عام على طوفان الأقصى| هكذا قاومت الخليل وأفشلت مخططات التهجير

07 أكتوبر 2024
جيش الاحتلال يغلق كلّ المداخل إلى الخليل، 5 أكتوبر 2024 (وسام هشلمون/الأناضول)
+ الخط -

ألقت معركة طوفان الأقصى بظلالها على محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، وما تبعها من أحداث انطلقت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، إذ شهدت الخليل أكبر هجمة استيطانية في الضفة، عبر إخطارات الهدم ومنع البناء، ومن جانب آخر حاصرتها البوابات الحديدية والحواجز بكثافة، فقد حاصر الاحتلال الإسرائيلي نحو 850 ألف مواطن، وحصر حركتهم الداخلية والخارجية في عدد محدود من البوابات والمداخل، إضافة إلى فرض إجراءات تهويدية بحقّ المسجد الإبراهيمي ومحيطه الذي يعتبر عمق المدينة التاريخي، وتكثيف حالات الاعتقال بهدف "وأد أي عمل مقاوم".

غير أن ذلك كلّه، لم يمنع الخليل التي تختلف بنيتها الجغرافية والاستيطانية عن مناطق شمال الضفة، التي برزت فيها كتائب المقاومة المسلّحة تحديداً في جنين، وطولكرم، وطوباس من أن تكون من أبرز المناطق التي صدّرت أعمالاً مقاومة للاحتلال، أدت إلى مقتل نحو 14 إسرائيلياً، وإصابة نحو 48 آخرين، خلال عدد من العمليات النوعية التي وقعت في الخليل، أو انطلاقاً منها على الحواجز الإسرائيلية وداخل الأراضي المحتلة عام 1948.

حصار البلدة القديمة

واجهت بلدة الخليل القديمة في عمقها التاريخي حصاراً وتشديداً غير مسبوق، حيث فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمراً واقعاً على ظروف عيش نحو ألف عائلة فلسطينية تعيش في المناطق المحاذية للبؤر الاستيطانية المعروفة بالمناطق المغلقة في "إتش 2"، إذ عمد الاحتلال طوال عام مضى على تحديد ساعات حركة المواطنين، ومنع أي كان من خارج المناطق أن يدخلها، حتى منعت الوفود الدبلوماسية والقنصلية الدولية، والجهات الرسمية الفلسطينية، وأجبرت المؤسسات الدولية الإنسانية على مغادرتها، ما جعل المنطقة متروكة في حالة حصار من دون توثيق نتيجة غياب وسائل الإعلام عن المكان، بحسب أحد سكّان منطقة تل الرميدة المحاصرة، والناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو، خلال حديث مع "العربي الجديد".

وتُعتبر مدينة الخليل من المناطق التي تواجه استيطاناً قسّمها داخلياً إلى شطرين "إتش 1/إتش 2"، منذ توقيع اتفاقية الخليل بين منظمة التحرير و"إسرائيل" عام 1997. وتُعتبر مناطق "إتش 1" تحت السيطرة الفلسطينية، مساحتها 80 % من المدينة، ومناطق "إتش 2" تمثل 20 %، ولاحقاً قسّم الاحتلال مناطق "إتش 2" الخاضعة تحت سيطرته، ليجعل فيها مناطق عُرفت بالمناطق المحاصرة، وهي المحاذية للبؤر الاستيطانية في البلدة القديمة ومحيط المسجد الإبراهيمي، مثل تل الرميدة، وواد الحصين، وحارة جابر، وحارة السلايمة، وشارع الشهداء.

وتعرّضت هذه المناطق التي يسابق الاحتلال الزمن للسيطرة عليها، لعدد من الإجراءات المعادية التي نفذها الاحتلال، أبرزها وفق عمرو: "مواجهة الهوية الفلسطينية عبر منع رفع العلم الفلسطيني على سطح المنزل مقابل رفع العلم الإسرائيلي، وزيادة الهجمات من المستوطنين على منازل السكّان، ونزع شعور السكّان بالأمن، وقطع الخدمات اليومية المرتبطة بالحياة الطبيعية، وتفكيك المنطقة اجتماعياً عبر منع الوصول إليها من المناطق المجاورة التي تبعد عنها أمتاراً، وتكثيف الوجود الاستيطاني المتطرف"، غير أن التهجير فشل بحسب عمرو، أمام صمود السكّان الذين أدركوا أن البقاء في منازلهم هو مقاومة وعقيدة وطنية، رغم أن نحو 5 آلاف فلسطيني يعيشون مثل الرهائن في المناطق المغلقة، وطوال عامٍ مضى لم تصلهم الوفود الدبلوماسية والدولية سوى مرتين.

