- يعتمد ترامب على "تعيينات إجازة العطلة" لتجاوز موافقة مجلس الشيوخ، لكن الديمقراطيين قد يستخدمون حق التعطيل، مما يتطلب 60 صوتاً لتمرير التشريعات.
- زعيم الأغلبية الجمهورية جون ثون يفضل الإجراءات التقليدية، مما قد يحد من قدرة ترامب على فرض مرشحيه ويعيد التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
تختبر اختيارات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للمناصب العليا في إدارته الجديدة، استقلالية مجلس الشيوخ الجديد الذي يبدأ مهامه بداية يناير/كانون الثاني المقبل، إذ يرفض عشرات الأعضاء بعض الأسماء المطروحة من ترامب لهذه المناصب، والتي أثارت الجدل في واشنطن، في الوقت الذي طلب فيه ترامب من الجمهوريين بمجلس الشيوخ، والذين باتوا يملكون الأغلبية، السماح له بتمرير اختياراته للمناصب العليا من خلال الموافقة على السماح بتعيينات ما يطلق عليه "تعيينات إجازة العطلة".
وتعني تعيينات إجازة العطلة، أنه يمكن للرئيس تعيين المناصب العليا في حال تجاوز العطلة مدة عشرة أيام وتستمر مدة التعيين عامين. وفي العادة، يقيّد الدستور الأميركي تعيينات الرئيس من خلال منح مجلس الشيوخ سلطة تأكيد أو رفض مرشحيه من أجل "كبح المحسوبية لدى الرئيس، ومنع تعيين شخصيات غير مناسبة إلى حد كبير"، حيث يتم شغل المناصب العليا في الحكومة الفيدرالية عن طريق ترشيحات الرئيس، ثم الموافقة عليها في مجلس الشيوخ بالأغلبية البسيطة (50 زائد واحد)، ما يعني أن اختيارات ترامب تحتاج موافقة مجلس الشيوخ.
تعني تعيينات إجازة العطلة، أنه يمكن للرئيس تعيين المناصب العليا في حال تجاوز العطلة مدة 10 أيام وتستمر مدة التعيين عامين
وعندما كتب الآباء المؤسسون الدستور الأميركي، وضعوا في الاعتبار أن المشرعين يضطرون للسفر من وإلى العاصمة الوطنية بالخيول، ما يؤدي لامتداد عطلة مجلس الشيوخ لبضعة أشهر، فمنحوا الرئيس سلطة تعيينات مؤقتة لشغل جميع المناصب الشاغرة خلال فترة العطلة، وكانت هذه التعيينات المؤقتة وفقاً لمركز خدمة أبحاث الكونغرس تستمر لعامين.
الآن لم يعد المجلس يغلق لمدد طويلة بالأشهر كما كان في بداية التأسيس، حتى الكونغرس بات يتخذ إجراءات تكتيكية لمنع هذه التعيينات، إذ تُعقدُ، في فترة الإجازة، جلسات دورية بين عدد صغير من الأعضاء لا تتضمن أي إجراءات تشريعية، وذلك لحرمان الرئيس من أي فرصة لتعيينات أثناء فترة الراحة. وكانت المحكمة العليا حكمت خلال فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما بأنه تجاوز صلاحيات "تعيينات العطلة"، ما دفع ترامب في ولايته الأولى والرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، إلى عدم استخدام هذا الإجراء.
ترشيحات دونالد ترامب تصدم الجمهوريين
رشّح الرئيس دونالد ترامب عدداً من الأسماء التي صدمت المجتمع السياسي والجمهوريين في واشنطن، من بينهم مقدم البرامج في شبكة فوكس نيوز والضابط السابق في الحرس الوطني بيت هيغسيث لوزارة الدفاع، والتي أثارت تعليقاته ضد خدمة النساء في الجيش جدلاً كبيراً، والنائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابارد، لإدارة الاستخبارات الوطنية، وهي متهمة بتسريب معلومات، وعضو مجلس النواب اليميني المتطرف مات غايتس لوزارة العدل، وهذه المناصب تعد من أهم المناصب الفيدرالية، وتتركز عاصفة الانتقادات عليها، خصوصاً على اسم غايتس الذي يواجه اتهامات أخلاقية غير قانونية مثل الاتجار بالجنس من الجمهوريين أنفسهم. وتختبر هذه الأسماء وغيرها قدرة المحافظين في مجلس الشيوخ على تحدي سلطة ونفوذ دونالد ترامب.
