يستمر مسلسل التنازع على الصلاحيات بين الرئيس الصومالي المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، ورئيس الحكومة الفيدرالية محمد حسين روبلي. وآخر مظاهر التوتر، مواقف متناقضة لكل من الرجلين، بخصوص الإفراج عن أموال إماراتية "مشبوهة"، في قضية تعود فصولها إلى 8 إبريل/نيسان 2018، عندما ضبط الأمن الصومالي في مطار العاصمة أموالاً بقيمة 9.6 ملايين دولار تابعة للسفارة الإماراتية بمقديشو، بحجة أن تلك الأموال كانت في طريقها إلى المعارضة.
وهو ما استنكرته دولة الإمارات وقتها، في بيان لخارجيتها، قالت فيه إن تلك الأموال كانت مخصصة لأفراد من الجيش الصومالي، الذي تتولى تدريبه دولة الإمارات في معسكر في مقديشو، أغلق بعد ذلك، نتيجة تأزم العلاقات بين مقديشو وأبوظبي.
رأى البعض أن روبلي يسعى بقراره إلى فتح صفحة جديدة مع الإمارات
عودة حرب الصلاحيات بين فرماجو وروبلي
وعادت تلك العلاقات المتذبذبة بين الإمارات والصومال إلى الواجهة أخيراً، عندما أعرب رئيس الحكومة الصومالية، محمد حسين روبلي، أول من أمس الجمعة، عن استعداد حكومته للإفراج عن الأموال الإماراتية المحتجزة لدى البنك المركزي الصومالي.
وجاء حديث روبلي، خلال استلام الحكومة الفيدرالية لشحنة مساعدات إنسانية من الإمارات في مطار مقديشو، لمساعدة المتضررين من أزمة القحط والجفاف في جنوب البلاد ووسطها.
وأبدى روبلي أسف حكومته للحادثة التي ضُبطت خلالها أموال إماراتية، في موقف رآه البعض سعياً من الحكومة الصومالية لفتح صفحة علاقات جديدة مع الإمارات.
ورداً على تصريحات رئيس الحكومة الفيدرالية، رفض رئيس البلاد محمد عبد الله فرماجو، قرار الإفراج عن الأموال الإماراتية.
وبحسب بيان للرئاسة، نشرته عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" بعد تصريحات روبلي، قال فرماجو إن "تلك الأموال دخلت البلاد بطريقة مخالفة للنظام المالي في الصومال والقانون المالي الدولي، وشكلت آنذاك تهديداً لأمن واستقرار اقتصاد البلاد".
وأضاف البيان: "انطلاقاً من هذا، فإنّه من غير الممكن الإفراج عن هذه الأموال بأمر من رئيس الحكومة، ولذلك فإنّ الرئيس يأمر رئيس البنك المركزي بعدم الإفراج عن هذه الأموال التي تم ضبطها".
ويشكل بيان فرماجو تصعيداً جديداً للأزمة السياسية بينه وبين روبلي، والتي شهدت أخيراً ما يمكن وصفه بالهدوء الهش، استجابةً لمطالب محلية ودولية بعدم تصعيد التوتر بينهما، والسعي نحو التركيز على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل حلول مارس/آذار المقبل.
في السياق، قال الصحافي الصومالي نور محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قرار رئيس الحكومة بالإفراج عن الأموال الإماراتية "ليس بمنأى عن الخلافات السياسية بينه وبين رئيس البلاد، نظراً لتوقيت القرار وطريقة اتخاذه، من دون وجود إجراءات مسبقة لتسوية الأزمة مع الإمارات عبر الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً".
واعتبر أن ذلك يعني "أن رئيس الحكومة يؤزم التوتر السياسي، ويقوم بتصفية حسابات قديمة مع الرئيس، من أجل إظهاره كشخصية تشكل عقبة أمام الاستقرار السياسي للبلاد، وتقليم أظافره ونفوذه في الأمن والسياسة".
وتابع: "هذا الأمر دفع فرماجو لإصدار أوامر بعدم الإفراج عن الأموال الإماراتية، حتى يوافق هو على هذا القرار أولاً، ما يعكس تضارب الصلاحيات واستعراض النفوذ بينهما".
وأشار محمد إلى أن تصاعد حدة الأزمة السياسية بين الرجلين "تبدد بلا شك جهود المصالحة التي تجريها الجهات المحلية والدولية، لحلحة الأزمة بين قادة البلاد، كما ستؤثر سلباً على مسار الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي أُرجئت أكثر من خمس مرات بسبب الخلافات السياسية".
محاولة إماراتية للعودة للمشهد الصومالي؟
وحول الأسباب غير المعلنة والحراك الذي يقف وراء قرار روبلي بالإفراج عن الأموال الإماراتية، قال نور محمد إن "هذه الخطوة تأتي في سياق محاولة الإمارات البحث عن تموضع جديد لها في الشأن السياسي الصومالي، بعد سنوات كانت فيها خارج دائرة الدول المؤثرة في السياسة الصومالية".
ولفت إلى أن الإمارات "سعت طيلة السنوات الماضية، لتجميل صورتها بعد حادثة ضبط أموال تابعة لسفارتها عام 2018".
من جانبه، قال الكاتب والصحافي الصومالي، عدنان علي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "محاولة رئيس الحكومة طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة مع الإمارات، جاءت عقب سلسلة من الاجتماعات بين روبلي والسفير الإماراتي في مقديشو محمد أحمد عثمان الحمادي منذ أغسطس/آب الماضي".
وأضاف: "خطوة الإفراج عن الأموال الإماراتية قد تشعل توتراً جديداً في حال وافق البنك المركزي الصومالي على قرار رئيس الحكومة، لأن المؤسسات المالية تعمل تحت إمرته في هذه الفترة الانتقالية".
وتابع: "كما أن حديث روبلي أمام وسائل الإعلام بشأن الأموال الإماراتية، بحضور السفير الإماراتي، يوحي بأنه حاسم في هذا الملف، وسيمضي نحو الإفراج عن تلك الأموال".
عدنان علي: محاولة روبلي فتح صفحة جديدة مع الإمارات، جاءت عقب سلسلة من الاجتماعات بينه وبين السفير الإماراتي في مقديشو
وأشار علي إلى أن نزاع الصلاحيات الجديد بين فرماجو وروبلي "هو امتداد للصراع السياسي بين الرجلين، وسعي كل منهما لفرض سيطرته على مؤسسات الدولة".
وأضاف: "يبدو أن رئيس الحكومة اختار التوقيت الصعب لضرب فرص فرماجو الانتخابية، عبر فتح جبهة سياسية خارجية ضده، بينما سيحاول الأخير الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر".
ولفت علي إلى أن "تداعيات تلك القرارات المتناقضة، ستؤثر سلباً على المؤسسة المالية، كما أنها ستحُد من جهود الإصلاح في المؤسسات المالية، خاصة المصرف المركزي، الذي سيواجه رئيسه ضغوطاً من الطرفين". لكنه رجح "نجاح روبلي في هذا الملف، لأن المصرف يخضع للسلطة التنفيذية التي يقودها رئيس الوزراء".
كما أشار إلى أن "لهذه القرارات المتناقضة دورا سلبيا على مستقبل تطبيع العلاقات بين مقديشو وأبوظبي بعد أربع سنوات من التأزم".