد أمناء الشرطة كان خطوة في إطار جهود عبد الناصر لاحتواء الجيش، وتشكيل قوة ثانية تستطيع حماية النظام من تقلبات القيادات العسكرية، بعدما اصطدم بتغول نفوذ المشير عبد الحكيم عامر، الذي كانت شرطته العسكرية هي صاحبة الأمر والنهي في المسائل الأمنية في ذلك العهد.
وتضخمت وزارة الداخلية، وتضخم معها عدد أمناء الشرطة حتى بلغ 100 ألف فرد، أي أضعاف عدد الضباط المقيدين في وزارة الداخلية، والتي تخطى أفرادها العاملون حوالي 400 ألف عنصر، عدا المجندين بقوات الأمن، والأمن المركزي. ويصل العدد الإجمالي إلى أكثر من مليون فرد في وزارة أصبحت تهيمن على كل المصالح الحكومية، وتنتشر مراكزها وأقسامها على كل أراضي مصر، بما يشكل ما يعرف بين المصريين، بأنه "دولة أمناء الشرطة".
وبعد حوالي أسبوع من توليه منصبه، في يونيو/حزيران 2018، صدّق وزير الداخلية المصري محمود توفيق، على حركة التنقلات الجديدة لأمناء وأفراد الشرطة، متضمنة عزل نحو 200 أمين شرطة من الأمن العام والأمن الوطني (أمن الدولة) على خلفية صدور تقارير تقييم سلبية بشأنهم من اللجان التي شكلتها الوزارة لتقييم الأمناء والأفراد. معظم عمليات العزل متعلقة بانتماء العشرات منهم لتيارات سياسية وفكرية معارضة للنظام الحاكم، أو لانخراطهم في أنشطة حقوقية ونقابية واجتماعية، فضلاً عن عدد كبير من الأمناء الذين كان لهم ظهور إعلامي في فترة المطالب الفئوية لتحسين أوضاع أمناء الشرطة في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بالإضافة لوقف أكثر من 300 أمين شرطة عن العمل وإحالتهم لمجلس التأديب.
وعلى عكس ما حدث في الحركة السابقة من عزل عشرات أمناء الشرطة بسبب تورطهم في مساعدة مجموعات إرهابية، أو اختراقهم معلوماتياً، أو وقوعهم فريسة للخداع من قبل خلايا تنتمي لتنظيم "داعش" في سيناء تحديداً، وهي جميعاً مخالفات مهنية، فإن الحركة الجديدة تضمنت بشكل أساسي عزل غير المرغوب بهم لأسباب سياسية وفكرية أو لعدم إبدائهم تأييد النظام الحاكم بصورة كافية بحسب رأي لجنة التقييم.
وكشفت مصادر خاصة، حينها، لـ"العربي الجديد"، أن "استمارات التقييم التي يكتب فيها أعضاء اللجنة آراءهم، تنطوي على خمسة معايير تقديرية فقط لا غير هي: المظهر العام، الإيجابية والانتظام، الالتزام بالأوامر، الحفاظ على أسرار العمل، والأخلاق والسمعة. وهي جميعاً أمور لا يمكن قياسها بالأرقام، وبالتالي فهي تتخذ فقط كشكل قانوني صوري لضمان رسوب أمين الشرطة غير المرغوب فيه، والذي يكون قد خضع للتحقيق قبلها أمام مكتب التفتيش والرقابة بقطاع الأفراد، في حالة عدم ارتكابه أي مخالفات قانونية. أما في حالة ارتكاب المخالفات، فيتم التحقيق مع الأمين صورياً أيضاً في قطاع الشؤون القانونية، وفي كل الأحوال يكلف الأمن الوطني بإعداد تقرير بالمسار المهني والسياسي للأمين وعلاقاته العائلية والاجتماعية".