ويشير عمرو إلى وجود ما يقارب 100 عائق حركي من الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 20 حاجزاً في مناطق مدينة الخليل داخلياً، باستثناء عشرات الحواجز على مداخلها الرئيسية وبين الطرق الواصلة إلى قراها ومحيطها.

محاولات تهجير بأدوات استيطانية

الواقع الاستيطاني الذي تعيشه محافظة الخليل في مدنها وقراها (باستثناء مدينة الخليل)، يخضع للتقسيم الاستيطاني "أ - ب - ج"، الذي فرضته اتفاقية أوسلو، ما يجعل الاستيطان الذي تعيشه الخليل لا يشبهه استيطاناً في الضفة الغربية، فيما تتصدر المحافظة منذ السابع من أكتوبر الماضي، قائمة المناطق التي تعرضت لأكبر عمليات هدم وإخطار ومحاولات تهجير، والاعتداء على الأفراد والممتلكات وبناء الوحدات الاستيطانية في محيطها وعمقها.

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تُعتبر الخليل من أكثر ثلاث مناطق تتعرض لموجات استيطانية، حيث هدم الاحتلال فيها نحو 204 منشآت منذ عام مضى، فيما تركّزت فيها إخطارات الهدم في الفترة ذاتها، حيث كانت أكثر منطقة تتعرض لإخطارات هدم بحجة البناء من دون ترخيص في 120 منشأة استهدفت منطقة مسافر يطا المهددة كلياً بالتهجير القسري والإخلاء وترحيل السكان.

ويقول مدير عام النشر والتوثيق في الهيئة، أمير داوود لـ"لعربي الجديد"، "إن الاعتداءات الاستيطانية لم تتوقف عند حدود الهدم والإخطار، حيث نفّذ المستوطنون وقوات الاحتلال أكثر من 2813 اعتداءً استهدف محافظة الخليل، طاول الأفراد، والأراضي والممتلكات الخاصة، عبر التجريف، والتخريب، وإقامة الكرفانات الاستعمارية، وفرض الغرامات المالية، والاعتداء على الأماكن الدينية، إضافة إلى إقامة 8 بؤر استيطانية جديدة، وبناء أكثر من 1570 وحدة استيطانية جديدة تركّزت غالبيّتها في مستوطنة كريات أربع".

ويشير داوود إلى أن الاحتلال عمل منذ 7 أكتوبر، على تركيز استهداف الخليل، نظراً إلى وجود قرار عسكري منذ عام 2018 لتهجير سكّان مسافر يطا "جنوباً" إضافة إلى توسيع البؤر الاستيطانية في مناطق جنوب وغرب الخليل، بهدف ضمّ الخليل لصالح سلطة تطوير النقب الإسرائيلية، وخلق تواصل جغرافي استيطاني، وصولًا إلى تهجير السكّان. غير أن ذلك كلّه بحسب داوود، فشل بعد صمود أهالي يطا وعيشهم في الكهوف، على أن يغادروا أرضهم رغم كل عوامل البيئة الطاردة إسرائيلياً، ولذا فشل مخطط التهجير القسري أمام مناطق جنوب الخليل.

نكبة الاعتقالات في الخليل

وكانت محافظة الخليل ثاني أكبر محافظة في الضفة تواجه سياسة الاعتقال الإسرائيلي، بحسب ما تقول مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني السراحنة، حيث سجّلت مؤسسات الأسرى نحو 2500 حالة اعتقالٍ في الخليل منذ 7 أكتوبر العام الماضي، عدا عن مئات حالات التحقيق الميداني. وتشير السراحنة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الاعتقالات الإدارية تركّزت بحق أسرى الخليل، وجزء كبير من الأسرى كانوا أسرى سابقين، لأنها استهدفت "التوجهات السياسية" بدرجة أولى، إضافة إلى استهدافها الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق القريبة من المستوطنات، وأماكن المواجهة مثل بلدة بيت أمر، ومخيم العروب شمال الخليل، ومخيم الفوار جنوباً.

