استمع إلى الملخص
- **تباينات داخلية**: يعاني حزب البديل من صراعات داخلية وتغييرات في القيادة، لكنه استفاد من أزمة اللاجئين في 2015 لتعزيز شعبيته. في المقابل، يظل "حزب الوطن" متمسكاً بأفكاره النازية.
- **تحديات الديمقراطية**: يواجه النظام السياسي الألماني تحديات كبيرة بسبب صعود اليمين المتطرف، مع دعوات لعدم التعاون معهم ومحاولات حظر "حزب الوطن" التي رفضتها المحكمة الدستورية.
يحاول حزبا البديل من أجل ألمانيا والحزب الوطني الديمقراطي اختراق احتكار النخب السياسية الحزبية الراسخة في ألمانيا نظامَ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وليس الحظ وحده ما ساهم في تحوّل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يمثّل اليمين الألماني المتطرف الصاعد سريعاً، إلى رابح في حلبة السباق نحو السلطة. فالحزب الوطني الديمقراطي، أيضاً، صاحب الجذور النازية، الذي تأسس منذ نحو 60 عاماً، كان يلقى سابقاً عزلة واستهتاراً، لكن الصورة تغيرت اليوم، إذ رويداً رويداً يتخلى الألمان عن الخجل وتأنيب الضمير الذي رافقهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب النظام النازي، لتصبح الأحزاب التي تحمل النفس النازي أو القومي المتطرف أمراً عادياً في صناديق الاقتراع، وهو ما دلّت عليه تجربة "البديل"، الذي فاز أخيراً بفارق كبير في الانتخابات الإقليمية بمقاطعة تورينغن، وحلّ ثانياً خلف المحافظين في مقاطعة ساكسونيا في شرق ألمانيا.
"البديل": تباينات قبل ثبات النهج
عندما تأسس حزب البديل من أجل ألمانيا في فبراير/شباط 2013، بصفته حزباً "ليبرالياً وطنياً" (كما قدّم نفسه) ومشكّكاً بالاتحاد الأوروبي، صوّب نيرانه السياسية والدعائية، وخصوصاً بقيادة أحد المؤسسين الخبير الاقتصادي بيرند لوك، على مساعي الحكومة السابقة بقيادة أنجيلا ميركل لإنقاذ اليورو بعد أزمة 2010، وهو مع غيره من المؤسسين بالأصل ضد وحدة النقد الأوروبي، ومع تعاون أوروبي مختلف.
يدعو حزب البديل إلى خروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، ويريد طرد المهاجرين
دعا حزب البديل من أجل ألمانيا، بدايةً، إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، ولم يكن في حسبان النخبة والأحزاب السياسية الراسخة في ألمانيا آنذاك أن تطرف هذا الحزب سيحمل الناخبين للتصويت له، وأنه سيأتي اليوم الذي سيتحول فيه إلى حزب مثير للقلق والتحديات، بل ومعضلة أمنية استخبارية بسبب اتهامه بالتطرف القومي. وسرعان ما ذهب "البديل من أجل ألمانيا" نحو التصويب المكثف على الهجرة والإسلام، بعدما كانت حركة "وطنيون أوروبيون لوقف أسلمة أوروبا" (بيغيدا) تجتذب الشارع باحتجاجها على تدفق المهاجرين واللاجئين. فالحركة قدّمت مادة تطرف دسمة للحزب، هذا عدا عضوية بعضهم في "البديل" نفسه.
ترشح حزب البديل من أجل ألمانيا للانتخابات الفيدرالية في عام 2013، ولكنه حصل على نسبة 4.7% من الأصوات ولم يتجاوز عتبة 5%. ظنّ ساسة الأحزاب الأخرى، وبعض المحلّلين الصحافيين، أن سقف الحزب هو 5%، قبل أن يفجّر مفاجأة بوصوله إلى البرلمان الأوروبي بنحو 7% في 2014، ثم بنحو 10% من الأصوات في انتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ) في 2017. وفي الوقت نفسه، كان الحزب الذي يعبّر عن توجهات اليمين الألماني المتطرف ممثلاً في معظم برلمانات الولايات الألمانية.
مع عقد "البديل" مؤتمره الأول في إبريل/نيسان 2013، توافدت إليه عناصر جديدة. وركزت خطب أعضاء وازنين فيه على رفض التجمع النقدي الأوروبي (يورو) والرغبة في الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومنذ البداية، كانت الخلافات بين اتجاهات الحزب تدور حول طريقة التعاون مع أوروبا. فبينما أيّد بعضهم السوق الأوروبية الموحدة، فإن جذوره في الحركة المعارضة لمنطقة اليورو وعملتها خلقت تباينات حول المسألة.
