طاجكستان تنتظر التوريث: رحمون يهيئ نجله لخلافته

24 نوفمبر 2022
رحمون خلال قمة المناخ بمصر، 7 نوفمبر (أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -

مع بدء رئيس جمهورية طاجكستان السوفييتية السابقة، إمام علي رحمون (70 عاماً)، عقده الرابع في السلطة، تتجه الأنظار إلى هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى على ضوء ما قد يشهده من عملية نقل السلطة خلال السنوات أو ربما الأشهر المقبلة، وسط توقعات بأن يكرر رحمون سيناريو تركمانستان في توريث الحكم لنجله رستم إمام علي، البالغ من العمر 34 عاماً.

وتولى رحمون زمام السلطة في طاجكستان في نوفمبر/تشرين الثاني 1992، وهو آخر رئيس في آسيا الوسطى وصل إلى سدة الحكم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ولكن يبدو أنه حسم خيار المستقبل السياسي للبلاد لصالح توريث الحكم في بلاده البالغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة.

أقدم رئيس لجمهورية سوفييتية سابقة

ومن اللافت أن رحمون هو حالياً أقدم رئيس في حكم جمهورية سوفييتية سابقة، ويزاحم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، القائم بمهام منصبه منذ عام 1994، والرئيس السابق لجمهورية كازاخستان، نورسلطان نزارباييف، الذي استقال من منصبه في عام 2019، يالإضافة إلى الرئيس الأوزبكي، إسلام كريموف، الذي توفي في عام 2016.

ويعتبر رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، أن الطاجيك يكنون احتراماً لرحمون نظراً لدوره في وقف الحرب الأهلية في بداية التسعينيات، متوقعاً بقاء بلاده ضمن النفوذ السياسي لموسكو حتى بعد خروجه من السلطة.

ويقول ميندكوفيتش في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "طاجكستان هي دولة ذات نظام حكم سلطوي، تكوّن على أثر الحرب الأهلية (1992 ـ 1997 بين الحكومة والمعارضة الطاجيكية المتحدة). وبصرف النظر عن سلبياته، يُحسب لرحمون أنه أوقف الحرب. ولذلك يكن الطاجيك احتراماً لشخصيته قبل الدولة في حد ذاتها".


نيكيتا ميندكوفيتش: لا بوادر لحصول تغييرات في السياسة الخارجية الطاجيكية ما بعد رحمون

وحول رؤيته للصعوبات التي قد يواجهها رستم إمام علي بعد صعوده إلى السلطة، يرى ميندكوفيتش أن "رستم يشغل حالياً منصب رئيس مجلس الشيوخ، ما يعني أنه سيصبح قائماً بأعمال الرئيس في حال وقوع أي طارئ. ويمكن ذكر، من بين سلبياته، انعدام مهارة مخاطبة الجمهور، وهي مهارة مهمة لمنصب الرئيس. ويرجح أنه سيعتمد بشكل كبير على الحرس القديم في حالة توليه الرئاسة، مما يُنذر بانقسام النخب. ويُدرك الجميع هذه المخاطر، ويقوم رحمون بكل ما بوسعه حتى تتم عملية نقل السلطة بطريقة سلمية خلال عام من الآن".

ويشير ميندكوفيتش إلى أن "الوضع في طاجكستان أكثر تعقيداً مقارنة مع تركمانستان"، معتبراً أن "تركمانستان لم تشهد حرباً أهلية ولا تعاني انقساماً طائفياً، ناهيك عن موقعها الجغرافي على الحدود مع أفغانستان. والسيناريو الأسوأ الذي قد يتحقق بعد استقالة رحمون، هو انقسام النخبة ونشوب حرب أهلية جديدة بسبب الصراع على السلطة".

ولما كانت روسيا تنظر إلى طاجكستان، شأنها في ذلك شأن غيرها من الجمهوريات السوفييتية السابقة، على أنها واحدة من حدائقها الخلفية، فإن أي تغيير مرتقب للسلطة في هذه المنطقة يثير قلق موسكو من جهة استمرار الحاكم الجديد في إتباع سياسات ستبقي على بلاده ضمن دائرة النفوذ الروسي، خصوصاً أن طاجكستان هي عضو بمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي" التي تقودها روسيا.

أهمية النفوذ الروسي

إلا أن ميندكوفيتش يبدي اعتقاده بأنه "لا بوادر لحصول تغييرات في السياسة الخارجية الطاجيكية ما بعد رحمون"، ويتابع: "يعتمد اقتصاد الجمهورية على تحويلات المغتربين من روسيا، بينما يعتمد تأمين حدودها مع أفغانستان على منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو ما سيضطر أي رئيس جديد لوضعه في الحسبان".


ينوي رحمون توريث السلطة إلى ابنه رستم إمام علي

وبحسب بيانات وزارة الداخلية الروسية، فإن نحو 2.7 مليون مواطن طاجيكي حضروا إلى روسيا بهدف العمل خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بينما بلغ مجموع تحويلات المغتربين من روسيا في العام الماضي 1.8 مليار دولار، مشكّلة بذلك أكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي نهاية نوفمبر 1992، انتخب مرشح "الجبهة الشعبية" إمام علي رحمونوف، كما كان يلقب حينها، رئيساً للمجلس الأعلى في طاجكستان التي كانت تعيش حالة الحرب الأهلية. وكان يشغل في ماضيه السوفييتي منصب مدير جمعية "لينين" الزراعية.

وجرى انتخاب رحمون أثناء مؤتمر بإحدى القرى بالقرب من مدينة خوجاندا (لينين أباد سابقاً) التي كانت تحتلها مجموعات "الجبهة"، بينما كان مسلحو المعارضة الموحدة يحتلون العاصمة دوشنبه. وفي عام 1994، انتُخب رحمون رئيساً للجمهورية.

ومنذ ذلك الحين ظلّ قائداً للبلاد، وغيّر في منتصف العقد الأول من القرن الجديد اسم عائلته إلى "رحمون" بدلاً من "رحمونوف" الروسية. وفي عام 2015، حصل رحمون على لقب "زعيم الأمة" مدى الحياة. وأجريت آخر انتخابات رئاسية في عام 2020، مسفرة عن فوزه بالولاية الخامسة بأكثر من 90 في المائة من الأصوات.

وشهدت سنوات حكم رحمون قضاء كاملاً على المعارضة السياسية، بينما أدى تردي الأوضاع الاقتصادية وضعف مستوى التنمية إلى شغل طاجكستان واحداً من آخر المواقع بين بلدان رابطة الدول المستقلة، في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة، لتحل في المرتبة 122 من أصل 191، في تقرير المؤشر في عام 2021.

المساهمون