مجلس الأمن يجدد مهام "يونيفيل" وسط قلق دولي من التصعيد بجنوب لبنان

28 اغسطس 2024
نائب السفير الأميركي روبرت وود يتحدث في اجتماع لمجلس الأمن 8 أغسطس/آب 2024 (Getty)
+ الخط -

صوّت مجلس الأمن، اليوم الأربعاء، بالإجماع لصالح قرار تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) سنة إضافية وذلك في ظلّ حرصٍ دوليٍّ على ضرورة حفظ الأمن والاستقرار في الجنوب اللبناني والضغط باتجاه تطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار رقم 1701، خصوصاً مع استمرار الحرب على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ووجود مخاوف من اتساع رقعتها. وأنشئت "يونيفيل" في عام 1978، على أن تقوم بمهامٍ عدّة بينها رصد وقف الأعمال العدائية، ومرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، وغيرها، وأن يجري التجديد لها سنوياً، وكان من المقرّر أن تنتهي مهمتها السبت المقبل.

وكانت الولايات المتحدة ترغب بإضافة عدد من التغييرات على المشروع، إلا أن كثيرا من الدول الأعضاء عارضت ذلك خلال المفاوضات. وعبرت نائبة السفير الفرنسي، نتالي هورست، التي عملت بلادها على صياغة مسودة المشروع، عن قلق بلادها من التصعيد في المنطقة على طول الخط الأزرق وحذرت من خطر اندلاع حرب واسعة. ووصفت القرار 1701 وقوات "يونيفيل" بأنها أدوات مهمة للمساعدة في خفض التصعيد، وشددت على أن بلادها تعمل على العودة لوقف إطلاق النار

من جهته، قال نائب السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، روبرت وود، بعد تبني القرار إن "الهدوء على الخط الأزرق استمر ثمانية عشر عاما، لكن تمت زعزعته بعد الثامن من أكتوبر/تشرين الأول في العام الماضي عندما قام حزب الله بشن هجوم على إسرائيل وبقصف مناطق فيها، ومن الخطأ أن مجلس الأمن لم يدن هذه الأعمال وحالت مجموعة صغيرة من الدول دون إدانة ذلك". واتهم إيران بتزويد حزب الله "بالأسلحة التي يستهدف بها إسرائيل. وتحدث عما سماه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حزب الله". وأضاف: "لا يأتي المسار نحو الاستقرار فقط باستعادة الهدوء عند الخط الأزرق، وإنما عندما نفهم أهمية وجود آليات تنفيذ... ومن أجل ذلك سنحتاج بعثة معززة تساعد في ذلك"

وفي الوقت الذي أثنى فيه على دور "يونيفيل" في التنسيق والاتصال من أجل منع التصعيد، أضاف: "في المستقبل علينا أن نتصدى للأساليب التي يستطيع من خلالها حزب الله وغيره منع تنفيذ القرار 1701 وتقييد قدرة قوات يونيفيل على التحرك بحرية". وشدد على ما سماه "تنفيذ كامل للقرار 1701 من خلال إنشاء منطقة جنوب النهر خالية من الأسلحة، غير أسلحة يونيفيل والحكومة اللبنانية". ورأى الدبلوماسي الأميركي أن حزب الله يمنع تحرك قوات "يونيفيل" بحرية والوصول إلى المواقع ذات الصلة.

من جهته، رحب القائم بالأعمال في البعثة اللبنانية للأمم المتحدة، هادي الهاشم، بتبني القرار بالإجماع، ورأى أن ذلك دليل على اهتمام المجتمع الدولي بلبنان و"رسالة واضحة من المجلس لصالح الاستقرار ووقف إطلاق النار وبادرة أمل للبنانيين جميعا الذين يرفضون الحرب والعنف والدمار ويريدون إعطاء السلام فرصة". وشدد على أهمية "دور الولايات المتحدة الأميركية المحوري والمبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين التوفيقي الساعي لإيجاد حل مستدام وتمكين الاستقرار على طول الحدود الدولية، وأي تفاهم أو ترتيب سوف تتم الموافقة عليه من كافة الأطراف المعنية في المستقبل سوف ينعكس على يونيفيل". وأكد التزام لبنان بضمان أمن "يونيفيل" وسلامتها وبتسهيل مهمتها.