البعض داخل "البديل" طرح أن على الحزب تبنّي برامج اقتصادية ليبرالية، بينما استدعى آخرون نموذج "مجموعة دول الشمال" (دول اسكندنافيا وفنلندا وأيسلندا) للتعاون مع أوروبا، على أساس أن التعاون يجب أن يحصل بين الاقتصادات القابلة للحياة في شمال ووسط أوروبا. بمعنى آخر، لا يروق للحزب تحمّل ألمانيا إنقاذ اليورو من أزماته وتخصيص أموال تأهيل اقتصادات شرق وجنوب شرق أوروبا استكمالاً لعضوية الاتحاد الأوروبي.
بالطبع لم يغفل "البديل"، إلى جانب معارضته سياسات الهجرة والإسلام، تقديم نفسه داخلياً بديلاً أصيلاً عن الطبقة والإدارة السياسة القائمة. ففي العمق، هو حزب لا يختلف عن بقية الأحزاب اليمينية القومية المتشددة والشعبوية اليمينية في قارة أوروبا، بنظرة محافظة إلى الأسرة وضرورة تعزيز الإنجاب، في مواجهة ما يعتقده تهديداً للهوية الألمانية "البيضاء"، بسبب الهجرة واللجوء. ويعتبر "البديل" أن السياسات الاجتماعية الألمانية غير محافظة بالقدر الكافي لحماية مستقبل المجتمع. وحمل الحزب منذ بداية تأسيسه خصائص مناهضة للمؤسسة القائمة ومواجهة مفتوحة مع النخب، مدعياً أنه يمثل الإرادة "الحقيقية" للشعب. ويُتهم حزب البديل من أجل ألمانيا أيضاً بأنه حزب معادٍ للنساء ومناهض للمثلية الجنسية، التي باتت جزءاً من العمل السياسي الحزبي، علماً أن من يعارض الحقوق المثلية (في ألمانيا) يعتبر "رجعياً"، وتجرى مهاجمته بصورة كثيفة على وسائل الإعلام.
تعززت على خلفية الإسلاموفوبيا علاقة "البديل" بدولة الاحتلال الإسرائيلي
وعلى مستوى السياسات الخارجية والدفاعية، تنامت المواقف المعارضة داخل الحزب لمشاركة ألمانيا تسليحاً ومالاً في دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي المتواصل منذ فبراير/شباط 2022، وتمسك "البديل" بخطّه الذي يهادن روسيا ويدعو إلى توقيع اتفاق سلام معها ورفع العقوبات عنها.
موجة ثالثة من اليمين الألماني المتطرف
يعتبر الألمان أن تأسيس "البديل" عبارة عن موجة ثالثة من محاولات اليمين الألماني المتطرف والقومي المتشدد اقتحام جدران العمل السياسي الحزبي في البلاد، بعد محاولتين، سجّلهما اليمين الألماني المتطرف في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فشلتا في تحقيق اختراق ثابت. وما ميّز "البديل من أجل ألمانيا" أن قوة دفعه كانت قوية في أعوامه الأولى، حيث طُرح من قبل شخصيات كبيرة، مثل بيرند لوك، الخبير الاقتصادي في جامعة هامبورغ الآتي من صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ومثله أيضاً ألكسندر غاولاند.
في عهد لوك، طوّر الحزب نظرة اقتصادية معتدلة جامعاً بين المواقف الاقتصادية للسوق الليبرالية والمواقف المحافظة اجتماعياً وسياسياً، كما ركّز بشكل كبير على قضية رفض اليورو. لكن بذور الشعبوية اليمينية المتطرفة زُرعت وسُقيت جيداً في "البديل" قبل تجاوزه عتبة الحسم (5%)، فأنتجت صراعاً داخلياً أطاح لوك، وانتخبت زعيمة متشددة على رأس الحزب، هي فراوكه بيتري، في انتخابات الحزب 2015 التي كان خلالها يشهد انقساماً لم يحمل أضراراً عليه.
