استمع إلى الملخص
- المؤتمر واجه تحديات بما في ذلك فشله في جذب توقيعات من دول محورية مثل الهند والبرازيل، مما يعكس تباعد المواقف الدولية، لكنه أكد على أهمية الأمن الغذائي العالمي ورفض استخدام الأسلحة النووية.
- الرئيس زيلينسكي أشاد بالخطوات نحو السلام وأعلن عن اجتماع ثانٍ مرتقب، بينما أعربت روسيا عن استعدادها للحوار بشروطها، مع التأكيد على أهمية الحوار والتعاون الدولي لتحقيق سلام شامل وعادل في أوكرانيا.
انتهى مؤتمر السلام في أوكرانيا في مدينة بوغنشتوك السويسرية، والذي عُقد يومي السبت والأحد الماضيين، بتوقيع 80 دولة من أصل 92 وأربع منظمات دولية من أصل ثمانٍ على البيان الختامي، بعد يومين من المباحثات حول ثلاث نقاط من أصل عشر في "صيغة السلام الأوكرانية"، التي عرضها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى نهاية 2022، وهي السلامة النووية والأمن الغذائي وإطلاق سراح جميع السجناء الأوكرانيين وإعادة الأطفال الأوكرانيين المرحّلين قسراً إلى روسيا.
بيان مؤتمر السلام في أوكرانيا
لم يتطرق البيان الختامي عقب مؤتمر السلام في أوكرانيا إلى النقاط الشائكة والصعبة في "خطة السلام الأوكرانية"، باستثناء إشارات غير مباشرة في ديباجة البيان إلى ضرورة وقف روسيا حربها على أوكرانيا، والتحذير من أن "الحرب المستمرة التي تشنها روسيا الاتحادية ضد أوكرانيا لا تزال تتسبب في معاناة إنسانية ودمار على نطاق واسع، وتخلق مخاطر وأزمات ذات تداعيات عالمية". كما شدّدت الدول الموقّعة على البيان على التزامها بـ"مبادئ السيادة والاستقلال ووحدة أراضي كل الدول بما فيها أوكرانيا، ضمن حدودها المعترف بها دولياً، وضرورة حل النزاعات بالوسائل السلمية ومبادئ القانون الدولي". ومن اللافت أن هاتين الصياغتين استخدمتا مصطلحات مغايرة لما ورد في "خطة السلام الأوكرانية"، فبدلاً من الغزو استُخدم مصطلح الحرب، وتجنّب البيان الإشارة إلى ضرورة التزام روسيا بوحدة وسلامة أراضي أوكرانيا ضمن حدود 1991.
ورغم التعديلات المذكورة، فقد أخفق منظمو مؤتمر السلام في أوكرانيا في إقناع عدد من الدول المحورية في "الجنوب العالمي" بالتوقيع على البيان الختامي، على رأسها الهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا، إضافة إلى السعودية والإمارات. وتضمّن البيان الختامي ثلاث نقاط أساسية تعكس المخاوف المشتركة للغرب و"الجنوب العالمي" حول مخاطر الأسلحة النووية والتسرب الإشعاعي، والمخاوف من أزمة غذاء عالمية، إضافة إلى التوافق على ضرورة حل القضايا الإنسانية المتعلقة بالأسرى وآثار الحرب على العائلات والأطفال. وشدد الموقّعون على أن يكون أي استخدام للطاقة النووية والمنشآت النووية آمناً ومؤمناً ومحمياً وسليماً بيئياً، وعلى ضرورة أن تعمل محطات ومنشآت الطاقة النووية الأوكرانية، بما في ذلك محطة زابوريجيا، بسلامة وأمان تحت السيطرة السيادية الكاملة لأوكرانيا وبما يتماشى مع مبادئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها. وذكر البيان أن "أي تهديد أو استخدام للأسلحة النووية في سياق الحرب المستمرة ضد أوكرانيا أمر غير مقبول".
كما لفت الموقّعون إلى أن "الأمن الغذائي العالمي يعتمد على التصنيع والإمداد المتواصل للمنتجات الغذائية. وفي هذا الصدد، تعتبر الملاحة التجارية الحرة والكاملة والآمنة، فضلاً عن الوصول إلى الموانئ البحرية في البحر الأسود وبحر آزوف، أمراً بالغ الأهمية". وتابعوا: "الهجمات على السفن التجارية في الموانئ وعلى طول الطريق بأكمله، وكذلك ضد الموانئ المدنية والبنية التحتية المدنية للموانئ، أمر غير مقبول". وشدّد البيان على أنه "يجب عدم استخدام الأمن الغذائي سلاحاً بأي شكل من الأشكال. وينبغي توريد المنتجات الزراعية الأوكرانية بشكل آمن وحر إلى البلدان الثالثة المهتمة".
