استمع إلى الملخص
- **تصعيد الهجمات الإسرائيلية**: تواصل إسرائيل استهداف مواقع في سورية ولبنان، مع إنشاء وحدة جديدة في الجولان السوري المحتل لمواجهة تهديدات حزب الله وحلفاء إيران.
- **رسائل إلى إيران**: عملية مصياف تحمل رسائل إلى إيران حول قدرة إسرائيل على استهداف منشآتها النووية تحت الأرض، مع تأكيد أهمية رؤية استراتيجية وتنسيق مع الولايات المتحدة.
تتجنب إسرائيل الرسمية التعليق على التقارير التي أشارت إلى وقوفها خلف تدمير مصنع للصواريخ الدقيقة تحت الأرض في منطقة مصياف بسورية، تزعم الولايات المتحدة وإسرائيل أن إيران شيدته، ويبدو أنها لن تفعل ذلك، لكن الكثير من المعلّقين الإسرائيليين والعسكريين السابقين، منهم في قوات النخبة في جيش الاحتلال، يتحدثون منذ الخميس عن القدرة على تنفيذ عمليات نوعية ومعقّدة من هذا النوع، وإن كانوا يعودون للتأكيد بعد كل بضع جمل، سواء في المقابلات الإذاعية أو قنوات التلفزة أو حتى في المقالات والتحليلات، بأن معلوماتهم تعود لتقارير أجنبية، متجنبين الحديث صراحة أن إسرائيل هي التي تقف خلف الضربة، التي ذكرت التقارير أنها شملت عملية برية إضافة إلى العملية الجوية في الأراضي السورية.
سواء اعترفت إسرائيل الرسمية أم لم تعترف بمسؤولياتها عن الضربة، وبمعزل عن مدى دقة كل ما جاء في التقارير حولها، من الواضح أنها تخدم أهدافها بالأساس، في الحد من تصنيع أسلحة تخدم إيران ووكلائها في المنطقة على الأراضي السورية، وقد تحد من الإمدادات التي تصل إلى حزب الله اللبناني، كما تحمل رسائل إلى إيران بأنها لا تعمل فوق الأرض فقط بل تحتها أيضاً، كما تواصل استباحة الأراضي السورية والتصويب نحو أهداف إيرانية، أو أقله نحو حلفاء ووكلاء إيران في المنطقة.
تتجاوز التطورات الضربة العينية، فهي ليست بمعزل عن ضربات أخرى في الأراضي السورية وكذلك اللبنانية، متواصلة منذ بداية الحرب الحالية، كما تشير بعض التحركات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، أكثر من أي وقت مضى، إلى نوايا إسرائيلية مبيّتة لزيادة وتيرة الضربات الموجهة لحزب الله اللبناني وسائر حلفاء ووكلاء إيران في المنطقة وحتى لإيران نفسها، من خلال التصعيد في الأراضي السورية، حتى باتت بيانات جيش الاحتلال بشأن شن هجمات داخل سورية شبه يومية، منها إعلانه، اليوم الجمعة، أنه استهدف هذا الأسبوع مسلحين في الجنوب السوري كانوا يعملون على تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وفق مزاعمه، وأيضاً إعلانه، أمس الخميس، عن مهاجمة طائرة تابعة لسلاح الجو مسلح ينتمي إلى وحدة "ملف الجولان"، التي قال إنها فرع منظمة حزب الله في سورية، علماً أن الهجوم حصل في منطقة القنيطرة.
ومما يشي بتعزيز تحركات جيش الاحتلال أكثر في سورية وتجاهها، بالإضافة الى قصفه اليومي في لبنان، إعلانه أمس عن إنشاء قيادة المنطقة الشمالية وحدة جديدة في هضبة الجولان (السورية المحتلة) والتي "تتخصص بشكل خاص في القتال وسط هذه التضاريس، وفي توفير الاستجابة الفورية للتهديدات"، وفق بيان لجيش الاحتلال، مشيرًا إلى أنها "سرية دوريات مكوّنة من مقاتلين ذوي مهارات عالية وتخصص في تضاريس المنطقة التي يعملون فيها، وهي تتبع للواء الجولان 474"، حيث بدأ المقاتلون تدريباتهم بدورة تمهيدية استغرقت ثمانية أشهر، "أعقبها تدريب متقدّم، وأربعة أشهر من التأهيل الفريد في الوحدة، شمل التعمق المهني في مجالات العمل الميداني والتمويه وقص الأثر. السرية مصممة لتوفير استجابة فورية لمختلف التهديدات في المنطقة، وذلك بجمع المعلومات الاستخبارية وإحباط عمليات العدو".