وتلفت السراحنة إلى أكثر الشهادات صعوبة، تلك التي رواها الأسرى المحررون من السجون الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر الماضي من الخليل، وتحديداً في قضايا التعذيب، والجرائم الطبية، والاعتداءات الجنسية، فضلاً عن أن الاحتلال تعمّد في بعض الأحيان استهداف أسرٍ كاملة عبر اعتقال جميع أفرادها.

سجّلت مؤسسات الأسرى نحو 2500 حالة اعتقالٍ في الخليل منذ 7 أكتوبر العام الماضي

سياسات إسرائيلية لطمس العمل النضالي

واجهت الخليل طوال السنوات الماضية ومنذ نحو عام بشكل خاص، إجراءات عديدة لتحييدها عن العمل المقاوم عبر سياسات إسرائيلية ضمن السياسات الكلية التي استهدفت الضفة الغربية، أبرزها استهداف البنية التنظيمية للفصائل، وتكثيف الاعتقال على نطاق واسع، وتجفيف منابع العمل التنظيمي، إضافة إلى أن الاحتلال غضّ النظر عن انتشار السلاح في الخليل على مستوى العشائر فيها، ليخلق بديلاً عن الأحزاب والتنظيمات، ما انعكس حالة فلتان أمني وفوضى تعيشه المحافظة، بحسب ما يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي لـ"العربي الجديد".

ويلفت الشوبكي الى أن الاحتلال تعامل مع الخليل بمبدأ "العصا والجزرة"، أي إنه كان يعطي تسهيلات وامتيازات للمحافظة في حالة الهدوء، ويمارس سياسة العقاب الجماعي عند وقوع أعمال نضالية، بهدف تشكيل فكرة بأذهان سكّان الخليل أن العمل النضالي عبء على المحافظة، إضافة إلى خلق نموذج "حياة طبيعية" في الخليل، عبر السماح بممارسة أنواع الحياة التجارية بأريحية، وهذا ما ألفه سكّان المحافظة، وكأن الاحتلال أوصل رسالة إلى الخليل عنوانها "بإمكانكم اختيار الحياة التي تريدون".

الاحتلال تعامل مع الخليل بمبدأ "العصا والجزرة"

ومن جانب آخر، نفّذ الاحتلال بحق الخليل بعد 7 أكتوبر، سياسة "الاعتقال الاستباقي"، أي اعتقال المئات على خلفية "احتمالية التفكير"، بهدف وأد أي حالة نضالية يمكن أن تتشكل على غرار جنوب الضفة، بحسب الشوبكي. غير أن ذلك كلّه وفق الشوبكي، لم يمنع الفصائل، وتحديداً "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، من الاستثمار في الخليل، حيث غيّرت الفصائل سياستها من التنشئة الكلاسيكية عبر المساجد، أو دور القرآن، أو المدارس التي غابت عن المشهد، واستخدمت أسلوب الاستقطاب عبر وسائل التواصل الجديدة التي من خلالها تخلق حالة تدفع الشباب إلى الانخراط في أعمال عسكرية أو غيرها، معتمدين على وجود "وراثة الانتماء لبعض التيارات على مستوى العائلات" في الخليل.

ويرى مراقبون أن هذا ما يفسّر تنفيذ محافظة الخليل منذ 7 أكتوبر العام الماضي، 162 عملاً مقاوماً نوعياً توزّعت بين "إطلاق نار وعمليات دهس، وطعن"، بالإضافة إلى أكثر من 580 عملاً مقاوماً شعبياً تركّزت على صدّ هجمات المستوطنين، في وقت سقط في الخليل 94 شهيداً، وأصيب نحو 640 في سياق مواجهة انتهاكات الاحتلال التي تمّت خلال أكثر من 1760 حالة اقتحام، بحسب مركز المعلومات الفلسطيني "معطى".