كذلك، دعا الموقّعون على بيان مؤتمر السلام في أوكرانيا إلى إطلاق سراح جميع أسرى الحرب عن طريق التبادل الكامل، وإعادة جميع الأطفال الأوكرانيين المرحّلين والنازحين بشكل غير قانوني، وجميع المدنيين الأوكرانيين الآخرين الذين احتُجزوا بشكل غير قانوني، إلى أوكرانيا. ومعلوم أن أوكرانيا تتهم روسيا بترحيل أكثر من 20 ألف طفل أوكراني قسراً من مناطق الصراع، ونقلهم إلى المقاطعات الروسية. في نهاية البيان، عبّر الموقعون عن اعتقادهم بأن التوصل إلى السلام يتطلب مشاركة جميع الأطراف والحوار بينها. ولذلك، تقرر اتخاذ خطوات ملموسة في المستقبل في المجالات المذكورة أعلاه مع مزيد من المشاركة لممثلي جميع الأطراف. وشددوا على أن ميثاق الأمم المتحدة، ومن ضمنها مبادئ احترام السلامة الإقليمية وسيادة جميع الدول، يمكن أن يكون بمثابة أساس لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا.
ورغم أن البيان الختامي لم يرق إلى المطالب الأوكرانية، ولم يتطرق إلى النقاط الجوهرية، فقد أشاد زيلينسكي بـ"الخطوات الأولى نحو السلام" في المؤتمر، وقال إن البيان المشترك يظل "مفتوحاً للانضمام إليه من قبل كل من يحترم ميثاق الأمم المتحدة". وشدّد، أول من أمس الأحد، على أن مؤتمر السلام في أوكرانيا سيتبعه قريباً اجتماع ثانٍ، مضيفاً أن مثل هذه الاستعدادات ستستغرق أشهراً وليس سنوات. ولفت إلى أن بعض الدول أبدت بالفعل استعدادها لاستضافة مثل هذه القمة، علماً أن البيان الختامي في بوغنشتوك لم يأت على ذكر أي مؤتمر للمتابعة.
وأقرت الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد بأنه لا يوجد اتفاق حول كيفية وتوقيت مشاركة روسيا (في الحوار). وقالت إن البيان الختامي "يرسل إشارة قوية إلى أن هناك حاجة إلى تغييرات"، مضيفة في كلمتها بختام المؤتمر، أول من أمس، إلى أن "هناك أفكاراً مشتركة لسلام عادل ودائم". وضربت أمثلة على تأمين المرافق النووية، والأمن الغذائي، ووصول أوكرانيا إلى موانئها، وإطلاق سراح جميع أسرى الحرب، وعودة الأطفال المرحّلين من أوكرانيا.
في المقابل، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عقب المؤتمر إن هذه المواضيع الثلاثة تمثل "الحد الأدنى من الشروط" للمفاوضات مع روسيا، في إشارة إلى مجالات الخلاف الأخرى بين كييف وموسكو التي سيكون من الصعب التغلب عليها. من جانبها، أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بما أنجز في المؤتمر، ورأت أن السلام في أوكرانيا بات أقرب، مستدركة أن "السلام الحقيقي لن يتحقق بخطوة واحدة، وأن الطريق إلى ذلك يتطلب الصبر والتصميم".
وشجبت فون ديرلاين مقترحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة يوم الجمعة الماضي عشية المؤتمر، قائلة إنها ليست مقترحات سلام، وإن بوتين ليس جاداً لأنه "يصرّ على استسلام أوكرانيا". ورفض مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أول من أمس، اقتراح السلام الذي قدمه بوتين ووصفه بأنه غير معقول، قائلاً إن تلبية مطالب موسكو ستجعل كييف أكثر عرضة لمزيد من العدوان. وأشار سوليفان إلى أنه بمقتضى مقترحات بوتين، فإنه "لا يتعين على أوكرانيا فقط أن تتخلى عن الأراضي التي تحتلها روسيا حالياً، بل يتعين على أوكرانيا أن تترك المزيد من الأراضي الأوكرانية ذات السيادة". وأشار إلى أن كييف ستكون ملزمة أيضاً بنزع سلاحها بموجب الاقتراح الروسي "بحيث تكون عرضة لعدوان روسي في المستقبل". وخلص المسؤول الأميركي إلى أنه "لا يمكن لأي دولة مسؤولة أن تقول إن هذا أساس معقول للسلام"، مضيفاً أن روسيا "تتحدى ميثاق الأمم المتحدة، وتتحدى الأخلاق الأساسية، وتتحدى المنطق السليم".
