أصبح الجسد القضائي في مصر أقرب للعسكري والشرطي، وكذراع للسلطة
تحسّب عبد الفتاح السيسي من مواكبة القضاء أهداف الثورة
اشتركت السلطة القضائية في تقويض حكم مرسي
كان حضور القضاء المصري في مراحل الانقلاب على أهداف وثمار ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، قوياً ولافتاً، إذ اشتركت السلطة القضائية، بمؤسساتها المختلفة، وشخصياتها القيادية باختلاف مواقعها، في تقويض حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، والتشكيك في شرعية مجلسي الشعب والشورى المنتخبين. ووصل ذلك إلى حدّ ظهور رئيس مجلس القضاء الأعلى آنذاك، المستشار حامد عبد الله، خلف (وزير الدفاع في حينها، الرئيس الحالي) عبد الفتاح السيسي في مشهد الثالث من يوليو/ تموز 2013 (تاريخ تنفيذ الانقلاب على مرسي وإعلان عزله) وقبول رئيس المحكمة الدستورية العليا، عدلي منصور، تعيينه رئيساً مؤقتاً للبلاد، تمهيداً لنقل السلطة إلى السيسي. وتتابعت أحكام مجلس الدولة تأييداً للسلطة الجديدة، بعدما وقفت عائقاً أمام استكمال تكوين المؤسسات الدستورية في عهد مرسي، بحكم إلغاء انتخابات مجلس النواب التي كان مزمعاً إجراؤها في ربيع 2013.
واكب القضاء أهداف الثورة، لكنه ساهم في الانقلاب على رئاسة مرسي والعملية الديمقراطية
من خلال هذه التبعية، ساهم القضاء المصري في خلق واقعٍ جديد يضع ثورة يناير خلف ظهره، وعكس ذلك قلق القضاء بصفةٍ عامة، من تأثير الثورة على مكتسباته وإخضاعه لسلطة ديمقراطية حقيقية. وعلى الرغم من ذلك، سارع السيسي، الذي عرف القضاء والقضاة جيداً عبر شقيقه أحمد، المستشار في محكمة النقض، خلال السنوات اللاحقة، إلى اتخاذ خطوات قضت على ما كان القضاة يخشون المساس به في عهد الثورة، وهو الاستقلال المالي والإداري الكامل. وبالإضافة إلى هذه الاستقلالية، أهدر السيسي، عبر قرارات متتابعة ومدروسة بعناية، مكتسبات مهمة خرج بها القضاة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
خلفيات للتدجين: مواكبة الثورة
ولم تكن هذه الخطوات وليدة مواقف عشوائية، دون الاعتداد بخلفيات ما حدث بين عامي 2011 و2013. فعلى الرغم من عدم ترحيب الغالبية العظمى من القضاة بالثورة، إلا أن المحاكم، وبصفة خاصة مجلس الدولة المصري (مختص في القضاء الإداري، وأحد أعمدة القضاء في مصر مع محكمة النقض والدستورية العليا)، كانت ساحة مثلى للتفاعل السياسي والقانوني الذي واكب أهداف الثورة وسارع إلى تحقيقها، استجابة للحراك الشعبي. وحصل ذلك، ابتداءً من حلّ "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم والمحليات، مروراً بإبطال عقود الخصخصة وفرض رقابة على السلطة التنفيذية في حالة الطوارئ، ووصولاً إلى قضايا مسّت المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك ذاته. ومن هذه القضايا، تجريم كشوف العذرية للمعتقلات، والتي كان السيسي أول عضو في المجلس يبررها، في تصريح نادر له للإعلام الأجنبي في 2011.
كذلك ساهم القضاء العادي، عبر دوائر مختلفة في الاستئناف والنقض، في إدانة رموز النظام السابق مالياً واقتصادياً، ووصمهم بالفساد، على عكس رغبة السلطة الحاكمة، وعلى رأسهم حسني مبارك ونجلاه، متخطياً في أحيان كثيرة محاولات الأجهزة التنفيذية للتعتيم والتلاعب بغرض الحماية والتضليل.
