مرّ عامٌ كامل على رئاسة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، ومعه إكمال المحافظين قبضتهم على مفاصل الحكم في إيران. ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، في 5 أغسطس/آب 2021، أدى رئيسي اليمين الدستورية أمام البرلمان الإيراني (مجلس الشورى)، كخطوة أخيرة لاستكمال الإجراءات الرسمية الروتينية على طريق استلام السلطة التنفيذية في البلاد، من حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.
وجاء ذلك بعد فوز رئيسي بالانتخابات الرئاسية الـ13 في إيران (أجريت في يونيو/حزيران 2021)، والتي رافقها جدل واسع بعد إقصاء الإصلاحيين منها، إثر رفض مجلس صيانة الدستور أهلية قادتهم البارزين في الترشح.
رئاسة رئيسي: العقوبات تكبّل العام الأول
وينقسم الداخل الإيراني في تقييم أداء إبراهيم رئيسي في السياستين الداخلية والخارجية، بعد عام على تبوئه السلطة، بين من يشيد به من أنصاره المحافظين وحديثهم عن أنه وريث وضع من سلفه روحاني، لا يُعالج في عام، وبين من ينتقده من التيار الإصلاحي، وحتى من التيار المحافظ الذي خرجت منه أصوات منتقدة لأدائه على الصعيد الاقتصادي.
يرى المؤيدون لرئيسي أنه وريث وضع من سلفه روحاني، لا يمكن معالجته بعام، فيما تنتقد أصوات أداءه الاقتصادي
أما الشارع الإيراني، الذي يشكل الاقتصاد أولويته الأساسية في الوقت الراهن على خلفية الأزمة الاقتصادية منذ سنوات بسبب العقوبات الأميركية المشددة، فلم يشعر بأن أي تحسن قد طرأ على وضعه المعيشي خلال العام الأخير. بل زاد الأمر سوءاً مع ارتفاع متزايد للأسعار ونسب التضخم على الرغم من وعود أطلقها الرئيس الإيراني خلال حملته الانتخابية ومناظراته الانتخابية.
استمرار الأزمة الاقتصادية في إيران، أطلق احتجاجات جديدة في البلاد في شهر مايو/أيار الماضي، على خلفية تحرير أسعار سلع ومواد غذائية، فضلاً عن تجمعات نقابية للمعلمين والعمّال والمزارعين والمتقاعدين.
خلال تلك الفترة، كثّف إبراهيم رئيسي، ومسؤولو حكومته، زياراتهم إلى المحافظات والمدن الإيرانية، وحضورهم بين الإيرانيين لطمأنتهم بشأن سياسات الحكومة واهتمامها بهمومهم. في غضون ذلك، تراجعت جائحة كورونا التي فاقمت مشاكل الإيرانيين، خلال هذا العام، بعد استيراد الحكومة كميات أكبر من اللقاحات وسط اتهامها الحكومة السابقة بالتقصير في الأمر.
وفي الشأن الداخلي أيضاً، شهدت إيران أخيراً اعتقال عدد من الناشطين والمخرجين السينمائيين، بتهمة "التواطؤ ضد أمن البلاد"، أبرزهم الناشط السياسي مصطفى تاج زادة، بالإضافة إلى عودة الجدل بشأن مسألة الحجاب على خلفية عودة شرطة الأمن الأخلاقي إلى الشوارع.
على صعيد السياسة الخارجية، ركّز رئيسي على العلاقات مع الإقليم والشرق، وهو تركيز مدفوع بالانسجام بين الميدان والدبلوماسية في إيران. ولم يحتل الاتفاق النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018، والمفاوضات النووية لإعادة إحيائه، ذلك الاهتمام الذي كانا حظيا به في عهد روحاني، فأجرت حكومة رئيسي جولتين من مفاوضات فيينا النووية (غير المباشرة بين طهران وواشنطن)، السابعة والثامنة، إلى أن توقفت بصيغة فيينا منذ مارس/آذار الماضي، قبل أن تُستأنف أمس الخميس مرة أخرى.