وفي منتصف أغسطس/ آب الماضي، عاد جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مواقع عسكرية متروكة في هضبة الجولان السورية المحتلة، كما عمل على تعزيز قواته وقدراته في المنطقة، في إطار استعداداته لسيناريو شبيه بعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من الأراضي السورية. وادّعى جيش الاحتلال وجود عناصر من حزب الله في الأراضي السورية المحاذية للجولان السوري المحتل.
ومنذ بداية الحرب الحالية تتعرض مواقع عسكرية إسرائيلية قريبة من الحدود في المنطقة العازلة لهجمات بوتيرة منخفضة جداً من قبل مليشيات موالية لإيران، وفق الادعاء الإسرائيلي، تنتشر على مسافة قريبة نسبياً وتنتظر الأوامر لفتح جبهة برية تُشغل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في المنطقة. أكثر من هذا، يرى محللون إسرائيليون أن العملية في سورية تعني نقل إسرائيل ثقل الحرب من قطاع غزة، الذي يتعرض إلى حرب إبادة إسرائيلية، إلى المنطقة الشمالية. ويتوافق هذا الاعتقاد مع ما أعلنه وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت قبل أيام.
نقل الحرب إلى الشمال ورسائل إلى إيران حول مشروعها النووي
في مقال تحليلي في صحيفة معاريف، أشار الكاتب بن كاسبيت إلى أن عملية مصياف في سورية تحتاج إلى معلومات استخباراتية دقيقة جداً فضلاً عن القدرة على التنفيذ، وهو ما أشار إليه أيضاً عدد من العسكريين الإسرائيليين السابقين الذين تحدّثوا لوسائل إعلام عبرية بما بدا أنه ابتهاج كبير بالعملية، و"القدرات الخارقة" التي تتمتع بها قوات النخبة.
ولفت بن كاسبيت، الذي بدا وكأنه يؤكد مسؤولية إسرائيل عن العملية دون ذكر ذلك صراحة، إلى مقال كان قد نشره قبل بضعة أسابيع في الصحيفة ذاتها حول "الحزام الناري" الذي تواصل إيران تشديده حول إسرائيل، كما أشار إلى حديث النائب في الكنيست الإسرائيلي، رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا) أفيغدور ليبرمان، عن استيلاء إيران وحزب الله على "مصنع سيريس، وهو في الواقع رفائيل الخاص بسورية"، في تشبيهه من قبل الكاتب بمصانع رفائيل، أهم مصانع الأسلحة الإسرائيلية. ووصف المنشآت البحثية والصناعية العسكرية السورية المستهدفة بأنها تركّز المعرفة والقدرة الإنتاجية للأسلحة الكيميائية والصواريخ الدقيقة والمسيّرات وغيرها من الوسائل التي تمر من إيران عبر سورية إلى حسن نصر الله.
هآرتس: معظم قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي تدفع نحو تصعيد الهجمات ضد أهداف تابعة لحزب الله وترى أن الوقت موات لذلك
من جانبه، يرى المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل أن عملية الكوماندوز في سورية تعكس نقل مركز الثقل في الحرب من الجنوب إلى الشمال، وذكر أن الضربة المنسوبة لإسرائيل يمكن أن تعتبر "رسالة لإيران: إن كان بالإمكان ضرب بنى تحت أرضية محصّنة في سورية، هل يمكن من خلال طرق مشابهة ضرب منشآت نووية إيرانية؟"، في تلميح صريح من خلال تساؤله إلى أن إسرائيل قد تفعل ذلك، واعتبر في الوقت ذاته أن السبب الرئيسي لتصعيد الهجمات الإسرائيلية (في لبنان وسورية)، يتعلق بالضغط الذي يمارسه الإسرائيليون الذين تركوا منازلهم في الشمال منذ أكثر من 11 شهراً، ولا توفّر الحكومة إجابات لهم، لا حول موعد عودتهم ولا حول العمليات العسكرية التي يمكن أن تشير إلى اهتمام الحكومة بهم.
