عودة خطر "داعش" في سورية: ترميم الصورة وتخلٍّ عن سياسة التمكين

03 فبراير 2022
تسبب هجوم "داعش" على غويران بدمار في الحي وحملة نزوح (فرانس برس)
+ الخط -

يحيي تجدُّد نشاط تنظيم "داعش"، مع تزايد عدد عملياته بشكل كبير في سورية والعراق تحديداً، وتمدُّدها إلى المنطقة المغاربية، مخاوف من انبعاث التنظيم من جديد، وفق استراتيجية جديدة تصعّب استهدافه والقضاء على خلاياه المتفرقة.

وتطرح هذه العمليات المتلاحقة أكثر من سؤال، حول ما إذا كانت تشكل إنذاراً لبداية مرحلة جديدة من نشاط "داعش" بعد تراجعه والإعلان عن القضاء عليه إثر طرده من آخر معاقله في الباغوز السورية في مارس/آذار 2019، وأن يعود التنظيم لشن عمليات نوعية تهز المنطقة العربية.

كما تثير علامات استفهام حول قدرة القوات العراقية و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تحديداً، على مواجهة التنظيم، بعد الانسحاب الأميركي من العراق وتخفيف وجوده في سورية، وفي ظل الأزمات السياسية في العراق وما تشهده سورية من انقسام إلى أكثر من منطقة نفوذ.

هجمات متفرقة لـ"داعش"

كان من أخطر عمليات "داعش" أخيراً، الخرق الأمني في منطقة سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بهجومه على سجن غويران في الحسكة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي استمر لأيام قبل إنهائه.

وقالت "قسد" إن 40 من قواتها و77 من حراس السجن وأربعة مدنيين قتلوا، فضلاً عن 374 من المهاجمين أو المعتقلين من التنظيم، في الهجوم على السجن. وتزامن ذلك مع هجوم على قوات الجيش العراقي في ديالى أوقع 11 قتيلاً في صفوفها.

تلا ذلك عمليات لـ"داعش" في دول مغاربية. ففي 26 يناير الماضي، هاجم مسلحون من التنظيم دورية أمنية غرب بلدة القطرون أقصى الجنوب الغربي من ليبيا، وقتلوا 3 من أفرادها. بعدها بيوم واحد، أعلنت السلطات الجزائرية وقوع اشتباك مع "مجموعة إرهابية" في ولاية عين قزام، على الحدود مع النيجر، ما أدى إلى مقتل جنديين والقضاء على إرهابيين اثنين.

وفي 28 يناير، أعلنت وزارة الداخلية التونسية القبض على فتاة (22 سنة) كانت تنوي القيام بعملية إرهابية، "وذلك بعد رجوعها من سورية حيث كانت قد التحقت بأحد التنظيمات الإرهابية هناك وتلقّت تدريبات". وأضافت الداخلية في بيان أن الفتاة كانت تحضّر للقيام بعملية انتحارية في إحدى المناطق السياحية التونسية.

أراد "داعش" من خلال الهجمات أن يظهر لخصومه أنه لا يزال موجوداً على الرغم من الإعلان عن القضاء عليه

ويبدو أن التنظيم أراد من خلال عملياته هذه، وخصوصاً هجومه على سجن غويران الذي يضم الآلاف من أسرى التنظيم، بينهم قيادات من الصف الأول، تحقيق مجموعة أهداف وتوجيه أكثر من رسالة، سواء لحاضنته من الخلايا النائمة، أو المقاتلين في صفوفه، أو المؤيدين لفكره، بالإضافة للقوى التي تحاربه. أبرز أهدافه كانت رفع معنويات عناصره، والقول إنه لا ينسى أسراه.

كما أراد أن يحيي صورة التنظيم من جديد أمام مؤيدي فكره، وربما بهدف استجلاب الدعم المالي، بالإضافة إلى إحياء خلايا التنظيم النائمة وتنشيطها. كما أن "داعش" أراد أن يظهر لخصومه أنه لا يزال موجوداً على الرغم من الإعلان عن القضاء عليه مراراً، وأنه يمتلك القدرة على الوصول حتى إلى المربعات الأمنية للقوى التي تحاربه.

استراتيجية جديدة في سورية والعراق

بعد دحر "داعش" في معركة الباغوز في مارس/آذار 2019، وإعلان التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب القضاء عليه، عمد التنظيم إلى تغيير استراتيجيته التي كانت تقوم على التمكين، "أي إقامة دولة مكانية، ضمن حدود معينة".

واتّبع التنظيم سياسة الانتشار في كل من سورية والعراق، أي تشكيل مجموعات من المقاتلين تقوم بحرب استنزاف ضد الأطراف التي تحاربها، انطلاقاً من البادية السورية، من دون اتخاذ أماكن سيطرة فيها.