وخلال فترة التوقف، استمرت المفاوضات بشكل غير مباشر بين طهران وواشنطن على مدى الشهور الماضية (منها جولة تفاوض غير مباشرة في الدوحة في يونيو الماضي)، لكنها لم تحرز تقدماً في سبيل التوصل إلى اتفاق.
إنجازات خجولة في الداخل
يقول الناشط الإيراني المحافظ، محمد صالح مفتاح، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حقّق "إنجازات" خلال العام الأول من رئاسته، في مجال تحصيل الضرائب، وإلغاء جزء من الدعم الحكومي للسلع في إطار "التحول الاقتصادي" وتحويل هذا الدعم "نقدياً" إلى الشرائح المتوسطة والضعيفة في المجتمع، وكذلك تسهيل إصدار تراخيص العمل و"الاهتمام بالحقوق العامة في مختلف المجالات، منها تحرير الشواطئ" من قبضة مؤسسات الدولة والمتنفذين.
لكن مفتاح يرى أن حكومة رئيسي تفتقر إلى الانسجام في الخطاب، موضحاً أنه "لا يوجد خطاب موحد لها يميزها عن الحكومات السابقة"، على الرغم من جهود مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة لطرح خطاب العدالة والجمهورية.
وفي هذا السياق، يشير إلى وجود "نقاط ضعف بارزة وجادة" في عمل الحكومة، منها استمرار مشكلة البورصة وارتفاع قيمة العملات الأجنبية وهبوط الريال وارتفاع التضخم، معتبراً أن "كل هذه المسائل ليست بالضرورة نتاج الحكومة الحالية، لكن بعد مرور عام، لم تحصل نتائج واضحة على هذا الصدد".
تراجع جودة وسرعة الإنترنت، "كان من الأمور التي أضّرت الناس كثيراً خلال العام الأخير"، بحسب مفتاح، الذي يضيف أنه "على الرغم من مكاسب في إنشاء الشبكة الوطنية للمعلومات وتوسيعها، لكن الحكومة لم تحقق نتائج جيدة في مجال الإنترنت الدولي".
كثّف رئيسي زياراته للمحافظات وأعطى الأولوية للمحافظات الفقيرة، لكن ذلك لم تتمخض عنه نتائج ملموسة
أداء الحكومة لم يحقق رضا الشارع أيضاً، بحسب مفتاح، محذراً من تراجع نسبة مشاركة الإيرانيين في الانتخابات، منها الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وحول ذلك، يقول إنه "من الممكن أن تحدث مشاكل في المستقبل"، داعياً الرئيس الإيراني إلى "اتخاذ قرارات عاجلة لإعادة ثقة الشارع بالانتخابات".
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الإيراني المحافظ أن رئيسي وحكومته يسعيان إلى ردم الفجوة بين الشارع والحكومة، والرئيس الإيراني "يقوم بنفسه بزيارات ميدانية في المحافظات مع إعطاء الأولوية للمحافظات الفقيرة، وهذا ما يميزه كثيراً عن الحكومة السابقة". ويلفت إلى تكليف الرئيس المسؤولين الإيرانيين بالحضور بين الشعب ومخاطبتهم عن قرب. لكن مفتاح يعتبر أن الزيارات إلى المحافظات "ليس واضحاً بعد مدى تأثيرها في حلّ مشاكل الشرائح المجتمعية".
أما على صعيد الاتفاق النووي، وعلى الرغم من تأكيد رئيسي على أنه لن يربط اقتصاد البلاد بالمفاوضات والاتفاق النووي، لكنه كما يقول الخبير مفتاح "لم يتمكن بعد من فصل الاقتصاد عن الاتفاق النووي والمفاوضات"، مشيراً إلى أن "السوق ما زال يتفاعل مع المفاوضات بحساسية ويتأثر بها".