عكست تلك الأحكام القضائية صعوبة السيطرة على القضاة في دوائرهم وأحكامهم وقراراتهم التي لا سلطان لأحد عليهم بشأنها، على عكس النيابة العامة التي يمكن لشخص واحد، هو النائب العام، تغيير قرارات مرؤوسيه من محامين عموم ورؤساء ووكلاء نيابات. وأثار ذلك خوف النظام (في عهد السيسي) من استمرار وجود "جيوب ثورية" أو "مستقلة" داخل الجسد القضائي، تستغلها المعارضة السياسية والحقوقية لتحقيق أهدافها، أو أن تساهم الأحكام الصادرة عن تلك "الجيوب" في إشعال حراك ضد النظام.
تخوّف في محله: تيران وصنافير نموذجاً
وكان تخوف النظام في محله، وانعكس مباشرة على أرض الواقع، بعد توقيعه اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في الثامن من إبريل/ نيسان 2016، حيث تلقت محكمة القضاء الإداري بعد ساعات من التوقيع، دعاوى قضائية لبطلان التنازل المصري عن جزيرتي تيران وصنافير. وأسفر الحراك القانوني عن حكمين تاريخيين ببطلان التنازل صدرا من القضاء الإداري والإدارية العليا في يونيو/ حزيران 2016 ويناير/ كانون الثاني 2017، ودعما بشدة أصوات معارضي السيسي في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وميادين التظاهر. ومثّل ذلك في حينه أزمة كبرى هدّدت تماسك النظام وسيطرته، إلى أن استطاع بتدخل استثنائي من المحكمة الدستورية العليا وقف هذا المد، بقرار أصدره رئيسها عبد الوهاب عبد الرازق (رئيس مجلس الشيوخ الحالي). وأصدر عبد الرازق في يونيو/ حزيران 2017 قراراً بوقف تلك الأحكام، تبعه حكم صريح بإلغاء آثارها في مارس/ آذار 2018 أصدره رئيسها حنفي جبالي (رئيس مجلس النواب الحالي).
كانت أزمة جزيرتي تيران وصنافير معبرة بشدة عما يمكن أن يمثله القضاء من خطورة على النظام، ومن عون كبير له أيضاً، ليبدأ السيسي مساراً مختلفاً في التعامل مع القضاء لتقليم أظافره وتدجينه وجعله تحت سيطرته التامة.
تحرّك النظام ضد القضاء قام في الأساس على عددٍ من المعطيات والتصرفات، نجملها في سطور مرتبةٍ من أقلها إلى أكثرها أهمية وحساسية له وللسلطة.
إلغاء المزايا
الملف الأول كان ما لاحظه السيسي من إصرار القضاء على التمتع بمزايا خاصة على الصعيد المالي، كالإعفاء من الضرائب العالية والتهرب من المحاسبة في وقائع الفساد، فقرّر تخفيض امتيازات القضاة المالية، بإخضاعهم للحد الأقصى للأجور بعدما كانوا قد استثنوا أنفسهم من ذلك. كذلك تمّت زيادة المستحقات المطلوب منهم أداؤها من الضرائب، بضرورة احتساب الضريبة بنسبة تصل إلى 25 في المائة على القضاة بأثر رجعي يمتد حتى يونيو/ حزيران 2018 موعد صدور القانون الخاص بالشرائح الجديدة رقم 97 لسنة 2018. وجاء ذلك بالتوازي مع تقليل فرص حصولهم على أموال من الجهات الحكومية والتعليمية التي ينتدبون إليها.
