تجاهلت السلطات الجزائرية رسالة جديدة وجّهتها كتلة من النواب في البرلمان الأوروبي إلى المفوضية الأوروبية، للمطالبة بمراجعة سريعة لاتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، على خلفية صفقات الأسلحة التي وقّعتها الجزائر مع روسيا، التي عُدت في نظر النواب الأوروبيين دعماً لمقدرات موسكو في حربها ضد أوكرانيا. ولم تعلّق الحكومة الجزائرية على هذه الرسالة التي ينظر إليها الجانب الجزائري على أنها "تأويلات سياسية بائسة".
ووقّع 17 نائبا أوروبيا رسالة جديدة تم توجيهها، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إلى كل من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ومفوض الشؤون الخارجية جوزيب بوريل، للتعبير عن القلق بشأن ما تصفه بالدعم الجزائري لموسكو "إننا نشعر بقلق عميق إزاء التقارير الأخيرة عن توثيق العلاقات بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهو وضع يترجم إلى دعم سياسي ولوجستي ومالي لعدوان بوتين على أوكرانيا". وأشارت الرسالة إلى أن "الجزائر تُعد من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في العالم، وبلغت ذروتها في عقد أسلحة تزيد قيمته عن سبعة مليارات يورو في عام 2021. وسيؤدي تدفق الأموال إلى روسيا، مهما كان مصدره، إلى تقوية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا". وتأتي رسالة النواب الأوروبيين بعد أقل من ثلاثة أشهر من رسائل مشرعين أميركيين استهدفت الجزائر في علاقاتها مع موسكو.
واعتبرت رسالة النواب الأوروبيين، وهم من فرنسا وليتوانيا والمجر وإستونيا والسويد وبلغاريا وفنلندا وبولندا والدنمارك وسلوفاكيا، يقودهم رئيس الوزراء الليتواني السابق أندريوس كابيليوس، أنه إضافة إلى الدعم المادي لموسكو، فإن الجزائر توفر إسناداً سياسياً لروسيا عبر "الامتناع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين الحرب في أوكرانيا، في الثاني من مارس/آذار 2022، وبعد شهر واحد فقط، انضمت الجزائر إلى سورية و23 دولة عضوا أخرى في تصويت ضد استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".
وبالنسبة للطرف الرسمي في الجزائر، قال مصدر جزائري مسؤول لـ"العربي الجديد" إن "هذه الرسالة موجهة من جهة أوروبية إلى جهة أوروبية، ولذلك لا يعنينا الرد عليها، البحث في لائحة النواب الموقعين وخلفياتهم يمكن أن تعطي تفسيراً واضحاً عن خلفياتها ودوافعها، الجزائر تتمتع بعلاقات مسؤولة مع الاتحاد الأوروبي، كدول أو كهيئات، والمسؤولون الأوروبيون يعززون ثقتهم في الجزائر كشريك موثوق في مجال الطاقة أو غيرها، ولذلك تعبير البعض عن مواقفهم لا يغير من واقع الحال شيئاً".
ويشير هذا إلى أن الجزائر تدرج مثل هذه المواقف والخطوات ضمن سجال سياسي مستمر بينها وبين أطراف أوروبية تغذيها مواقفها السياسية، وتعتمد في نقدها لعلاقات الجزائر على معلومات غير دقيقة بالضرورة، على غرار الحديث عن صفقات حديثة للأسلحة بأكثر من ستة مليارات دولار مع موسكو، وهو نفس الاتجاه الذي اتخذه تعامل الجزائر مع رسائل ضغط سابقة. وقال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عز الدين زحوف لـ"العربي الجديد" إن "رسالة النواب الأوروبيين تذكر برسالتين سابقتين تندرجان في نفس السياق، كانتا صدرتا عن مشرعين أميركيين، لمطالبة الإدارة الأميركية بتسليط عقوبات ضد الجزائر. لذلك أعتقد أن الخلفية هي نفسها لمحاولة حشر الجزائر في زاوية ضيقة، على الرغم من أن الجزائر تلعب دوراً حساساً ومهماً في فك الخناق عن الدول الأوروبية في أزمة الطاقة، وزادت من تموينها للدول الأوروبية كإسبانيا وإيطاليا وسلوفينيا وغيرها بحاجياتها من الغاز والطاقة"، مشيراً إلى أنه "إذا كان المبرر فعلاً هو صفقات الأسلحة، وبغض النظر عن حق الجزائر في تطوير تسلحها من الجهة التي ترى جدواها، فإن هناك دولا أخرى أكثر تسلحاً من روسيا مقارنة مع الجزائر، ومع ذلك لا تتم مهاجمتها من قبل الأوروبيين".
وكان النائب زحوف يشير إلى رسائل أميركية سابقة في نفس المنحى، إذ كان 27 عضواً في الكونغرس، تتزعمهم العضوة ليزا ماكلين، وجّهوا في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن لمطالبته بفرض عقوبات على الجزائر، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا، على خلفية صفقات الأسلحة التي وقعتها مع روسيا، باعتبار أنها توفر موارد إضافية لموسكو لخوض الحرب على أوكرانيا. وقبل رسالة الأعضاء الـ27 في الكونغرس الأميركي، كان نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، ماركو روبيو، وجّه رسالة مماثلة وبنفس المبررات إلى وزير الخارجية في 14 أغسطس/آب الماضي، اعتبر فيها أن "المشتريات الدفاعية الجارية بين الجزائر وروسيا"، تصب في صالح "تدفق الأموال إلى روسيا، ما يؤدي إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا".
ويتوقع مراقبون في الجزائر، أن تطرح العلاقات الجزائرية الروسية للنقاش على الصعيد الأميركي والأوروبي بأكثر حدة، عندما يتم تنفيذ الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موسكو، المتوقع أن تتم قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، مثلما تم الإعلان عنه من قبل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في وقت سابق، حيث يتوقع أن يتم التوقيع على "وثيقة تعاون استراتيجي" يجري الإعداد لصياغتها بين الجزائر وموسكو منذ يونيو/حزيران الماضي.