ويعتبر مفتاح أن "الحكومة الحالية التي تنتقد سابقتها في ملف المفاوضات، لا تملك استراتيجية واضحة" هي نفسها في هذا الصدد.
من جهته، يعتبر الخبير الإيراني، حسين رويوران، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فوز رئيسي المحافظ بالرئاسة "أفضى إلى هدوء سياسي بين السلطات وانتهاء الاتهامات المتبادلة بينها"، مؤكداً "وجود تنسيق كامل بين السلطات الثلاث اليوم".
السياسة الخارجية: تقارب مع الشرق
الرئيس الإيراني رئيسي ينتمي إلى المدرسة الإقليمية في السياسة الخارجية الإيرانية، فلديه مقاربة مختلفة عن سلفه حسن روحاني في هذه السياسة، تعتمد التقارب مع الشرق والدول الجارة، فيما كان روحاني يركز على حلحلة الصراع مع الغرب والولايات المتحدة عبر بوابة الاتفاق النووي.
ولم يحالف الحظ روحاني، وأخفق الاتفاق النووي نفسه في معالجة الملف النووي الإيراني، ناهيك عن بقية الملفات الخلافية. وانسحبت واشنطن من الاتفاق في 2018، معيدة فرض العقوبات على طهران التي أنهت بدورها التزاماتها النووية، مع تطوير قدراتها النووية أكثر مقارنة بمرحلة ما قبل الاتفاق النووي المبرم في عام 2015.
حسين رويوران: السياسة الخارجية باتت أكثر حيوية تجاه الشرق والدول الجارة في عهد رئيسي
السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الشرق والجيران، "باتت أكثر حيوية" في عهد حكومة رئيسي، كما يقول الخبير رويوران، موضحاً أنها اختزلت في عهد الحكومة السابقة بالمفاوضات النووية.
ويشير رويوران إلى أن رئيسي يقصد من تعزيز العلاقة مع المحيط، مواجهة الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية. ويلفت إلى الزيارات "المكثفة" بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم في دول إقليمية، منها زيارات متبادلة لرئيسي إيران وروسيا (فلاديمير بوتين)، وزيارات رئيسي إلى آسيا الوسطى والخليج.
كما يشير الخبير الإيراني إلى "تقدم" الحوار الإيراني - السعودي في بغداد والسعي للرقي به إلى المستوى السياسي، فضلاً عن إعادة رفع الكويت والإمارات العلاقات إلى مستوى السفير.
المفاوضات النووية: تعثر مستمر
واصل رئيسي المفاوضات النووية، في الجولتين السابعة والثامنة، قبل أن تتوقف في صيغة فيينا، لكن هذه المفاوضات بحسب الخبير رويوران "ليست أولوية" رئيسي، وذلك على عكس روحاني.
أُطيل أمد المفاوضات النووية التي انطلقت في إبريل/نيسان 2021، في عهد الرئيس الإيراني الحالي. ويعزو الدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي راد، أحد أسباب ذلك، إلى تغيير الوفد الإيراني المفاوض ومعه تغيير التوجهات. ويشير إلى أن الحكومة أصبحت تتشدد أكثر من سابقتها بشأن المطالب الإيرانية حول الضمانات والحرس الثوري الإيراني (رفع العقوبات عن الحرس).
ويضيف فرجي راد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن السبب الآخر في إطالة المفاوضات، هو "التطورات الجيوسياسية على الساحة الدولية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا". لكن فرجي راد يؤكد في الوقت ذاته أن حكومة رئيسي "باتت تعلم أنها من دون رفع العقوبات لا يمكنها إنجاز أعمال عظيمة لأن أميركا وأوروبا تزيدان العقوبات إذا ما شعرتا بأن المفاوضات تطول ولا تصل إلى نتيجة". ويستشهد في السياق بالعقوبات الأميركية الجديدة التي فرضت يوم الثلاثاء الماضي على إيران.