يدخل تطبيع المغرب وإسرائيل، اليوم السبت، عامه الثالث منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ووقّع الطرفان خلال الأشهر الماضية العديد من الاتفاقيات في مجالات الاقتصاد والرياضة والصحة والزراعة والثقافة والتعليم، إلا أن اللافت كان توسع التعاون الأمني والعسكري خصوصاً.
وتخطى التعاون في المجال العسكري حدود الزيارات الرسمية، ووصل إلى حد مشاركة ضباط من الجيش الإسرائيلي لأول مرة كمراقبين، في تدريبات عسكرية "الأسد الأفريقي 2022"، التي جرت في المغرب بين 20 و30 يونيو/حزيران الماضي.
عزيز هناوي: لم يعد مصطلح التطبيع يكفي لوصف المشهد
كما شارك المفتش العام للقوات المسلحة الملكية بلخير الفاروق، في سبتمبر/أيلول الماضي، في المؤتمر الدولي حول الابتكار العملياتي المنظم بإسرائيل. وتم الإعلان عن إقامة مشاريع دفاعية صناعية مشتركة في المغرب.
ويحذر رافضو التطبيع في المغرب من انعكاسات خطيرة لهذا التطبيع على الأمن وموقع البلاد الجيوسياسي، متوقعين فشل هذا المسار الذي دخل من بوابة قضية الصحراء ودعم موقف الرباط فيها، من دون تحقيق أي تقدم في حل هذا الخلاف، وفي ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.
شراكة استراتيجية أوسع مع إسرائيل
وقبل أيام من حلول الذكرى الثانية لإعلان العلاقات بين البلدين، كشف تقرير دولي أصدره معهد الشرق الأوسط في واشنطن (MEI) أن "صفقة التطبيع المغربية الإسرائيلية تطورت من وسيلة تُمكّن المغرب من الحصول على اعتراف أميركي بمغربية الصحراء، إلى شراكة استراتيجية أوسع مع إسرائيل".
ولفت إلى أنه "من الناحية الجيوسياسية، توفر هذه العلاقة فوائد واضحة لكلا الجانبين: بالنسبة للمغرب وصولا علنيا إلى التعاون الأمني والعسكري الإسرائيلي، ولإسرائيل قبولا أكبر ووجودا وتأثيرا محتملا في شمال أفريقيا".
وأشار التقرير، الذي نُشر في الخامس من الشهر الحالي، إلى أن "مشاركة المغرب في اتفاقيات أبراهام (اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية) تطورت من التركيز الأولي على ضمان اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، إلى علاقة ثنائية تعاونية مزدهرة مع إسرائيل".
ورأى الكاتب العام لـ"المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" عزيز هناوي، أن "الموجة التطبيعية الرسمية الجديدة، التي انطلقت مع إعلان 10 ديسمبر 2020، والتوقيع الرسمي في 22 من الشهر نفسه، هي موجة تتجاوز التطبيع "الكلاسيكي" الذي كان سابقاً، ويتخذ مرجعية له ما يسمى مسلسل السلام العربي – الإسرائيلي، إثر اتفاقية غزة- أريحا أولاً في العام 1994، أو ما اصطلح عليه اتفاقية أوسلو 1993، كغطاء سياسي لتبرير التطبيع بالمغرب وكذا بعواصم أخرى".
وأوضح هناوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الموجة التطبيعية الحالية تم إطلاقها بمرجعية محلية بمقاربة تتجاوز وتقفز على الحاجز الفلسطيني و"عوائق الصراع العربي الإسرائيلي"، من خلال اعتماد رؤية قائمة على محاولة قطف ثمار تطبيع ثنائي مع الكيان الصهيوني، في إطار صفقة ثلاثية برعاية أميركية تحت عنوان "اتفاقات أبراهام التطبيعية" العابرة لعدد من عواصم المنطقة، غداة إطلاق شعار ما يسمى "صفقة القرن" بتنزيل أجندة "السلام مقابل السلام" من دون أرض ولا شيء آخر من عناوين المرحلة السابقة".
