يتّجه رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، إلى جمع الوزراء مرة جديدة على طاولته، لكن هذه المرة تحت عنوان جلسة التشاور، بذريعة التفاهم على الخطوات الواجب القيام بها في المرحلة المقبلة، في حين يواصل رئيس البرلمان، نبيه بري، اتصالاته لاستمزاج آراء الكتل النيابية بشأن الحوار الرئاسي، يوم الخميس المقبل، بعد عجز النواب للمرة التاسعة عن انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ويُنظر في لبنان شعبياً إلى أن هذه الحركة السياسية قد لا تؤتي بالنتائج الإيجابية، في ظل الصراع الحاد من جهة أولى حول انعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة مستقيلة بهيئة تصريف الأعمال وبغياب رئيس للجمهورية، والخلاف المستمرّ بين الأحزاب التقليدية الذي انسحب على الحلفاء أيضاً حول الشخصية الرئاسية التي يفترض أن تملأ الشغور الرئاسي الذي دخل شهره الثاني.
ودعا ميقاتي، قبل أسبوع، مجلس الوزراء إلى جلسة في السرايا الحكومي، وأصرّ على المضي قدماً فيها رغم رفضها من جانب أكثرية المكونات المسيحية، ومقاطعة وزراء "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، التي لم تؤتِ ثمارها بكسر النصاب الذي أمّنه وزير الصناعة جورج بوشكيان، بعد خروجه عن قرار فريقه السياسي، ما أدى إلى فصلهِ من تكتل الأرمن النيابي، عدا عن مشاركة وزراء "حزب الله" التي وضعت تحالفه مع حليفه على "المحكِّ"، مع الإشارة إلى أن ميقاتي عاد وعقد جلسة تشاورية مع بعض الوزراء المقاطعين، في خطوة قد تؤسس لمشاركة هؤلاء في الجلسة المنوي عقدها التي لن تصدر عنها مراسيم.
وزار ميقاتي، صباح اليوم الاثنين، البطريرك الماروني بشارة الراعي في مقرّه بكركي، حيث عقد معه لقاء تناول الأوضاع والتطورات الراهنة، وحرص خلاله على توضيح ملابسات الجلسة الوزارية التي لم تكن تحظى أيضاً بتأييد الراعي، مشدداً على أنها دستورياً جاءت في موقعها الصحيح.
وعقد ميقاتي، العائد من المملكة العربية السعودية، لقاءه باكراً مع البطريرك الماروني، الذي كان تلقّى جملة "شكاوى" من باسيل والرئيس السابق ميشال عون، يوم الجمعة الماضي، اعتراضاً على تصرّفات رئيس حكومة تصريف الأعمال التي يضعونها في خانة ضرب الميثاق والدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية، منبّهين إلى سيناريوهات الفتنة، علماً أنّ ميقاتي يتمسّك بوجود تمثيل كامل لكل الطوائف في الجلسة، من بوابة مشاركة وزراء من الطائفية المسيحية، ضمنهم المحسوبون على حليف حزب الله "تيار المردة" (يرأسه سليمان فرنجية).
ميقاتي يوضح ملابسات جلسة مجلس الوزراء
وقال ميقاتي بعد لقائه الراعي: "لمست لدى البطريرك حرصه الشديد على انتخاب الرئيس في أسرع وقتٍ"، مشيراً إلى أنه شرح للراعي الأجواء المتعلقة بالجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، إذ إن "الجلسة دستورياً جاءت في موقعها الصحيح، وطائفياً أنا لا أسمح بالحديث في هذا الموضوع بتاتاً، أما فيما يتعلق بالميثاقية، فلا يجوز في كل مرة أن نتحجج بها، وكان هناك تمثيل كامل لكل الطوائف في مجلس الوزراء".
وأردف ميقاتي "أما في الشق السياسي، فالمسألة هي محور أخذ ورد، ولكن سنبقى مصرّين على متابعة أمور المواطنين ومعالجتها".
وتابع رئيس حكومة تصريف الأعمال "لفت نظري البطريرك إلى أنه ربما كان الأفضل التشاور مع جميع الوزراء قبل انعقاد الجلسة، ولقد اتفقنا على جلسة تشاور مع الوزراء قريباً للتفاهم على الخطوات التي سنقوم بها في المرحلة المقبلة"، لافتاً إلى أنه شعر لدى البطريرك حرصه الكامل على لبنان ووحدته وبأن لبنان لن يكون يوماً مهدداً.
لقاء ولي العهد السعودي وميقاتي: الدعم الإنساني مستمر
واستقبل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ميقاتي في الرياض، الأحد، وجرى استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس".