أزمة اللاجئين في سبتمبر/أيلول 2015 أطاحت أيضاً أصواتاً أخرى معتدلة داخل "البديل"، بمن فيهم أعضاء عاديون، لمصلحة خطاب شعبوي متطرف، ما رفع رصيد الحزب في استطلاعات الرأي، وجلب له نتائج جيّدة في انتخابات بعض الولايات في ربيع وخريف 2016. وبعد عام واحد في 2017، تضاعف عدد ناخبي الحزب ثلاث مرات تقريباً مقارنة بـ2013، فدخل البوندستاغ بقوة بنسبة 10%.
إذاً، عرف "البديل" انقسامات داخلية بين الأجنحة حول وجهات نظر مختلفة إزاء قضايا متعددة، كسياسة الهجرة وكيفية التعامل مع حركة بيغيدا، التي رفدته بأعضاء كثر مثل ما رفده النازيون الجدد بهم، كما كشفت تحقيقات صحافية مختلفة. وخلال عشر سنوات، شهد "البديل" مدّاً وجزراً في وحدته الداخلية وثبات سياساته وأيديولوجيته. فصراع الأجنحة فيه لم يتوقف، حيث أطيحت فراوكه بيتري على يد قوى أكثر تطرفاً في 2017. وسيقاد الحزب لاحقاً من قبل ألكسندر غاولاند ويورغ ميوثن باعتبارهما رئيسين متساويين.
عام واحد فقط مرّ قبل أن يجد الحزب نفسه في اضطرابات أخرى داخلية في 2018، وبدفع من زعيم فرع "البديل" في ولاية تورينغن الفائز بأكثر من 30% في برلمان الولاية بيورن هوكه، والمثير للجدل بشأن ماضيه النازي، أو تأييده الأفكار النازية. جرت إطاحة ميوثن، وترك الباب مفتوحاً لترسيخ التطرف في الحزب بعد مساهمة هوكه في إطاحة بيتري. وهو تطرف دفع الاستخبارات الألمانية (مكتب حماية الدستور) في مارس/آذار 2020 إلى اعتبار بعض أجزاء الحزب متطرفة، بينما يُسمح قانونياً في تورينغن بنعت هوكه بالفاشي، لكن ذلك، وغيره، لم يوقف جرّافة الرجل الحزبية السياسية بين مؤيدي تطرفه. أمر يترقب مراقبون في ألمانيا وخارجها تداعياته قبل عام واحد من انتخابات تشريعية عامة في ألمانيا في سبتمبر 2025.
يلتقي معسكر اليمين المتطرف في ألمانيا على العنصرية والاستعلاء القومي والعرقي، ويصنف معادياً للديمقراطية البرلمانية
وكان المستشار الألماني أولاف شولتز قد وصف نتائج "البديل" الأخيرة بأنها "مريرة ومثيرة للقلق"، داعياً جميع الأحزاب إلى عدم التعاون مع "المتطرفين اليمينيين" وتيار اليمين الألماني المتطرف. وأضاف: "بلادنا لا يمكنها ولا يجب أن تعتاد على هذا. حزب البديل يُلحق الضرر بألمانيا". وقال المستشار بعد انتخابات ساكسونيا وتورينغن: "إنه يضعف اقتصادنا ويقسم المجتمع ويضر بسمعة بلادنا".
الجدير بالذكر أنه على الرغم من اتهام جهات يهودية للحزب بأنه "راديكالي" و"معادٍ للسامية"، فقد تأسست في داخله مجموعات مسيحية ويهودية. وعرفت المجموعة الأخيرة باسم "اليهود في البديل من أجل ألمانيا" وذلك في عام 2018. وعلى الرغم من اعتبار منظمات يهودية أن الحزب معادٍ للسامية، اختارت 24 شخصية يهودية في ذلك العام في فيسبادن، وأبرزهم فيرا كوسوفا، وبرئاسة فولفانغ فول، وهما نشطان جداً في الحزب، تأسيس مجموعتهما. وتعززت على خلفية الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) علاقة "البديل" بدولة الاحتلال الإسرائيلي ويمينها المتطرف خلال السنوات الأخيرة.
