مع إعلان لجنة تعديل الدستور المُشكّلة في البرلمان العراقي عن إكمال عملها، الأسبوع الماضي، تكون الخطوة الأولى للتعديل قد انتهت، ويتبقى استكمال خطوتين أساسيتين أخريين بحسب الدستور، وهما موافقة مجلس النواب، بأغلبية ثلثي أعضائه، على التعديلات، ثم طرحها للاستفتاء الشعبي، لتكون سارية المفعول، ما لم يعترض عليها المصوتون في 3 محافظات.
وبحسب رئيس لجنة التعديلات الدستورية فالح الساري فإن اللجنة انتهت من جميع التعديلات الدستورية، مقراً، في الوقت ذاته، "بوجود خلافات متعلقة ببعض القضايا التي تتطلب وجود توافق سياسي بشأنها"، في إشارة إلى الكتل الرئيسية في البرلمان. وأوضح أن اللجنة أكملت جميع المواد المتفق على تعديلها باستثناء المادة 140 (المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل)، حيث لا تزال مثار جدل سيحسم تحت قبة البرلمان. ولفت إلى أن تقرير التعديلات الدستورية جاهز، وسيتم بحثه في جلسات البرلمان المقبلة.
أكملت اللجنة جميع المواد المتفق على تعديلها باستثناء المادة 140
وأكد نائب مشارك في حوارات تعديل الدستور، لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة ناقشت الكثير من القضايا الجدلية، وحاولت التوصل إلى تفاهمات بشأنها. وبيّن أن أبرز ما تم الاتفاق عليه هو أن يكون من حق الكتلة الانتخابية، التي تشكلت قبل الانتخابات، وتمكنت من الفوز فيها، تشكيل الحكومة، وليس الكتلة التي تتشكل عند انعقاد أول جلسة للبرلمان بعد الانتخابات. وهذا التعديل سيقضي على معضلة الكتلة الكبرى التي يشهدها العراق بعد كل انتخابات.
يشار إلى أن المادة 76 تمنح الكتلة البرلمانية الكبرى حق تشكيل الحكومة، من دون أن تحدد بشكل دقيق معايير هذه الكتلة. وأدى هذا الأمر إلى وجود رأيين في الأوساط السياسية، الأول يقول إنها الكتلة التي تشكلت قبل الانتخابات، بينما يرى الآخر أنها التي تشكلت عند أول جلسة للبرلمان، من خلال التحالف بين عدة أحزاب فائزة. وهذا الرأي، الذي أيدته المحكمة الاتحادية في انتخابات 2010، تسبب حينها بخسارة إياد علاوي منصب رئاسة الوزراء، على الرغم من فوز كتلته "العراقية" بأكبر عدد من المقاعد، وذهاب المنصب إلى نوري المالكي الذي تمكن من تشكيل الكتلة الكبرى، رغم أن ائتلافه "دولة القانون" جاء ثانياً من حيث عدد المقاعد البرلمانية.
وبحسب النائب المشارك في حوارات تعديل الدستور فإن اللجنة رفعت توصيات بشأن صلاحيات الحكومة الاتحادية على باقي المحافظات وإقليم كردستان، وتعديل ألفاظ في الدستور وتوضيح أخرى. كما تمت التوصية برفع إشارات من الدستور وظفت بالسابق بتفسيرات متعددة لأغراض سياسية، مثل إنشاء الأقاليم الإدارية في العراق، والتي يجب أن تكون على أساس جغرافي وليس طائفياً، وهو ما تم توضيحه وتأكيده في الدستور، من خلال التعديلات الجديدة، مثل الثروات الطبيعية المكتشفة في البلاد، قبل عام 2005 وما بعده.
وأكد النائب أن ما تم التوصل إليه دون مستوى التوقعات، على الأقل بالنسبة للمتظاهرين، إذ لم يتم اقتراح أي تعديل محوري في الدستور كما كان متوقعاً، مثل التحول من نظام برلماني إلى رئاسي. وجرى التركيز على بعض الفقرات والبنود في الدستور رضخت سابقاً للتأويل، أو ثبتت الحاجة لتعديلها أو توضيحها. وأوضح أنه رغم إنهاء اللجنة عملها، فإن هناك ملامح توافق سياسي بين زعماء الكتل على ترحيل مقررات اللجنة إلى البرلمان المقبل، وهو ما قد ينطوي على محاولات لتسويف مخرجات اللجنة، ومن ثم قتل مشروع تعديل الدستور بالكامل.
تمت التوصية برفع إشارات من الدستور وظفت بالسابق بتفسيرات متعددة لأغراض سياسية
في المقابل، اعتبر رئيس "الكتلة الوطنية" في البرلمان كاظم الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن لجنة التعديلات الدستورية عادت إلى التفسير المنطقي للمادة 76 من الدستور، التي سبق أن فسرتها المحكمة الاتحادية تفسيراً خاطئاً أدخل البلاد في نفق مظلم، وهو أهم ما في التعديلات المرتقبة. وبيّن أن هذا التفسير جلب الويلات للبلاد. وأوضح أن مفهوم الكتلة الكبرى، بموجب التعديلات الدستورية المقترحة، هي الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، وهذا معمول به في كل دول العالم. وأوضح أن الكتل السياسية تتنافس في الانتخابات من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد، مشيراً إلى عدم وجود عدالة في تجمع عدد من الكتل الصغيرة في الجلسة الأولى للبرلمان لتقول إنها الكتلة الكبرى.
من جانبه، وصف عضو مجلس النواب السابق ماجد شنكالي تعديل المادة الدستورية الخاصة بالكتلة التي يحق لها تشكيل الحكومة، بأنها "مهمة". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أنه "في كل دول العالم يوكل إلى الكتلة الفائزة الأولى حق تشكيل الحكومة". وأشار إلى أن الحاجة إلى الكتلة الكبرى موجودة في كل الأحوال، لأن أحداً في العراق لا يستطيع الحصول على 166 مقعداً ليشكل الحكومة بمفرده، لذلك نحتاج إلى حكومة تحالفات، لافتاً إلى صعوبة تمرير التعديلات الدستورية ما لم يكن هناك توافق بين القوى السياسية.
ونهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، شكل البرلمان لجنة لتعديل الدستور، ضمّت 18 من أعضائه، ومنحها فترة 4 أشهر لإنجاز التعديلات المطلوبة، في محاولة لامتصاص غضب المتظاهرين الذين طالبوا بتعديلات جوهرية على الدستور. وتتيح المادة 142 من الدستور العراقي تعديله بعد تصويت البرلمان على التعديلات التي تقترحها اللجنة البرلمانية بأغلبية الثلثين، لتعرض بعد ذلك على الشعب باستفتاء شعبي، وتُعتبر لاغية إذا اعترض عليها سكان 3 محافظات.