وأشار إلى أن معظم قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي تدفع نحو تصعيد الهجمات ضد أهداف تابعة لحزب الله، وترى أن الوقت موات، إذ إن "معظم المناطق جنوبي نهر الليطاني خالية من السكان، كما أن حزب الله نقل جزءاً من عناصره شمالاً، بالإضافة إلى حقيقة أن إسرائيل قد استنفدت معظم خطوات التصعيد، باغتيال (القيادي في حزب الله فؤاد) شكر، وثلاثة من قادة الوحدات المركزية في حزب الله، وتدمير مستودعات الصواريخ الكبيرة في الجنوب، والهجمات في سورية والبقاع اللبناني وبيروت، ما يجعل من الصعب إرسال إشارات حول عتبة أقل من الحرب".
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق: التفوق التكتيكي والشجاعة والكفاءة المهنية لمقاتلي الوحدات الخاصة لا يحل جميع مشاكل إسرائيل الصعبة
وفي موقع القناة 12 العبرية، كتب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق تمير هايمان، اليوم، أنه بناء على تقارير أجنبية فإن إسرائيل هي التي نفّذت العملية في مصياف في سورية، في ظل الحديث عن عمليات كوماندوز معقّدة تعكس القدرة على الوصول إلى منشآت تحت الأرض بعيدة عن إسرائيل وتدميرها. ويرى هايمان أن إيران ومحورها ينظران إلى المنشآت تحت الأرضية من هذا النوع، والتي تبدو وكأنها منيعة أمام الهجمات الجوية، على أساس أنها غير قابلة للاختراق حتى لو كان من غير الممكن إخفاؤها عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية، وأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع تدميرها.
وأوضح أن الحديث يدور عن منشأة تحت أرضية بحيث أن هجوماً جوياً قد يصيب مدخلها، ولكن من الصعب اختراق المنشأة كلها وضرب أهداف بداخلها، لذلك فإن الإيرانيين وحزب الله ينشآن الأماكن المهمة والحساسة من قبيل منشآت تخصيب اليورانيوم، ومنشآت تصنيع الأسلحة الدقيقة، ومنشآت القيادة والسيطرة، في بنى تحت أرضية أخرى من هذا النوع، كما أشار إلى أن حزب الله "تفاخر في الآونة الأخيرة بمنشآت من هذا النوع من خلال مقطع فيديو قام بإنتاجه". ولفت هايمان إلى أن عملية من هذا النوع تحتاج إلى جهوزية واسعة النطاق تتجاوز القوة المقاتلة، بما في ذلك عزل منطقة العمليات والقيام بعمليات خداع وتمويه، كما تتطلب جهوزية للقيام بعمليات إنقاذ وغيرها، وأشار إلى أن القيام بالعملية على بعد 200 كم من الحدود، هذه مسافة تتجاوز العمليات القريبة من الحدود، وترمز إلى أن إسرائيل لديها القدرة للقيام بأي عملية، على أي مسافة تريدها.
وربما يتوافق الكاتب هنا مع ما أورده هارئيل في "هآرتس" أن هذه العملية تحمل أيضاً رسالة إلى إيران بشأن قدرة إسرائيل على استهداف منشآتها النووية تحت الأرض، مضيفاً أن "من يجب أن يفهم هذه الإشارات قد فهمها".
مع هذا، خلص هايمان للقول: "من المهم أن نتذكّر أن التفوق التكتيكي والشجاعة والكفاءة المهنية لمقاتلي الوحدات الخاصة لا يحل جميع مشاكل إسرائيل الصعبة. وهو لا يحل محل رؤية استراتيجية واضحة وخطة سياسية شاملة وتنسيق كامل مع الولايات المتحدة. وهذا أيضاً أساس يتيح حرية العمل على المستوى السياسي لأن قدرات من هذا النوع توسّع إمكانيات العمل. من الجيد أن تمتلك إسرائيل أدوات متنوّعة في صندوق أدواتها الاستراتيجية، لكن هذا ليس بديلاً عن العمل السياسي المكمّل (لها)".