أهدر السيسي، عبر قرارات متتابعة ومدروسة، مكتسبات مهمة خرج بها القضاة من عهد مبارك
ثم جاء بسط سلطة الرقابة الإدارية على القضاة، فبدأت هذه السلطة في إعداد تقاريرها عن مجموعات مختلفة من قضاة مجلس الدولة ومحكمة النقض ومحاكم الاستئناف، وفي مرحلة تالية عن أعضاء هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، رغم ارتباط عمل تلك الأخيرة أصلاً بالرقابة الإدارية في مكافحة الفساد الحكومي. وحدّدت الرقابة أول المجموعات بناء على التحريات الخاصة عن أملاك القضاة غير المسجلة في الشهر العقاري أو المسجلة بأسماء ذويهم، وكذلك تقارير المصرف المركزي عن أموالهم السائلة وأموال ذويهم بعد عام 2018. كذلك كثفت الرقابة تحرياتها أيضاً عن علاقات القضاة الشخصية في أماكن العمل الحكومية التي ينتدبون فيها، خصوصاً في دواوين الوزارات والمحافظات.
وشنّ السيسي هذه الحملة الجديدة على القضاة على خلفية اكتشاف وقائع عديدة من المخالفات المالية الخاصة بهم، منها وقائع رشوة واستيلاء على أراضي الدولة وتوسع في مخالفات البناء وغيرها من وقائع مرتبطة أساساً بالثروات العقارية. وتم اكتشاف قسم كبير من هذه الوقائع خلال الحملة الكبرى التي شنّتها الأجهزة السيادية، مسنودة بالجيش والشرطة، على المخالفين لشروط البناء والمعتدين على أراضي الدولة، الصيف الماضي.
وعلى مدار السنوات الثلاث السابقة، أحالت الرقابة الإدارية إلى إدارات التفتيش في وزارة العدل والنيابة العامة ومجلس الدولة أكثر من مئتي مخالفة ضد أعضائها، صدرت أحكام تأديبية في أكثر من 60 حالة، منها 21 من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بخصوصها في العام الماضي 2021، ولا يزال الباقي قيد التحقيق.
قانون الاختيارات القضائية "الأمنية"
أما الملف الثاني والأكثر أهمية، فيتمثل في قلق النظام من تقديرات القضاة رؤساء الهيئات، في اختيار مساعديهم ورؤساء الدوائر، مستغلين سلطاتهم الإدارية التي لا يراجعهم فيها أحد، كوضع قضاة أصحاب أفكار ثورية ليبرالية أو يسارية أو ناصرية على رأس دوائر مهمة، كما حدث في الأحكام السابق ذكرها وقضية تيران وصنافير. وجاء ذلك فضلاً عن القلق من إمكانية أن تؤدي قاعدة الأقدمية المطلقة المعمول بها في القضاء المصري منذ نشأته، إلى وصول ذوي الرأي والأفكار إلى رئاسة الهيئات. ومن الأمثلة على ذلك، ما كان سيحدث مع المستشار يحيى دكروري، صاحب حكم بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في مجلس الدولة، والمستشار أنس عمارة عضو تيار الاستقلال، في محكمة النقض، والمستشار محمد خيري طه في المحكمة الدستورية العليا، وغيرها من النماذج.
وكان الحلّ لدى النظام هو إصدار قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية عام 2017 قبيل اختيار دكروري وعمارة بأقدميتهما لرئاسة الهيئتين، والذي أتاح للسيسي اختيار رئيس كلّ هيئة على ضوء التقارير الأمنية، التي تطورت في ما بعد إلى مقابلات شخصية مع أقدم القضاة في مكاتب الأمن الوطني والاستخبارات العامة والرقابة الإدارية. وهذا الوضع اعتبره عموم القضاة إهانة لهم ولمنصة القضاء ذاتها.
وتحسباً للحكم بعدم دستوريته، أدخل النظام مواد ذلك القانون المعيب في الدستور، لتقنين وضع شاذ وغير طبيعي. وتضمنت التعديلات الدستورية الصادرة في إبريل/ نيسان 2019، تطبيق القاعدة السلطوية ذاتها على المحكمة الدستورية العليا، ليصبح رئيس الجمهورية هو من يُعيّن جميع رؤساء السلطة القضائية، متعمداً إهدار الأقدمية، وليصبح جميع المختارين مدينين له بفضل الاختيار، وأوفياء بعدم الخروج عن سياسة الدولة في كلّ المجالات.