مبادرة بوتين
وقبل مؤتمر السلام في أوكرانيا كان بوتين عرض يوم الجمعة الماضي ما قال إنها مبادرة سلام طالب فيها بـ"انسحاب القوات الأوكرانية من كامل أراضي مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون بحدودها الإدارية حين كانت في أوكرانيا"، إضافة إلى تعهد أوكرانيا بالحياد، وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإنهاء النازية. وشدّد على أنه لا يمكن تحقيق السلام وحل الأزمة الأوكرانية "من دون حوار صادق مع روسيا"، محذراً من أن الشروط الروسية ستتغير في حال رفض عرضه الحالي وفقاً للأوضاع العسكرية على الأرض، التي تسير بشكل واضح لمصلحة بلاده، بحسب رأيه. ووصف بوتين مؤتمر السلام في أوكرانيا بأنه "خدعة لتشتيت انتباه الجميع".
وفي ظل إشارة كثير من الوفود المشاركة في المؤتمر إلى ضرورة إشراك روسيا في المفاوضات، حدد زيلينسكي في ختام المؤتمر شروطاً لبدء مفاوضات السلام معها، وقال: "يمكن لروسيا أن تبدأ المفاوضات معنا غداً من دون انتظار أي شيء إذا انسحبت من أراضينا المشروعة". ولكنه أشار إلى أن "روسيا وقيادتها ليستا مستعدتين لسلام عادل".
بيسكوف: أي محادثات جدية ليس لها أي مستقبل من دون حضور روسيا
من جانبها، أعادت روسيا التشكيك في شرعية زيلينسكي ورغبته في التوصل إلى حلول، إذ شدّد المتحدث باسم الكرملين دمتتري بيسكوف على أن بوتين "لا يرفض إمكانية إجراء مفاوضات، على النحو المنصوص عليه في دستور البلاد"، في إشارة إلى أن أوكرانيا يجب أن تعترف بسيادة روسيا على مقاطعات دونيتسك ولوغانسك الخاضع جزء منهما لسيطرة أوكرانيا في الوقت الحالي، في تكرار لما جاء في تصريحات بوتين الجمعة الماضي. وقال بيسكوف إن على القيادة في كييف التفكير في سحب القوات من شرق وجنوب أوكرانيا من أجل تمهيد الطريق لمحادثات السلام. وإضافة إلى إخفاق أوكرانيا والغرب في كسب تأييد بلدان "الجنوب العالمي"، كشفت تصريحات بيسكوف أن بلاده تراهن على الأوضاع الميدانية، فقد أشار في تصريحاته إلى أن "التطور الحالي للوضع على الجبهة يظهر لنا بوضوح أن الأمر يزداد سوءاً بالنسبة للأوكرانيين". وفي دفاع عن مقترحات بوتين، رفض وصف المقترحات بأنها "إنذار"، وخلص إلى أنها "مبادرة سلام تأخذ في الاعتبار الحقائق على الأرض"، مشدداً على أن روسيا ستدافع عن مصالحها وستحقق أهدافها العسكرية في أوكرانيا بكل الوسائل الممكنة.
وعن مؤتمر السلام في أوكرانيا، قال بيسكوف للصحافيين أمس: "إذا تحدثنا عن نتائج هذا الاجتماع، فهي قريبة من الصفر"، مضيفاً أن العديد من المشاركين فيه يدركون أن "أي محادثات جدية ليس لها أي مستقبل من دون حضور روسيا". وبحسب بيسكوف، فإن بوتين لا يزال "منفتحاً على الحوار وإجراء محادثات جادة وجوهرية".
تباعد كبير في المواقف بين روسيا وأوكرانيا وشروط الدخول في مفاوضات للحل
وتكشف تصريحات الطرفين الروسي والأوكراني عن تباعد كبير في المواقف وشروط الدخول في مفاوضات للحل، وفي حين كانت الكلمة العليا لأوكرانيا على الأرض في خريف 2022 ما شجع زيلينسكي على عرض صيغته للسلام، يبدو أن روسيا باتت أكثر ثقة بقوتها على الأرض، ما يدفعها إلى التمسك بمواقفها وطرح شروط إضافية. وبعيداً عن التصريحات الغربية الداعمة لأوكرانيا والمنددة بالمواقف الروسية والداعية إلى حل وفق صيغة زيلينسكي، عبّر المستشار النمساوي كارل نيهامر عن رؤية أكثر واقعية ربما تختصر ما أُنجز في المؤتمر بقوله، يوم السبت الماضي، إن "عمليات السلام تستغرق وقتاً، وتعمل ملليمتراً بعد ملليمتر". ومن المؤكد أن العمل على تحقيق التوازن في البيان الختامي بين الإدانة الصريحة للغزو الروسي لأوكرانيا والصياغة التي تحظى بأكبر قدر ممكن من الدعم، شكلت جزءاً من لعبة شد الحبل الدبلوماسية، ولكن للأحداث الميدانية على أرض المعركة في أوكرانيا كلمة الحسم الأولى.