إلى ذلك، انتقد مندوب إسرائيل للأمم المتحدة، داني دانون، خلال مداخلته أمام المجلس عدم تسمية القرار لحزب الله بالاسم. وانتقد دعوة القرار "للطرفين للتهدئة"، مشددا على ضرورة إدانة حزب الله، مدعياً أن المشكلة الأساسية في التصعيد تقع على الجانب اللبناني، كما أدعى نقل الأسلحة للحزب "برا وبحرا وجوا بما فيها عبر مطار بيروت". وانتقد ما سماه عدم ذكر القرار لوجود أسلحة جنوب الليطاني غير تلك المملوكة للجيش.

وتحدث عن ضرورة أن تتضمن تقارير "يونيفيل" استنتاجات تدعم ما تدعيه بلاده ومن بينها أن "حزب الله يبني مجمعات عسكرية بمحاذاة الخط الأزرق تحت مسميات منظمات إنسانية وهو ما كشفته إسرائيل". وقال إن بلاده "ستستخدم كل السبل الممكنة لاستعادة الهدوء إن لم تفلح الدبلوماسية". وطالب بأن يدرج مجلس الأمن حزب الله كـ"منظمة إرهابية".

ميقاتي: تجديد ولاية "يونيفيل" ضروري للحفاظ على الاستقرار

من جانبه، علق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على تجديد ولاية "يونيفيل"، مشدداً على أن ذلك "أمرٌ ضروريٌّ للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان، ونحن نقدّر الدعم والتعاون المستمر من مجلس الأمن في هذا الصدد". وأكد "التزام لبنان في العمل بشكلٍ وثيقٍ مع يونيفيل لمواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الاستقرار في الجنوب، كما الالتزام بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدمها القرار 1701". وأعرب ميقاتي، في بيان، عن "امتنان لبنان العميق لأعضاء مجلس الأمن على جهودهم الدؤوبة في تجديد ولاية يونيفيل، وأخص بالذكر دولة فرنسا حاملة القلم على كل ما بذلته من جهود في سبيل تأمين الإجماع على هذا الأمر، وعلى كل ما تبذله من أجل لبنان والاستقرار فيه".
كما توجه بالشكر إلى "الولايات المتحدة الأميركية على تفهّمها الخصوصية اللبنانية التي لم تدخر جهداً في سبيل الحفاظ على مهام يونيفيل ولا سيما في هذا الظرف الدقيق"، شاكراً كذلك "جميع أعضاء مجلس الأمن الذين صوّتوا مع التمديد، والدول الصديقة والشقيقة التي دعمته ولا سيما الجزائر التي قادت حملة دعم قرار التمديد وتقف باستمرار إلى جانب لبنان في كل المجالات".
وكثّفت الحكومة اللبنانية لقاءاتها واتصالاتها مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن للدفع باتجاه تجديد ولاية "يونيفيل" بصيغة التنفيذ نفسها بلا أي تعدل، خصوصاً في ظلّ الوضع الراهن جنوباً، معوّلة على الحرص الدولي، الفرنسي والأميركي بشكل أساسي لتمرير التمديد بلا عوائق، في ظلّ الحاجة لتفعيل التعاون أكثر بين القوات الأممية والمؤسسة العسكرية، وسط دعوات لبنانية وخارجية لزيادة عدد الجنود ولا سيما في مرحلة ما بعد الحرب، حيث من المنتظر أن تشهد تفاوضاً برياً غير مباشر بين إسرائيل ولبنان على غرار الملف البحري، سيشمل بطبيعة الحال العديد من الملفات على رأسها القرار 1701.
ويأتي هذا التمديد بينما يتصدّر القرار 1701 الواجهة منذ بدء الحرب على الجبهة الجنوبية في ظلّ دعوات دولية لتطبيقه، انطلاقاً من الحل الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، رغم الإقرار الدولي في الوقت نفسه بصعوبة تطبيقه في المدى المنظور. كما يأتي على وقع دعوات إسرائيلية مستمرّة لانسحاب حزب الله مسافة حولي 10 كلم من الحدود ياعتباره أحد بنود الحل الدبلوماسي السياسي لوقف إطلاق النار، وهو شرط يرفضه حزب الله، وعبّرت عن رفضه أيضاً مواقف لبنان الرسمية.

