بدأت تتكشف بعض خفايا ما حدث في مدينة تدمر السورية خلال أقل من عام، سيطر خلاله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المدينة المدرَجة على لائحة التراث الإنساني، والتي قام الروس بدور كبير في مساعدة النظام السوري في استعادتها، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، إذ أعلنت أن المستشارين العسكريين الروس قاموا بدور مباشر "في التخطيط لعملية تحرير تدمر"، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية نفذت أكثر من ألفي ضربة لدعم عملية تحرير تدمر.
وفي بداية مايو/أيار من العام الماضي، بدأت وسائل الإعلام تتناقل أنباء عن بدء تحرك تنظيم "داعش" باتجاه مدينة تدمر من مواقع له بالقرب منها، من دون تدخّل مباشر من طيران التحالف الدولي، الذي أخذ على عاتقه محاربة هذا التنظيم وإيقاف تمدده. لم تستمر المعارك بين التنظيم وقوات النظام السوري، التي من المفترض أنها تدافع عن أهم المدن التاريخية في الشرق، سوى أسبوع وانتهت في العشرين من مايو/أيار بدخول التنظيم المدينة.
وخرج المحامي العام السابق في تدمر، محمد قاسم، بمعلومات تفيد بأنه حصل تنسيق مسبق بين النظام و"داعش" لتسهيل دخول الأخير إلى تدمر، لتشويه صورة الثورة السورية، وإثارة الرأي العام الدولي ضدها. وأورد معلومات أخرى تؤكد أن وجود التنظيم في المدينة "مؤقت"، وأنه سيخرج عندما تحين ساعته. وهذا ما تحقق منذ أيام حين خرج التنظيم من المدينة إثر معارك يؤكد خبراء عسكريون أنها "كانت مناورات مشتركة" أكثر مما هي معارك بين خصمين لدودين.
ويؤكد عدد من الموظفين في مديرية الآثار والمتاحف في تدمر، خرجوا من سورية إثر استيلاء التنظيم على المدينة، لـ"العربي الجديد"، أن النظام "يكذب على العالم"، وأنه لم يحاول إنقاذ آثار مدينة تدمر، بل على العكس سهّل لتنظيم "داعش" الاستيلاء على كنوز أثرية لا تُقدّر بثمن كانت موجودة في متحف المدينة الأثري.
ويوضح أحد العاملين السابقين في المتحف، والذي كنّى نفسه باسم "أبو علي البادية"، أن متحف تدمر كان قبل دخول تنظيم "داعش" إلى المدينة "لا يزال بحالة جيدة، وفيه ما يقارب 30 ألفاً من القطع الأثرية في صالاته ومستودعاته، وكان العاملون بدائرة آثار تدمر يهتمون بشكل دقيق بهذه القطع، لما لها من قيمة تاريخية وفنية". ويتابع أنه "في بداية شهر أبريل/نيسان 2015، أي قبل دخول تنظيم "داعش" المدينة بشهر ونصف، وصلت برقية عاجلة من المدير العام للآثار والمتاحف في دمشق، طلب فيها بشكل عاجل من الكادر الإداري في متحف تدمر تحضير القطع الأثرية "المميزة" وتغليفها جيداً لنقلها خارج تدمر، وبالفعل تم تجهيز حوالى 950 من القطع الأثرية، وتغليفها بفائق العناية خلال ثلاثة أيام، وبدأ المسؤولون في دائرة آثار تدمر مراسلة المديرية العامة للآثار في دمشق، ولكنها بدأت تماطل بالرد، ولم ترسل من ينقل القطع خارج تدمر، وهو ما يناقض ما يروّج له إعلام النظام من أنه تم تفريغ متحف تدمر تماماً من القطع الأثرية وحفظها".
ويلفت إلى أن البعثات الأثرية الأجنبية التي قامت بالتنقيب في تدمر على مدى سنوات، تعرف تماماً عدد وماهية وقيمة القطع الأثرية التي كانت في المتحف، مضيفاً: "إذا كان النظام صادقاً في أنه نقل ما كان في متحف تدمر وسلمه إلى متحف دمشق، فليعرضه أمام وسائل الإعلام وبحضور البعثات الأثرية التي كان لها الدور البارز في العثور على أغلب ما كان موجوداً في المتحف، وهي: البعثة الكندية برئاسة العالم بوس شويدر، والبولونية برئاسة ميشيل غاليونسكي، واليابانية برئاسة كيوهيد سايتو، والإيطالية برئاسة ماريا تيريزا، والفرنسية برئاسة منار حماض، والألمانية برئاسة شميث كولنيه، بالإضافة إلى البعثة الأميركية، لكي يتأكد العالم أنه بالفعل تم حفظ هذه الكنوز كما يدّعي النظام".
ويختم أبو علي بالقول: "ما جرى في تدمر يرقى إلى جريمة حرب ضد المدينة وأهلها الذين كان عديدهم يقدر بـ100 ألف هُجروا من منازلهم، ولم يبقَ أحد فيها، ما عدا عناصر قوات النظام والمليشيات الذين قاموا بقتل عدد قليل بقي من سكان المدينة، وسطوا على منازل التدمريين ومقتنياتهم، وعلى ما تبقّى من آثار المدينة".