صحيفة ألمانية تنتقد الغرب حول أوكرانيا: ألقى سلاحه قبل أن تبدأ الحرب

21 يناير 2022
لا توحي المواقف الأوروبية بجدية اتخاذ قرار ضد بوتين ولا بتقديم دعم لأوكرانيا (Getty)
+ الخط -

قال مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، إن روسيا بدون أوكرانيا دولة كبيرة، ومع أوكرانيا تشكل إمبراطورية. وعلى ما يبدو، فإن الرئيس الروسي يرغب في تحقيق هذه المقولة، وهو الذي أوضح مراراً وتكراراً أنه ينتهج سياسة مراجعة يكون هدفها الأقصى دمج كييف في فلكه، لكن الغرب يحاول منعه من خلال الضغط على زعيم الكرملين بتهديد نظامه بعقوبات إذا أقدم على غزو أوكرانيا، بيد أن المحادثات بين الأطراف الغربية لا توحي بجدية اللجوء إلى هذا الخيار بحق موسكو، حيث يتلمّس المرء المواقف غير المنسجمة بين بعض الأطراف، وعدم وجود نية جدية لدعم ميداني لأوكرانيا، الدولة غير العضو في حلف الناتو.

أمام ذلك، رأت "دي فيلت" أن الغرب يلقي بسلاحه قبل أن تبدأ الحرب؛ لأنه وكما هو واضح فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يريدان حظر روسيا من شبكة الدفع الدولية "سويفت"، حتى لو غزت القوات المسلحة الروسية أوكرانيا، وهذا استثناء مهم للكرملين، ويعطي إشارة واضحة للضعف، بعدما كانت هذه الخطوة تعتبر "السيف الأشد" أو "القنبلة المالية النووية" المتاحة للغرب لمعاقبة روسيا.

يذكر أن شبكة السويفت تربط 11 ألف بنك تتعامل مع أكثر من 200 دولة، حيث يوفر النظام إمكانية التواصل بشكل آمن، ومعالجة المدفوعات بعملات مختلفة وبسهولة وبتكلفة زهيدة. وفي الإطار، يرى مراقبون أن القوة الخاصة للعقوبة سترتد إجراء عقابياً على أوروبا وستكلفها ثمناً باهظاً، لا سيما وأنها تعتمد أولا على واردات النفط والغاز الروسي، وسيتعين على البنوك الأوروبية شطب مليارات من العملات الصعبة من الذمم المدينة من العملاء الروس، وسيحصل اضطراب في الأسواق المالية. وعليه، فإن استبعاد البنوك الروسية ستكون له نتائج مأساوية، والاقتصاد المتعثر سيموت، وهذا علامة ضعف تجاه الرجل الذي لا يستجيب إلا للقوة.

علاوة على ذلك، ترى "شبيغل أون لاين" أن روسيا تظهر نفسها بوصفها معتمداً إقليمياً، مع نشرها أكثر من مائة ألف من قواتها العسكرية على الحدود، فيما تأمل أوكرانيا في الحصول على دعم من الغرب وتزويدها بالأسلحة الدفاعية اللازمة، وهو ما ترفضه ألمانيا رغم قعقعة سيوف الحرب، وقد عبّر عن ذلك صراحة المستشار شولتز ووزيرة الخارجية باربوك. وهنا، حذّر رئيس مؤتمر ميونخ للأمن، إيشنغر، أنه وفي حال حدوث غزو لكييف فإن الآلاف من الأوكرانيين سنجدهم يبحثون عن الأمان في برلين من دون تأشيرات.

على ضوء ذلك، قالت رئيسة لجنة الدفاع في الحزب الليبرالي الحر، ماري أغنس شتارك تسيمرمان، مع "دويتشلاند فونك"، إنه لا بد من إعادة النظر بتسليم الأسلحة لأوكرانيا. أما صحيفة "بيلد" فرأت أنه يمكن للمرء أن يجادل في ما إذا كان ينبغي على ألمانيا أن تزوّد أوكرانيا بالسلاح؛ لكن ما لا يُسمح به هو لجم مطالب أوكرانيا بالمساعدة في مواجهة التهديدات الروسية، فألمانيا توصل السلاح إلى العديد من الدول، وبينها دول في جنوبي آسيا والشرق الأوسط؛ فلماذا يتم حجبه عن كييف؟

وفي السياق، اعتبر الباحث السياسي يورغ هيملرايش، في مقال في "دويتشه فيله"، أن الناتو والاتحاد الأوروبي قد أهملا عنصر الردع، والعقوبات الاقتصادية السابقة رداً على ضم القرم كانت هزيلة للغاية. قبل أن يشير إلى أن جميع الاعتبارات الاستباقية لنظام بوتين أثبتت عدم جدواها، سواء كان برفض إدراج أوكرانيا في عملية الانضمام إلى الناتو في بوخارست عام 2008، أو من خلال الالتزام الصارم بمشروع غاز "نورد ستريم 2". وشدد على أهمية التلميح بالعقوبات على روسيا، وتنفيذها إذا لزم الأمر، بطريقة من شأنها أن تلحق ضرراً بموسكو. وفي الأثناء، نقلت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية، عن رئيس المنتدى الألماني الروسي، ماتياس بلاتزيك، أن السلام في القارة أصبح الآن على المحك، وأن الأمر يتعلّق أيضاً بفهم موقف روسيا، مستذكراً ما طلبه بوتين في البوندستاغ منذ أكثر من 20 عاماً، عندما قال باللغة الألمانية: "بدون بنية أمنية حديثة ودائمة ومستقرة؛ لا يمكننا خلق مناخ من الثقة في القارة".

ويخلص موقع "نويه تسيريشر تسايتونغ"، إلى أنه أمام تضاؤل تأثير السياسة الخارجية الأوروبية بشكل عام والألمانية بشكل خاص؛ باتت تحتاج إلى توجهات خاصة لمقاومة الانطباع بأنها تابعة للولايات المتحدة، وألمانيا تعتبر قاطرة للاتحاد الأوروبي، وتتمايز عن غيرها من الشركاء الأوروبيين بسياستها البراغماتية، ولديها تمثيل مشرّف لمصالحها والمصالح الأوروبية في العالم، قائم على أسس وقيم واضحة، منها المزج بين الحوار والصلابة في المواقف.

المساهمون