وقالت إن ميقاتي أكد التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كل الخطوات التي تمنع الإساءة إلى المملكة العربية السعودية وكل الدول العربية، ولا سيما منها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
كذلك، أكد الجانبان أهمية انتخاب رئيس للبنان وتنفيذ الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب اللبناني والمجتمع الدولي، وفق ما ذكر بيان "واس" الذي عمّمه مكتب ميقاتي الإعلامي.
وأكد ولي العهد السعودي حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره، وعلى استمرار الدعم الإنساني الذي تقدّمه المملكة وفرنسا للشعب اللبناني.
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي لـ"العربي الجديد" إن "رئيس الحكومة لمس حرصاً خارجياً على دعم لبنان ومساعدته للخروج من أزمته الراهنة، وذلك خلال مشاركته في القمة العربية الصينية التي استضافتها الرياض، لكنه سمع مواقف تطالب بضرورة سير المؤسسات الدستورية وعدم تعطيلها وقيام دولة كاملة للتفاوض معها، انطلاقاً أيضاً من الإصلاحات المطلوبة منها".
وأكد المصدر، الذي فضّل عدم كشف هويته، إيجابية اللقاء بين ولي العهد السعودي وميقاتي، ومواصلة المملكة دعم لبنان، ووقوفها إلى جانب شعبه، بينما اكتفى بالرد على ما ذُكِر إعلامياً بدور فرنسي في عقد اللقاء، بالتشديد على أن فرنسا تتابع الملف اللبناني مع المملكة، وأن هناك حرص مشترك على إنقاذ لبنان من بوابة الدولة، وإجراء الاستحقاقات الدستورية، على رأسها انتخاب رئيس للبلاد قادر على التحاور خارجياً، وبناء علاقات متينة مع الدول، وتشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات تقوم بالبرنامج الإصلاحي اللازم وتعقد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
بري يستمزج آراء الكتل النيابية حول الحوار الرئاسي
على المستوى الرئاسي، يواصل رئيس البرلمان نبيه بري استمزاج آراء الكتل النيابية في الحوار الذي عاد ودعا إليه مرة ثانية في جلسة الخميس الماضي، وتؤكد أوساطه ضرورة تأييد كل الفرقاء، خصوصاً "التيار الوطني الحر"، وحزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع) باعتبارهما يمثلان الكتلتين الأكبر مسيحياً في المجلس النيابي.
وقالت أوساط بري لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الكتل أبدت موافقتها على الحوار، لكن ننتظر ردّ الجميع"، لافتة إلى أنه في حال قبول إحدى التكتلين التيار أو القوات المشاركة دون الأخرى "سندرس الموضوع، لكننا نفضل حضور الكلّ، لأن انتخاب رئيس يحتاج إلى التوافق".
من جهته، يدرس التيار موضوع الحوار وما إذا كان سيعارضه كما فعل في المرة الأولى، أو يذهب باتجاهه، خصوصاً أن باسيل دعا بدوره إلى حوار مسيحي رئاسي اصطدم سريعاً بمعارضة القوات.
ويقول مصدرٌ في التيار لـ"العربي الجديد": "نحن مع الحوار دائماً، والرئيس عون كان له أكثر من دعوة في هذا الصدد، لكننا نفضل أن تكون هناك نتائج خلفه وإلا فلا طائل منه".
ويشير المصدر إلى أن "القرار يتخذ على مستوى القيادة. ولكن حتى الساعة، فإن تداعيات الجلسة الوزارية التي شارك فيها وزراء بري كما (حزب الله) لا تزال قائمة، وأن التوتر سيد الموقف"، لافتاً إلى أن التيار بدأ يفكر جدياً في طرح أسماء للرئاسة، بعدما عبّر صراحة عن رفضه السير بسليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، "ليس رداً على حليفه، بل لأنه يرى أن الأوان حان لخرق ما، والخروج من الورقة البيضاء"، بحسب قوله.
في المقابل، يتمسك حزب القوات برفضه استبدال جلسات الانتخاب الخميس المقبل بالحوار، ويؤكد مصدر مسؤول فيه لـ"العربي الجديد" أن الانتخابات مسألة ديمقراطية يجب أن تتم وفق الأصول الدستورية.
ويشير المصدر إلى أن القوات "مع آلية تزاوج بين الانتخابات والحوار، بمعنى ألا يقفل بري الدورة الانتخابية، بحيث تنتهي الدورة الأولى، ثم يدعو إلى مكتبه رؤساء الكتل أو نواباً للتشاور ومن ثم يفتتح الدورة الثانية. أي أن الحوار يحصل بين الدورة والأخرى، سواء بشكل ثنائي أو أكبر".