قطار التطبيع تجاوز بيان 10 ديسمبر
ولفت إلى أن "قطار التطبيع صار منطلقاً بشكل متسارع بين الرباط وتل أبيب، متجاوزاً حتى ما تم إعلانه في بيان 10 ديسمبر، أو اتفاق 22 من الشهر نفسه، بحيث أصبحت الدولة المغربية، مفتوحة على مسار لم يعد مصطلح التطبيع يكفي لوصف المشهد".
وتابع: "لقد أصبح شبه توأمة شاملة لكل القطاعات والسياسات العمومية الدبلوماسية، والاقتصادية والتجارية والزراعية والثقافية والأمنية والعسكرية والرياضية، في ما اصطلح عليه في ورشة الدار البيضاء بـ"توحيد الهياكل" بين الرباط وتل أبيب".
ورأى هناوي أن "حالة السعار الصهيو- تطبيعي التي طفحت بها كل نواحي الحياة في الدولة، ومحاولات تمرير ذلك إلى المجتمع عبر التعليم والثقافة والإعلام، وصناعة بؤر مجتمع مدني خادمة لهذا التوجه، تنبئ بخطر كبير على الأمن والوحدة الترابية والوطنية وعلاقة الدولة بالمجتمع، وعلى موقع ومفاصل التوازن الجيوسياسي للمغرب الدولة، مما يطرح السؤال: إلى متى وإلى أي حد سيمضي أصحاب القرار بالبلاد في حالة الارتهان إلى الأجندة الصهيونية والأميركية؟".
محمد شقير: العلاقات بين المغرب وإسرائيل ليست وليدة اتفاق أبراهام
وأضاف: "في المرصد المغربي لمناهضة التطبيع موقنون بالفشل الحتمي لكل أسطوانة التطبيع لأنها دخلت من بوابة قضية الصحراء لمنحها قداسة يصعب مواجهتها. لكن الذكاء الجماعي للمغاربة، وحالة التنافي الصارخة بين القضية الوطنية ومهزلة التطبيع، فضلاً عن تطورات الصراع ميدانياً في فلسطين المحتلة، كلها عناصر تجعل من مسار التطبيع محكوماً بالبوار، اللهم ما تم به فرضه بأدوات الدولة خارج الإرادة الشعبية الرافضة له".
من جهته، شرح الخبير الأمني محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استراتيجية المغرب في تطوير ترسانته العسكرية، والحاجة إلى التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، بما فيها التزود بأحدث المعدات الدفاعية وخلق صناعة عسكرية تهتم بالأساس بصنع طائرات مسيّرة، قد ساهمت بشكل كبير في رفع مستوى العلاقات بين البلدين".
عاملان أساسيان سهلا رفع العلاقات
وأضاف أن عاملين أساسيين سهّلا رفع هذه العلاقات، هما "تواجد جالية إسرائيلية ذات أصول مغربية دفعت بالرفع من هذه العلاقات، وشبح التواجد الإيراني في منطقة شمال أفريقيا من خلال تزويد جبهة "البوليساريو" بمعدات عسكرية، والاتهامات لحزب الله بتدريب عناصر من الجبهة".
ولفت شقير، إلى أن "العلاقات بين المغرب وإسرائيل ليست وليدة اتفاق أبراهام أو مرتبطة بالاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، إنما سبق للبلدين أن تعاملا بشكل غير رسمي وسري".
وأوضح أن ذلك تم "من خلال تبادل الأجهزة الاستخباراتية لمعلومات أمنية، وتزويد إسرائيل المغرب في حربه في الصحراء بمعدات عسكرية وأسلحة متطورة، وإقامة علاقات تجارية، بالإضافة إلى زيارات الإسرائيليين من أصول مغربية التي لم تنقطع حتى بعدما تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في سنة 2000 بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية".
ولفت إلى أن "اتفاق أبراهام يعد مرحلة أخرى من العلاقات بين البلدين، ساهم فيها سياق التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية والاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، ما أدى إلى تكريس التعاون بين الطرفين، وتم التكثيف من زيارة كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين للمملكة خلال السنتين الماضيتين لإبرام مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم حول التعاون العسكري والتجاري والثقافي".