على الرغم من التزام إسرائيل الرسمية الصمت مع حلول الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير وتفجر ثورات الربيع العربي، إلا أن أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب تبدي قلقاً كبيراً إزاء فرص تفجر موجات جديدة من الثورات العربية، محذرة من تداعياتها المرتقبة على إسرائيل و"أمنها القومي".
فبحسب تقديرات "شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية" (أمان) التي نقلها موقع "والاه" أخيراً، فإن حالة انعدام الاستقرار وعجز أنظمة الحكم العربية، تحديداً في الدول التي شهدت ثورات، ولا سيما مصر، عن توفير الخدمات الأساسية للجمهور، وفي ظل ثورة المعلومات، فإن موجات جديدة من الثورات العربية مؤكدة. ولا تتردد "أمان" في الجزم بأن مصلحة إسرائيل تتطلب الحفاظ على نظم الحكم القائمة في العالم العربية "حتى لو كانت نظماً ديكتاتورية".
لذا، لم يكن مفاجئاً أن تسارع إسرائيل إلى الطلب من إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عدم ممارسة ضغوط على نظم الحكم القائمة في المنطقة بشأن ملف حقوق الإنسان، على اعتبار أن "الاستقرار" يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية، كما كشف موقع "والاه".
وتبدي إسرائيل حساسية كبيرة إزاء التحولات السياسية الداخلية في مصر تحديداً، ليس فقط لأنها ترتبط باتفاقية سلام معها، بل لأنها أيضاً الدولة العربية الأكبر، التي أدّت الدور الأبرز في أربع حروب أثرت بأمنها القومي.
وقد خشيت إسرائيل من أن تمثل ثورة 25 يناير نقطة تحول فارقة في العلاقة مع مصر، على اعتبار أنها قد تسمح بصعود قوى سياسية واجتماعية جديدة تتبنى أجندات إيديولوجية تدفع نحو إحداث تحول على طابع العلاقة مع تل أبيب.
وفي الوقت ذاته، فإن مراكز التفكير الإسرائيلي قد حذرت، في حينه، من أن ثورة 25 يناير ستقلص من قدرة إسرائيل مستقبلاً على التعاطي مع المقاومة الفلسطينية، بحيث إنها ستكون مطالبة بأن تأخذ بالاعتبار الموقف المصري قبل خوض أي عمل عسكري ضد غزة.
لذا، لم يتردد إيهود باراك، الذي كان يشغل منصب وزير الأمن عندما اندلعت ثورة يناير، في مطالبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في ذلك الحين بمساعدات عسكرية إضافية بقيمة 20 مليار دولار لمواجهة التبعات المحتملة للثورة على "الأمن القومي" الإسرائيلي، فيما حثّ زميله أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية في ذلك الوقت، على إعادة بناء قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، على اعتبار أنها القيادة التي يمكن أن تتحمل مستقبلاً العبء العسكري الناجم عن التحولات في مصر، التي أكد أنها باتت "أخطر من إيران نووية".
وعلى الرغم من أن الثورة لم تؤثر بالالتزام المصري باتفاقية "كامب ديفيد" حتى في عهد الرئيس محمد مرسي، إلا أن النشاطات المرتبطة بالعلاقات السياسية، التي كانت تتمثل بزيارة مسؤولين إسرائيليين لمصر قد توقفت تقريباً بعد الثورة، فيما تراجعت مظاهر التعاون الأمني إلى حدّ كبير.
ويكشف المدير السابق للدائرة السياسية والأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية عاموس جلعاد، الذي كان مسؤولاً عن ملف العلاقة مع مصر، في كتابه "النذير"، الذي صدر أخيراً، عن أن إسرائيل خشيت من أن تمهّد ثورة 25 يناير لولادة تحالف تركي مصري، يمثل تحدياً غير مسبوق.
وتفسر هذه المخاوف ما كشفت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية من أن إسرائيل عملت جاهدة لتأمين اعتراف أميركي بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد الانقلاب الذي أدى إلى إزاحة محمد مرسي، كذلك فإنها عملت جاهدة لمنع إدارة باراك أوباما من وقف المساعدات الأميركية السنوية للجيش المصري.
وبالاستناد إلى ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، يمكن القول إن الرهان الإسرائيلي على التخلص من ثورة 25 يناير كان في مكانه، حيث كُشف عن تطور التعاون العسكري والاستخباري بين إسرائيل ومصر في عهد السيسي، حيث وصل إلى حد السماح لطائرات الاحتلال بتنفيذ غارات في عمق سيناء.
لكن في المقابل، فإن معلقة الشؤون العربية في "يديعوت أحرونوت" سمدار بيري، ترى أن التقارب الكبير بين إسرائيل ومصر في العهد الجديد، الذي تمثل بالكيمياء الشخصية بين عبد الفتاح السيسي وبنيامين نتنياهو، وتطور التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، لم يسهم في تمكين إسرائيل من اختراق الجبهة المدنية والشعبية في مصر، مشيرة إلى أن مظاهر التعاون الاقتصادي بين الجانبين، ولا سيما تدشين المشاريع الصناعية، وخصوصاً صناعة الملابس والأغذية، توقفت تماماً، إلى جانب تجميد مناشط التعاون في المجال الزراعي وغيرها.
وفي مقال نشرته الصحيفة أمس الأحد، توضح بيري أنه على الرغم من أن السيسي لم يتردّد في الكشف عن اتصالاته الهاتفية بنتنياهو والجهر بأنه نشر قواته في شمال سيناء بناءً على تنسيق مع تل أبيب، إلا أن إسرائيل تبدو يائسة من إمكانية تحقيق اختراق على صعيد بناء علاقات مع المجتمع والبنى المدنية في مصر.