دفع الطعن المقدّم أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق، ضد نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي من المفترض أن تعقد غداً الأحد جلسة جديدة للنظر فيه، إلى تأجيل الحوار بشأن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بين زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر والقوى السياسية الأخرى المتحالفة تحت مسمّى "الإطار التنسيقي"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وأرجأت المحكمة الاتحادية، الأربعاء الماضي، حسم الطعن المقدّم بنتائج الانتخابات حتى السادس والعشرين من الشهر الحالي، وسط تشكيك بإمكانية عقد الجلسة يوم غد بعد إعلان بغداد الأحد، عطلة رسمية بمناسبة أعياد الميلاد، ما يعني أنها قد تعقد بعد غد الاثنين.
وتستند دعوى تحالف "الفتح" المقدّمة إلى المحكمة، إلى نحو 20 ملفاً تتضمّن وثائق وأرقاماً وبيانات وشهادات مختلفة، تتعلق بما يعتبرها التحالف دليلاً على التزوير والتلاعب في الانتخابات، ويطالب بإلغائها.
ويُعدّ تحالف "الفتح"، الذي يمثل "الحشد الشعبي" سياسياً في العراق، إحدى أبرز القوى التي لم تحقق نتائج مهمّة في الانتخابات، وحلّت متأخرة من ناحية عدد المقاعد البرلمانية بواقع 17 مقعداً فقط، بعد أن كان يشغل قرابة 50 مقعداً في البرلمان السابق.
وشهدت الانتخابات تراجعاً لقوى أخرى بارزة مثل تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، وائتلاف "النصر" برئاسة حيدر العبادي، إضافة إلى "صادقون" و"حقوق" المرتبطتين بفصائل مسلّحة، هما "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، ما دفع هذه الأطراف إلى رفض النتائج، وتشكيل "الإطار التنسيقي" المعارض لنتائج الانتخابات. في المقابل، فازت الكتلة الصدرية التي يتزعّمها مقتدى الصدر بـ73 مقعداً من أصل 329، يليها تحالف "تقدم" بـ37 مقعداً، ثم ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي برصيد 33 مقعداً، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني بـ31 مقعداً.
تأجيل الاجتماع لا إلغاؤه
وأبلغ القيادي في تيار "الحكمة"، الذي يتزعمه رجل الدين عمار الحكيم، النائب رحيم العبودي، "العربي الجديد"، بتأجيل الاجتماع الثاني المرتقب بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقادة "الإطار التنسيقي"، الذي كان تؤمل إقامته في منزل الصدر بحيّ الحنانة، في مدينة النجف جنوبي العراق، مؤكداً أنه "تأجل إلى إشعار آخر، إلى حين حسم المحكمة الاتحادية الدعوى المقامة ضد نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة".
وتابع: "الاجتماع تأجل ولم يُلغَ، وستجري حوارات مكثفة بين التيار الصدري و"الإطار التنسيقي" عبر القيادات وعبر لجان تفاوضية مشتركة، لكن هذا الأمر بانتظار حسم المحكمة الاتحادية العليا للدعوى ضد الانتخابات".
وأضاف العبودي أن "الذهاب نحو تشكيل حكومة أغلبية أمر مستبعد جداً، بل هو صعب، ولهذا فإن التوجه سيكون بعد حسم الدعوى نحو تشكيل حكومة توافقية، وربما قرار المحكمة الاتحادية سيغير شيئاً من النتائج المعلنة، وهذا الأمر ستكون له تداعيات جديدة على مستوى الحوار والتفاوض بين الأطراف السياسية كافة، لا الشيعية – الشيعية".
من جهته، قال عضو كتلة "صادقون"، الجناح السياسي لجماعة "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، سعد السعدي، لـ"العربي الجديد"، إنهم بانتظار قرار المحكمة بالوقت الحالي. وأضاف: "نعتقد أن الدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية، ستغير من واقع النتائج المعلنة من قبل المفوضية، لما قدمه "تحالف الفتح" من أدلة ووثائق تؤكد عدم وجود عملية انتخابية نزيهة وعادلة".