ومن خلال تحكّم السيسي المطلق بتعيينات رؤساء الهيئات القضائية، سيكون هو الذي يختار بشكل مسبق أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذين ستوكل إليهم ـ وفق النص الدستوري المعدل الذي لم ينفذ حتى الآن بشكل كامل - مناقشة الشؤون المشتركة للهيئات وأعضائها والتعيينات فيها وإبداء الرأي في تعديلات القوانين المنظمة لها.
القضاء... ذراع تنفيذية ومرفق خدمي
وكل ذلك يقود إلى الملف الثالث والأهم على الإطلاق على المدى البعيد، وهو رغبة السيسي في التحكم الكامل بالعناصر التي تختار للتعيين في القضاء، بعد إكمال دراستها الجامعية وتغيير خلفياتهم الثقافية والمعرفية بشكل كامل. وبذلك، يصبح الجسد القضائي أقرب للعسكري والشرطي، في إطار رؤية السيسي له كذراع للسلطة التنفيذية ومرفق خدمي، وليس كسلطة مستقلة تعمل لصالح الشعب وتراقب السلطتين الأخريين وترشد عملهما.
ويحاول النظام إلصاق هذه الطبيعة الشاذة عن العدالة والقضاء بعقول وضمائر شباب القضاة منذ مرحلة ترشيحهم واختيارهم. وقد تمّ إخضاع جميع الهيئات بإلحاق المرشحين الناجحين في المقابلات الشخصية تمهيداً للالتحاق بالعمل فيها للدراسة في الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة للاستخبارات، بل واستخدام الأكاديمية كأداة ترشيح أخيرة ونهائية لاختيار القضاة، شأنهم في ذلك شأن المتقدمين للعمل الدبلوماسي والوظائف الحكومية الأخرى.
ورضخ مجلسا الدولة والقضاء الأعلى لهذا التوجه الجديد، بعد تلقيهما تأكيدات بأنه "من المستحيل التصديق على تعيين قضاة جدد أو أعضاء في النيابة العامة دون إخضاعهم للدورات التدريبية". ويعني ذلك، تقليص سلطة إدارة الهيئات في الاختيار، وأن الآلية التي فرضت على مجلس الدولة هي أن يتم إبلاغ أسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، ثم يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنياً بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة.
2021... استكمال التدجين
وبالتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة، أعلن السيسي ووزير عدله عمر مروان تخصيص العام الحالي 2021 لـ"النهوض بشباب القضاة" من خلال الأكاديمية التابعة للاستخبارات. فاستكمالاً لخطة التدجين، سوف يتم استحداث دورات تدريبية في الأكاديمية للقضاة المعينين الموجودين سلفاً في جميع الهيئات، لتصبح تلك الدورات أداة لتقييمهم ومعرفة انتماءاتهم وتطوير التعاون مع بعضهم، تمهيداً لاختيارهم لوظائف قيادية قضائية وإدارية في المستقبل. ويبرهن ذلك على رؤية السيسي للقضاء كجزء من السلطة التنفيذية، يصلح لممارسة السياسات التفريخية ذاتها التي تتبع لإعداد القيادات الجديدة الموالية في الحكومة.
كذلك أبرمت النيابة العامة بروتوكول تعاون مع الأكاديمية، يستهدف وفق المعلن "الارتقاء بأعضاء النيابة العامة والإداريين فيها، وتطوير وتنمية قدراتهم ومهاراتهم العلمية والإدارية في شتى المجالات مواكبةً لتطورات العصر الحديث، وتوسيع قاعدة التعاون بين الجهتين، وإثراء مجالات البحث العلمي والتنمية البشرية". من ضمن الأهداف أيضاً "إقامة الدورات وإجراء البحوث العلمية والخدمية المتعلقة بمجالات القانون المختلفة للارتقاء بالمستوى العلمي لأعضاء النيابة العام، والإداريين فيها، وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة لمواكبة كلّ جديد في علوم الإدارة والتدريب والتنمية البشرية والقانون والعدالة الجنائية، فضلاً عن إجراء الدراسات التطبيقية لاستخدام وسائل التقنية الحديثة تطويراً للعمل الإداري بالنيابة العامة". ويأتي ذلك وفق البروتوكول، "بالاستفادة من إمكانات المركز الإقليمي للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الأكاديمية، مواكبةً لاستراتيجية الدولة المصرية في التوجه إلى التحول الرقمي في مختلف مؤسساتها".