تورط حزب البديل من أجل ألمانيا خلال السنوات الأخيرة بعدد من "الفضائح"، كما تسمى في وسائل الإعلام الألمانية. ومن أهمها ما كشف بداية العام الحالي عن اجتماع بوتسدام الذي ضمّ الحزب ويمينيين متطرفين من الحركة النازية وحزب "الوطن" (الوطني الديمقراطي) وبعض شخصيات يمين الوسط التقليدي، لمناقشة خطة ترحيل ملايين الأشخاص من ألمانيا بمن فيهم من يحملون جنسية البلاد، وفقاً لما كشفته وسيلة الإعلام الاستقصائية كوركتيف. وشارك في الاجتماع مقرب ومستشار لزعيمة الحزب الحالية أليس إليزابيث فايدل، التي تتشارك القيادة مع تينو شروبالا. وهاجمت فايدل صحافيي كوركتيف معتبرة أنهم اتبعوا أساليب الخدمة السرية (الاستخبارات). مع ذلك، فمواقف فايدال تبقى متحمسة لبرامج الحزب ولجناحه المتطرف، حيث رحبت وبحرارة بفوز الفاشي هوكه في انتخابات تورينغن أخيراً.
"الوطن"... حزب الميول النازية بحلّة جديدة
من جهته، اختار الحزب الوطني الديمقراطي (إن بي دي)، الذي يمثل أيضاً اليمين الألماني المتطرف المتجدد، أن يطلق على نفسه العام الماضي اسماً جديداً، هو حزب الوطن. هذا الحزب محسوب على النازية الجديدة، وفق تقديرات أمنية وسياسية. والاسم الجديد لا يعني أن تطرفه وتوجهاته النازية باتت أقل مقارنة بماضيه، بل على العكس، بات يجتذب الشباب المؤمنين بالأفكار النازية. بالطبع، الحزب ليس جديداً، فعمره 60 عاماً تقريباً، ومعاداته للإسلام والمهاجرين تنطلق من فكرة أساسية يروج لها وهي أن الألمان يجرى تحويلهم إلى أقلية على أرضهم. وبمناسبة الحديث عن الأرض، أو الوطن الأم كما يحب تسميتها، فهي لا تشمل حدود ألمانيا الحالية، بل تمتد إلى مناطق الجوار الأوروبي، حيث يقيم الناطقون بالألمانية في دول الجوار.
حين تأسس "الوطني الديمقراطي" في عام 1964، اعتُبر نقطة تجمع احتكارية لميول اليمين الألماني المتطرف. ويلتقي هذا المعسكر على العنصرية والاستعلاء القومي والعرقي، ويصنف معادياً للديمقراطية البرلمانية. مع ذلك، حقّق الحزب نجاحاً محدوداً مبكراً في عهد رئيسه ومؤسسه آنذاك أدولف فون ثادن. وتمكن في 1969 من الحصول على 4.3%، بينما اخترق البرلمانات المحلية في سبع من الولايات الألمانية. ونجح بعد وحدة ألمانيا بين 2004 و2016 في التأسيس لشعبية له في الشرق على الرغم من أنه مصنف نازياً. وتمثل في برلمانات ساكسونيا في 2004 ومكلنبورغ - فوربورمن في 2016، ليجد نفسه بعد ذلك في منافسة على الأصوات مع "البديل"، الذي بات يجفف قواعد الحزب النازي.
نجا "الوطن" النازي في عام 2017 من مصيدة الحظر بعد رفض المحكمة الدستورية الفيدرالية طلب حظره. وفي ظل زعيمه الحالي فرانك فرانز، لا يزال الحزب يروج لمسألة أن حدود ألمانيا الحالية ليست هي الحدود الحقيقية. وتُعتبر إعادة ترسيم الحدود أحد أهم أهداف هذا الحزب، الذي يرى نفسه "ثورياً" و"الوحيد المعارض".
على المستوى الداخلي، ومثل بقية معسكر اليمين الألماني المتطرف وأفكاره، يستند "الوطن" إلى شعار "ألمانيا للألمان"، مطلقاً وعوداً من أجل تركيز جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمرتبطة بالرفاه حصراً بيد الألمان دون غيرهم. وفي برنامج "الوطن"، هناك وضوح تام لاعتبار أن ألمانيا تتعرض لانتهاك بسبب الهجرة. ويقول الحزب إنه يجب منع "الانتهاكات متعددة الأعراق التي يتعرض لها الشعب الألماني حالياً"، وكذلك "محاربة النفوذ الأجنبي"، ويطالب بطرد جميع المواطنين "غير الألمان". ويبشر أيضاً بالعودة إلى العملة الوطنية، المارك الألماني، بدل اليورو، وبالانسحاب من حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ومن الاتحاد الأوروبي. كما أنه يطالب بمغادرة الجنود الأميركيين الموجودين في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وينتقد بشدة مساهمة ألمانيا في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، يُتهم الحزب بأنه يسعى إلى دولة استبدادية متفوقة على "إرادة الشعب". ففي برنامجه السياسي الدعائي، ولغته وأهدافه، تمكن ملاحظة نوستالجيا (حنين) إلى الاشتراكية القومية التي سادت حتى عام 1945. ومثل "البديل" وباقي قوى اليمين الألماني المتطرف الأصغر حجماً، بما فيها العنفية، تُقدَّم الأسرة الألمانية بأنها نموذج مثالي عائلي تكون فيه المرأة قبل كل شيء أمّاً وربة منزل، مع حماسة لنظرية الإنجاب الكثيف للبيض للتغلب في نظرهم على "مؤامرة الاستبدال العظيم".