وكما هو معروف، فإنّ القرار 1701 تبنّاه مجلس الأمن بالإجماع في 11 أغسطس/آب 2006، بعد حرب استمرت 33 يوماً بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي. ويعتبر لبنان أنّ قرار مجلس الأمن 1701 حجر الزاوية لضمان الاستقرار والأمن في جنوب لبنان، وقد نجح هذا القرار في الماضي، رغم الانتهاكات الإسرائيلية، في الحفاظ على الهدوء النسبي في المنطقة وذلك لأكثر من 17 عاماً (2006 – 2023).

وفي 31 أغسطس/آب 2023، صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح قرار جدّد من خلاله ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة بتأييد 13 عضواً وامتناع روسيا والصين عن التصويت، وذلك مع اعتراض لبنان وبشكل أساسي حزب الله على تعديلات طرأت خصوصاً لناحية توسيع صلاحيات وحركة "يونيفيل" من دون التنسيق مع الجيش اللبناني. وأكد القرار رقم 2695 أن بعثة حفظ السلام في الجنوب اللبناني "لا تحتاج إلى إذن مسبق أو تصريح للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن يونيفيل مخولة بإجراء عملياتها بشكل مستقل، مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية". وقد تم إدخال هذا التعديل على تفويض البعثة لأول مرة في قرار التمديد الذي اعتمد في آب/أغسطس من العام 2022.

كما طالب القرار الأطراف بالامتناع عن وضع أي قيود وعوائق أمام حركة قوات "يونيفيل" وضمان حرية حركة البعثة، "بما في ذلك عن طريق السماح لها بتسيير دوريات معلنة وغير معلنة". وأكد القرار رقم 2695 دعوته لجميع الدول إلى تقديم الدعم والاحترام الكاملين لإنشاء منطقة "خالية من أي أفراد مسلحين وأصول وأسلحة" باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية و"يونيفيل" جنوب نهر الليطاني، ودان استمرار احتفاظ الجماعات المسلحة بالأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية في انتهاك للقرار 1701.

ودان مجلس الأمن أيضاً جميع انتهاكات الخط الأزرق، ودعا كل الأطراف إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي فضلاً عن وقف الأعمال العدائية، لمنع أي انتهاك آخر، والتعاون الكامل مع الأمم المتحدة و"يونيفيل" في هذا الصدد. كما حث بقوة حكومة إسرائيل على التعجيل بانسحاب جيشها من شمال قرية الغجر والمنطقة المتاخمة شمال الخط الأزرق دون مزيد من التأخير بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.

من جانبها، قالت "يونيفيل"، في بيان، إن مجلس الأمن اعتمد اليوم بالإجماع القرار 2749 (2024) الذي مدّد ولاية البعثة حتى 31 أغسطس 2025. وأضافت: "نظراً لأن تبادل إطلاق النار اليومي له آثار مدمرة على المدنيين على جانبي الخط الأزرق، فقد حث مجلس الأمن بشدة جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة على تنفيذ تدابير فورية نحو خفض التصعيد. كما طالب الأطراف بإعادة الالتزام بالتنفيذ الكامل لجميع أحكام القرار 1701 وأكد دعمه القوي للاحترام الكامل للخط الأزرق ووقف الأعمال العدائية بالكامل".

المساهمون