هذه الاستراتيجية اعتمدها التنظيم لمنع استهدافه، وتجنيد خلايا نائمة ضمن مناطق سيطرة أطراف الصراع في سورية، من أجل القيام بعمليات يحددها التنظيم، ومن أجل المساهمة في نشر فكره.

عمد التنظيم إلى تغيير استراتيجيته من التمكين إلى سياسة الانتشار

وبدأت تظهر معالم استراتيجية "داعش" الجديدة مع بداية عام 2020 الذي نفذ فيه ثلاث عمليات فقط، ليتزايد نشاطه خلال العام 2021 بمعدل 50 عملية خلال العام، معظمها استهدفت قوات النظام والمليشيات الإيرانية.

إلا أن خطر "داعش" تعاظم بشكل أكبر مع بداية العام الحالي، وبدا فيه أكثر قدرة، وبدأ بتنفيذ عمليات متزامنة، ما يشي بانتقاله إلى مرحلة متقدمة من التنظيم. وفي اليوم الأول من يناير/كانون الثاني من العام الحالي، نفذ تنظيم "داعش" هجوماً على حافلة تقل جنوداً للنظام السوري قتل خلالها خمسة وجرح عشرين. تبع ذلك في اليوم الثاني من الشهر نفسه إعلان التنظيم استهداف نقطة تفتيش لقوات "قسد"، قالت الأخيرة إنه لم يسفر عن ضحايا.

وفي 13 يناير، هزت انفجارات متزامنة أربع مدن من مناطق سيطرة المعارضة هي أعزاز، والباب، وعفرين، ورأس العين، تبنّاها جميعاً تنظيم "داعش"، وخلفت 8 قتلى وعشرات الجرحى. ثم جاء الهجوم على سجن غويران، بالتزامن مع عملية قام بها "داعش" في منطقة العظيم التابعة لمحافظة ديالى في العراق، وأدت إلى مقتل 11 جندياً عراقياً.

ويبدو أنه أراد من خلالها أن يوسع دائرة الاهتمام الإعلامي بعودة فعاليته من جديد، وأن يثبت لخصومه أنه لا يزال يمتلك مركزية في القرار، وقدرة على تنسيق عدد من العمليات، وفي أكثر من مكان من العالم. وتزامنت العملية التي نفذها التنظيم في العراق مع عمليات في عدد من دول المغرب العربي، في كل من ليبيا وتونس والجزائر.

حرب عصابات وهجمات مباغتة

ويستبعد معظم الباحثين في شؤون التنظيمات الإسلامية، أن يعود "داعش" بعد أن تم القضاء على "دولته" جغرافياً، لاتّباع سياسة التمكين. إلا أن التنظيم يبدو أنه يحاول أن يستعيد فعاليته في كل من سورية والعراق فكرياً وأمنياً، متّبعاً سياسة حرب العصابات والهجمات المباغتة التي تقلق الخصوم من دون التمركز في مكان محدد.

وساعدت البادية السورية الشاسعة المساحة، "داعش" على ترتيب صفوفه، وإعادة تنفيذ عمليات يستهدف من خلالها عبر الترويج الإعلامي استعادة جزء من مؤيديه.

ويستغل التنظيم مجموعة من الظروف في المنطقة ساعدته على زيادة فعاليته، أهمها تعدد مناطق السيطرة في سورية، وعدم وجود تنسيق أمني بين مناطق السيطرة المتصارعة أصلاً، الأمر الذي يتيح للتنظيم تحقيق اختراقات أمنية، في تلك المناطق.

يستغل التنظيم مجموعة من الظروف ساعدته على زيادة فعاليته، أهمها تعدد مناطق السيطرة في سورية

وعلى مستوى مناطق سيطرة "قسد"، لا تزال مناطق دير الزور الشرقي مخترقة بشكل كبير من عناصر التنظيم، لدرجة أن السكان يتداولون مقولة "النهار لقسد والليل لداعش". كما يستغل التنظيم الفساد المستشري في مناطق "قسد" لجذب مواطنين يتعرضون لمظلوميات.

يضاف إلى ذلك أن منطقة شرق الفرات شهدت عمليات إفراج عن المئات من عناصر التنظيم، سواء من خلال وساطات عشائرية، أو عمليات إخراج مساجين من "داعش" من السجون مقابل مبالغ مالية، وقد وثقت صحيفة "ذا غارديان" من خلال تحقيق أجرته بعضاً من هذه العمليات.

ولا يُعرف راهناً الكثير عن قيادة التنظيم، باستثناء اختيار أبو إبراهيم الهاشمي القرشي "خليفة" له بعد مقتل مؤسسه في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وبخلاف القرشي، وهو عراقي احتجز سابقاً في سجن أميركي، لا يُعرف الكثير عن قيادة التنظيم. وتتباين التقديرات حول أعداد مقاتلي "داعش" راهناً.