وعلى مستوى السياسة الاقتصادية، تسود عند "الحزب الوطني الديمقراطي" شعارات مثل أن "الأعمال التجارية يجب أن تخدم الشعب الألماني" و"إجمالي الأراضي هي ملك للشعب". ويعد هذا الحزب بتطبيق عقوبة الإعدام على "الجرائم الجنسية المتكررة وجرائم قتل الأطفال والقتل الجماعي والجرائم الخطيرة المتعلقة بالمخدرات". وفي مزيج من كراهية الأجانب والنموذج الاجتماعي القومي والشعارات الشعبوية المناهضة للرأسمالية والإيمان بالحكم الاستبدادي، فإن برنامج هذا الحزب يشبه، بنظر كثيرين في ألمانيا، وبكثير من النواحي، البرنامج الذي استخدمه الحزب النازي في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، ولذلك يُصنّف غيرَ دستوري من قبل السلطات الألمانية.
قدّم أحد كبار رجال "الوطني الديمقراطي"، هولغر أبفيل، الحزب، في خطاب عام 1998، باعتباره الحزب المنظم الوحيد "الذي يحارب النظام السياسي للجمهورية الفيدرالية حتى الجذور، بل ويزيل هذه الجذور". وشدّد قائلاً: "نعم أيها الأصدقاء الأعزاء، نحن كذلك فخورون بأن كل عام يتم ذكرنا في التقارير الدستورية الألمانية الفيدرالية، ويتم تصويرنا هناك أننا معادون، ومعادون للدستور، وضد هذا النظام، نعم، نحن معادون للدستور". يشار إلى أن هذا الحزب يُنكر تماماً الهولوكوست (المحرقة النازية بحق اليهود)، ويعتبر قصف الحلفاء المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية بمثابة قتل جماعي ومحرقة القنابل، كما أشار كل من زعيم الحزب أودو فويغت (حتى 2011) والقيادي فيه يورغن غنسيل في خطاب في 2005. وفشلت محاولات حظر الحزب بسبب تلك التصريحات على اعتبار أنها تقع ضمن نطاق حرّية التعبير.
في كل الأحوال، تدرك السلطتان الأمنية والسياسية والنخبة الراسخة في برلين أن تبنيها خطابات متطرفة لقطع الطريق على اليمين الألماني المتطرف عموماً لم تعد تجدي نفعاً. المؤشرات التي تقدمها الانتخابات الأخيرة في الشرق الألماني ونتائج استطلاعات الرأي تؤشر إلى أن اليمين الألماني المتطرف يعمل لكي يكون جزءاً من السلطة. ولا يستبعد بعض قياديي الحزب، وخصوصاً معسكر بيورن هوكه في تورينغن، ذهابهم نحو رفع الصوت عالياً لترجمة حصولهم على حوالي 30% في المتوسط، بانتظار ما ستمنحه ولاية مهمة ثالثة، هي براندنبورغ، في انتخابات إقليمية ستجرى في 22 سبتمبر الحالي، بعد ساكسونيا وتورينغن، وذلك للمطالبة في مشاركة يمين الوسط، المسيحي الديمقراطي، ربما، في الحكم. وأمام السلطتين الأمنية والسياسية في ألمانيا فرصة حتى انتخابات 2025 الاتحادية، لاستخدام سلطة منع ترشح الحزبين اللذين يمثلان اليمين الألماني المتطرف والنازي، أو منع توسعهما. لكن لا شيء يضمن أن كرة ثلج اليمين الألماني المتطرف على المديين القريب والمتوسط يمكن تفتيتها، وذلك باعتراف بعض أقطاب الطبقة السياسية أنفسهم.