ماكرون وسوناك يعقدان قمة في باريس بعد 5 سنوات من التوتر بين البلدين

10 مارس 2023
خلال لقاء سوناك وماكرون على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ 7 نوفمبر (Getty)
+ الخط -

بعد سنوات من التوتر والتصعيد بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية، تعقد اليوم في باريس قمة صعبة واستثنائية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وهي الأولى منذ 5 سنوات.

ومع أن الغزو الروسي لأوكرانيا وحّد قادة دول الاتحاد الأوروبي، ورغم أن المملكة المتحدة كانت سبّاقة في دعم كييف أمنياً وعسكرياً وسياسياً، عدا عن العلاقة الشخصية القوية التي ربطت الزعيم السابق بوريس جونسون بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، إلا أن تلك العوامل لم تساهم في أي تقارب بريطاني فرنسي، لا خلال فترة حكم جونسون ولا خلال فترة حكم خليفته ليز تراس. 

ولم تشهد العلاقات بين البلدين توتراً مماثلاً لما شهدته مع ولاية جونسون ومع التصويت على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما تلاه من أزمات متعلقة بترتيبات التجارة وبروتوكول أيرلندا الشمالية. وفي حين ورثت تراس عن جونسون "عداءه" لماكرون، وصل ريشي سوناك إلى "داونينغ ستريت" متخفّفاً من إرث الزعيمين السابقين، هو الاقتصادي الثري ابن الطبقة الوسطى والمهاجرة وأصغر رئيس حكومة بريطاني.

ملف الهجرة والقوارب الصغيرة

وسيتصدر جدول أعمال القمة ملف الهجرة والقوارب الصغيرة، حيث ستحضر الاجتماعات أيضاً وزيرة الداخلية البريطانية سويلا بريفرمان، بعد يومين فقط من إعلانها عن مشروع قانون جديد يتيح للحكومة احتجاز طالبي اللجوء وترحيلهم فوراً إلى بلدهم الأصلي، أو إلى بلد ثالث "آمن" مثل رواندا.

 ومن المتوقع أن يطرح سوناك على الرئيس الفرنسي اتفاقاً يعزز التعاون بين السلطات الفرنسية والبريطانية لمنع المهاجرين من الوصول إلى شواطئ المملكة المتحدة عبر تكثيف نشاط دوريات المراقبة. في المقابل، من المتوقع أن يطلب ماكرون "مدفوعات سنوية بملايين الجنيهات الإسترلينية" للتعامل مع هذا الملف.

ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت "اتفاقية العودة" على جدول الأعمال، والتي تستعيد فرنسا بموجبها طالبي اللجوء ممن رفضتهم بريطانيا، وهي اتفاقية "خلافية" بين البلدين، بحسب مصدر دبلوماسي فرنسي أكّد لـ"العربي الجديد" أن المفاوضات حولها يجب أن تشمل كل دول الاتحاد الأوروبي وليس فرنسا فقط.

وإلى جانب وزيرة الداخلية، سيحضر القمة وزراء الدولة للشؤون الخارجية، والشؤون الداخلية، والدفاع، وأمن الطاقة، والنقل، والبيئة، والغذاء، لمناقشة ملفات إمدادات الطاقة والتهديد الروسي والتحالفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين الدولتين. 

واعتبر سوناك أن "الشراكة القوية بين المملكة المتحدة وفرنسا ليست قيّمة فحسب؛ بل ضرورية أيضاً"، بحسب "داونينغ ستريت"، مضيفاً أن البلدين يواجهان "تهديدات جديدة وغير مسبوقة، ومن الأهمية بمكان أن نحصّن تحالفنا حتى نكون مستعدّين لمواجهة تحديات المستقبل". 

ومن المتوقع أن يتّفق الزعيمان على أهمية تعزيز وزيادة التعاون العسكري والصناعي، بما في ذلك توسيع نطاق التطوير المشترك للجيل الثاني من الأسلحة عميقة الدقّة، التي يحتاجها حلف شمال الأطلسي لتوفير الحماية من التهديد الروسي المتزايد. 

دعم أوكرانيا

وسيتفق الجانبان أيضاً، بحسب "داونينغ ستريت"، على الاستمرار في دعم كييف في كفاحها من أجل السيادة، عبر زيادة التنسيق العسكري وتوريد الأسلحة وتدريب مشاة البحرية الأوكرانية. وكانت المملكة المتحدة قد درّبت 11 ألف جندي منذ الصيف الماضي، كما وسّعت أخيراً نطاق خطّتها التدريبية لتشمل الطيارين أيضاً. 

وستساهم القمة، بحسب سوناك، في "تعزيز هذه الجهود من خلال المزيد من التدريب المشترك الذي تساهم به المملكة المتحدة إلى جانب فرنسا، بما يجعل آلاف الأوكرانيين أكثر استعداداً لساحة المعركة". كما سيناقش الطرفان "الدور الذي يمكن أن تلعبه دول الناتو في تزويد أوكرانيا بالضمانات الأمنية للدفاع عن أراضيها على المدى الطويل".

وكانت "وثيقة وندسور" التي أعلن عنها سوناك قبل أسبوعين، بعد محادثات صعبة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، قد مهّدت الطريق لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلا أن مشروع القانون الخاص بوقف عبور القوارب الجديدة، الذي أعلن عنه سوناك قبل يومين، أعاد فتح باب الخلافات بين الحكومة البريطانية والجانب الأوروبي ممثلاً بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. 

وإن كان من غير المتوقع أن تطغى أجواء الخلاف على قمة باريس "التاريخية" اليوم، فإن مسألة القوارب تبقى إشكالية، وسط توقعات بأن تواجه الحكومة المزيد من الطعون القانونية في بريطانيا وخارجها، ووسط مطالب بعض نوّاب ووزراء "حزب المحافظين" بالانسحاب من المحكمة الأوروبية. 

ولدى الزعيمين الكثير من القواسم المشتركة، من الخلفية المصرفية والاستثمارية إلى مسألة العمر كأصغر زعيمين في بلديهما، وصولاً إلى الأزمات الداخلية التي يعيشها سوناك مع إضرابات القطاع العام وماكرون مع احتجاجات رفع سن التقاعد.

ومن المتوقع أن يتّجه سوناك فور انتهاء أعمال قمة باريس إلى كاليفورنيا للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، لإجراء مباحثات حول اتفاقية "أوكوس" الأمنية، حيث سيُعلن، يوم الاثنين، عن تفاصيل أسطول أستراليا الجديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، والتي من المتوقع أن يجرى بناؤها بشراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا. 

وبرغم ما تشكله اتفاقية "أوكوس" من نقطة "سوداء" في تاريخ العلاقة بين بريطانيا وفرنسا، حيث أنهت الاتفاقية الأمنية الثلاثية عقد فرنسا بقيمة 36 مليار يورو لتزويد أستراليا بالغواصات، إلا أن نقاط التوافق المشتركة تبدو اليوم أكثر حضوراً من أي وقت سابق.

المساهمون