وأشارت تقارير صدرت عن الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2021، إلى وجود ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل من "داعش" ينشطون في سورية والعراق، إلى جانب أعداد أخرى تنتشر في أفريقيا وأفغانستان وليبيا والصومال وجنوب شرق آسيا. فيما كان التحالف بقيادة الولايات المتحدة قد قال في منتصف 2019 بعد معركة الباغوز، إن التنظيم يحتفظ بما يتراوح بين 14 و18 ألف عضو، بينهم 3000 أجنبي.

وقال الباحث لدى معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشارلز ليستر، لوكالة "رويترز": "هذا تنظيم يحتفظ بقوة بشرية كبيرة". وأضاف: "في ما يتعلق بالخلايا النشطة حركياً، أتصور أننا نتحدث عن بضعة آلاف في البلدين معاً. لكن من المستحيل فعلياً تحديد ذلك".

وقال ليستر "ما شاهدناه في الشهور الستة إلى الإثني عشر الماضية على جانبي الحدود السورية والعراقية هو أن خلايا داعش كانت أكثر استعدادا لشن هجمات أكثر جرأة".

من جهته، رأى الباحث في شؤون التنظيمات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك "عودة انبعاث لداعش وزيادة في فعاليته"، مشيراً إلى أنه "خلال الشهر الذي سبق الهجوم على سجن غويران، تم رصد ثلاث عمليات للتنظيم في مناطق سيطرة الجيش الوطني المعارض، في كل من أعزاز، وعفرين، والباب، بالإضافة إلى عدد من العمليات في البادية التي استهدفت قوات النظام".

وحول تزامن عمليات "داعش" بين سورية والعراق، وبين المناطق السورية نفسها، أوضح شريفة أن "التنظيم بعد سقوط الباغوز لم يعد يمتلك قيادة مركزية، إذ تحوّلت الولايات السياسية لداعش إلى ولايات أمنية منفصلة، تتمتع بمرونة في اتخاذ القرار، ولكن خلال العمليات الأخيرة بدا واضحاً أن التنظيم بدأ يجمع بين المرونة والمركزية في اتخاذ القرار، ولمسنا هذا الأمر من خلال تزامن عملياته".

ورأى شريفة أن عملية سجن غويران تندرج في سياق استراتيجية اعتمدها التنظيم منذ عام 2013 تحت مسمى كسر الأسوار، وهي مجموعة عمليات من أجل تحرير سجنائه في المعتقلات، وسبق هذه العملية عمليات مشابهة مثل عملية سجن أبو غريب، وبوكا، التي تم خلالها إخراج العديد من المعتقلين.

وأوضح أن عملية غويران تندرج ضمن الاستراتيجية نفسها من أجل إعادة البناء والترميم، إذ يبدو أن "داعش" بحاجة للموارد البشرية، والسجون هي موارد بشرية جاهزة من أجل هذه العملية، خصوصاً أن سجن غويران يضم نحو 5000 مقاتل "داعشي". وأضاف أن التنظيم يريد أن يعيد الثقة لعناصره واتباعه، بالإضافة إلى توجيه رسائل لخصومه بأنه يستطيع ضربهم في أي وقت وأي مكان.

رسائل "داعش" لتثبيت الوجود

أما الناشط الحقوقي أبو عمر البوكمالي، المقيم في دير الزور، فرأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "داعش من خلال عملية سجن غويران، لم يكن يهدف إلى تحقيق السيطرة على مكان جغرافي، وإنما إلى إيصال رسالة مفادها أنه كيان قائم، ومؤثر، ويستطيع الوصول من دون وجود مقرات له".

ولفت إلى أن "هذه استراتيجية جديدة يتّبعها التنظيم وهي ناجحة حتى الآن في مناطق كثيرة من ريف دير الزور مثل السويدية وذبيان، إذ يستطيع فرض ما يشاء من دون أن يكون حاكماً فعلياً". واعتبر أن "داعش أوصل رسالة بأنه قادر على الوصول لأي شخص، وأن كيانه موجود، وهو يأخذ حتى الآن إتاوات من الناس، ويفرض على البعض ترك قسد".

من جهته، قال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، المقرب من "قسد"، محمد حسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أسباب زيادة نشاط "داعش" في منطقة الشرق الأوسط تتقاطع مع مصالح دول إقليمية لا تريد للمنطقة أن تستقر.

وأضاف أن سوء الأحوال الاقتصادية لسكان المنطقة، يدفع البعض لتسهيل مهام التنظيم لأسباب مادية، من دون أن يكونوا مقتنعين بفكره، بالإضافة إلى الفلتان الأمني الذي تشهده السجون التي تضم عناصر من "داعش".

وحذر حسن من خطر مخيم الهول الذي تحوّل إلى ولاية لـ"داعش"، على حد قوله، داعياً لإعادة النظر في كل المنظومة الأمنية لـ"الإدارة الذاتية"، وبإدارة كل الأماكن التي تضم عناصر من "داعش"، أو عائلاتهم.

المساهمون