يحاول السيسي إلصاق طبيعة شاذة عن العدالة والقضاء في عقول شباب القضاة منذ مرحلة ترشيحهم واختيارهم
ويمتد هذا البروتوكول لمدة عامين، كما وقعت على بروتوكول مماثل كلّ من هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، بهدف "صقل وتنمية خبرات وقدرات أعضاء النيابة لمواكبة كافة التطورات القانونية والإدارية والتقنية، وتوفير متطلبات تحقيق العدالة الناجزة وضبط منظومة العمل الإداري وإرساء قيم ومعايير المساءلة والنزاهة والشفافية"، وفق المعلن.
لكن الواقع أن القضاة يدرسون في الأكاديمية العديد من المناهج البعيدة عن القانون وحقوق الإنسان، حيث تهتم الأكاديمية بمناهج بحثية خاصة بحروب الجيلين الرابع والخامس والأمن القومي والإرهاب.
وفي بوادر إعادة توليد لتجربة زرع التنظيم الطليعي في الجسد القضائي في نهاية ستينيات القرن الماضي، أصبح عدد كبير من القضاة الجدد والشبان يدينون بالولاء إلى الأكاديمية الوطنية، بانخراطهم في برامج مستدامة بها والتي هي في الحقيقة ليست معهداً للتدريب بالمعنى المعروف، بقدر ما هي وعاء سياسي لتأييد النظام وتفريخ أجيال تدين له وحده بالولاء.
كذلك استحدث السيسي سنّة جديدة، هي تكريمه، وهو رأس السلطة التنفيذية، لـ"ممثلين عن شباب القضاة المتميزين"، لتتلاشى الحدود بين السلطات ويكرس فيه شعور شباب القضاة بغياب الاستقلال وتغير أخلاقيات وأهداف العمل القضائي. ويأتي ذلك خصوصاً مع توسع النظام في اتباع أساليب غير معتادة لتقييم القضاة بصورة أقرب لتقييم أداء العاملين المدنيين في الدولة والموظفين الإداريين.
وكان هذا التكريم اختتاماً لفعاليات نظمتها وزارة العدل بتعليمات من دائرة السيسي الاستخبارية الرقابية، لتكريم القضاة الأكثر إنتاجاً وإنجازاً للقضايا خلال العام القضائي الماضي، مع بدء العام القضائي الجديد بداية شهر يناير/كانون الثاني الحالي. وكان الوزارة قد عمّمت تعليمات جديدة منذ بضعة أشهر على إدارات التفتيش في جميع الهيئات القضائية لتقييم جميع القضاة بناء على حجم الإنجاز وكمية القضايا والتقارير التي تكتب شهرياً.
وتجرى دوماً عملية متجددة شهرياً لحساب الإنجاز في جميع الهيئات والمحاكم، ولكنها تستخدم في الأساس لقياس مدى كفاءة الدوائر واتخاذ الإجراءات تجاه العناصر الأقل في الالتزام والإنتاجية. لكن ما حدث في الشهور الأخيرة بتعليمات وزارة العدل، هو تحول جميع الدوائر بقضاتها ومحققيها إلى سباق لإنهاء أكبر قدر ممكن من القضايا، وغلق أكبر عدد من الملفات، للحصول على مكافآت أدبية وتشجيعية وصرف حوافز الإثابة (المكافأة) المرتبطة بها.