وأكد أيضاً أن "الحوارات بين قوى "الإطار التنسيقي" والتيار الصدري، مؤجلة بالفترة الحالية لحين حسم المحكمة الاتحادية الشكوى المقامة ضد نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، فهذه الدعوى قد يكون لها الأثر في حصول تغييرات كبيرة في أحجام القوى البرلمانية، بعد كشف عمليات التزوير والتلاعب".
ولفت إلى أن "قوى الإطار التنسيقي مصمّمة وعازمة على تشكيل حكومة توافقية، يكون التيار الصدري جزءاً أساسياً ورئيسياً فيها، ولهذا الحوارات مع التيار ستكون مستمرة ومتواصلة بعد إصدار قرار المحكمة الاتحادية، خصوصاً أن هذا القرار سيكون ملزماً لكلّ الأطراف السياسية، وكذلك الجهات ذات العلاقة من المؤسسات، والمفوضية، وغيرها".
الصدر يصرّ على حكومة أغلبية وطنية
من جانبه، قال القيادي في التيار الصدري رياض المسعودي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "زعيم التيار مقتدى الصدر، مُصرّ على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، تقابلها معارضة تضمّ كل الأطراف السياسية الأخرى، فلا يمكن تكرار تجربة السنوات السابقة، بتشكيل حكومة توافقية يكون الكل مشاركاً فيها، فهذا الأمر كان سبباً في كل الأزمات والمشاكل التي مرّ بها العراق طوال السنوات السابقة".
وبيّن المسعودي أن "اجتماع التيار الصدري مع قوى "الإطار التنسيقي" على مستوى القيادات أو اللجان التفاوضية مؤجل في هذا الوقت، بسبب الدعوى المقامة من قبل الإطار ضد نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، لكن الحوارات والتفاهمات مع الأطراف الأخرى مستمرّة ومتواصلة، وهي تسير وسط أجواء إيجابية".
وختم القيادي في التيار الصدري قوله إن "أي قرار سيصدر من المحكمة الاتحادية العليا، محترم وهو ملزم للجميع وهو غير قابل للطعن، لكن نحن ندرك ونعلم جيداً، أن الانتخابات المبكرة كانت أنزه انتخابات جرت ما بعد عام 2003 في العراق، ولهذا لن يكون هناك أي تغيير في النتائج، في ضوء أي قرار سيصدر من المحكمة".
هل سيغيّر قرار المحكمة الاتحادية نتائج الانتخابات؟
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد إصدار قرار المحكمة الاتحادية بشأن الدعوى المقامة أمامها ضد نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، ستصدّق المحكمة على النتائج، ولو جزئياً، من أجل أن يعقد البرلمان العراقي أولى جلساته".
وبيّن الشريفي أن "تحركات قوى "الإطار التنسيقي" للتفاوض والحوار مع الأطراف السياسية السنية والكردية، تدلّ على أنه مدرك جيداً أن أي قرار من المحكمة الاتحادية لن يغير كثيراً من النتائج المعلنة، وربما لا يغيّر أي شيء، ولهذا هو يتحرك نحو تشكيل كتلة كبيرة قادرة على تشكيل الحكومة، حتى لو كان التيار الصدري خارجها".
ولفت إلى أن "تأجيل الحوار والتفاوض بين الصدر وقادة "الإطار التنسيقي"، يدلّ على أن الاجتماع الأول الذي جرى في منزل العامري، لم يتوصل إلى أي اتفاق أو تفاهم حقيقي، ولهذا تأجل الاجتماع الثاني بحجة هذه الدعوى، رغم أن الطرفين يتحركان باتجاه القوى السياسية الأخرى، لغرض تشكيل التحالفات والاتفاق على شكل الحكومة المقبلة".