تعيين عضو مجلس النواب اليميني المتطرف مات غايتس لوزارة العدل يواجه أصعب اختبار
وخلال فترة ولايته الأولى، هاجم دونالد ترامب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي رغم ذلك كان ينفذ لترامب الأجندة التي يرغب بتنفيذها. ورغم لوم ماكونيل ترامب في تصريحات علنية بسبب أحداث 6 يناير 2021 (الاقتحام الدموي لأنصار ترامب لمقر الكابيتول) وغيرها من المواقف، إلا أنه رفض إدانته في محاكمتين للعزل.
وقبل أيام من فوز السيناتور جون ثون، حليف ميتش ماكونيل ويده اليمنى، بزعامة الجمهوريين في مجلس الشيوخ (أصبح زعيم الأغلبية بعد الانتخابات)، قال ترامب إن أي عضو جمهوري في مجلس الشيوخ يسعى إلى منصب القيادة لا بد أن يوافق على تعيينات "فترة العطلة".
رئيس "الشيوخ" الجديد: سننجز الأمر بالطريقة التقليدية
ويعد هذا الأمر هو الاختبار الأول لمدى قدرة دونالد ترامب على فرض كلمته وسلطته الكاملة على جون ثون الذي قال بعد فوزه بزعامة الأغلبية إنه "على استعداد لإنجاز الأمر بالطريقة التقليدية"، كما قال إنه يفضل تجنب التعيين أثناء العطلة لكنه لم يستبعده، محذراً من أنه إذا عطّل الديمقراطيون سرعة تعيين المناصب العليا فلربما يلجأ لهذا التكتيك.
الديمقراطيون بإمكانهم استخدام حق التعطيل لمنع إغلاق المجلس
وتسبب اختيار مات غايتس وزيراً للعدل بحالة من الغضب والقلق حتى داخل أوساط الجمهوريين أنفسهم. صحيفة وول ستريت جورنال، قالت في تقرير لها أخيراً، إن عدد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين المعارضين لتعيين غايتس في منصب وزير العدل قد يصل إلى 30 عضواً.
معارضة علنية لمات غيتس
كشفت تقارير على مدار الأيام الماضية، أن ترامب ناقش مع مرشحه لمنصب وزير العدل، أنه سيستخدم "تعيينات العطلة" لتمرير القرار، إذ يتوقع ترامب سلطة مطلقة هذه المرة، فيما كانت تعليقات عدد من الأعضاء معارضة لاختياراته، من بينها السيناتور الجمهوري توم تيليس الذي قال إنه "من الصعب أن يحصل غايتس على 50 صوتاً لتأكيد تعيينه"، فيما قالت السيناتور الجمهورية سوزان كولنز إنها تشعر "بالصدمة من الاختيار، وهذا يوضح سبب أهمية الحصول على الموافقة في مجلس الشيوخ (تلمّح إلى أنه لن يتم إعطاء ترامب ما يريد بتمرير التعيينات دون موافقة المجلس)". أما السيناتورة ليزا موركوفسكي، الجمهورية من ألاسكا، فقالت عن غايتس: "لا أعتقد أنه مرشح جاد".
ترامب يرغب في عطلة
ما يريد ترامب أن يحدث هو أن "يعلن مجلس الشيوخ عن إغلاق لمدة عشرة أيام، حتى يتمكن الرئيس من تعيين سكرتير لمجلس الوزراء لبقية الدورة التي تستمر عامين". لكن المشكلة أن هذا القرار يجب أن يمرّ بالتصويت في المجلسين، الشيوخ والنواب، ما يشكل عقبة أخرى أمام ترامب في قدرته على إقناع جميع الجمهوريين في النواب على التصويت لمرشحه، في ظل أغلبيتهم الضيّقة. وسيمكنه هذا القرار من تعيين من يريد، وأن يشغل جميع من اختارهم المناصب التي أرادها بهدف تنفيذ أجندته التي وضعهم في مناصبهم من أجلها. أحد رجال ترامب المخلصين والمدافعين عنه في مجلس الشيوخ، علّق على قناة فوكس بيزنس، على رفض بعض أعضاء المجلس الجمهوريين بعض اختيارات ترامب، محذراً من أنهم "إذا وقفوا في طريق أجندته فسنحاول إخراجهم من مجلس الشيوخ" (يقصد في الانتخابات المقبلة).
الديمقراطيون قد يمنعون إغلاق المجلس
عائق آخر قد يمنع الجمهوريين، حتى إذا أرادوا الانصياع التام للرئيس المنتخب، وهو أن الديمقراطيين بإمكانهم استخدام حق التعطيل لمنع إغلاق المجلس، ويمكن للجمهوريين إلغاء حق التعطيل (فليبستر)، لكن زعيم الأغلبية الجمهورية الجديد تعهد بأنه لن يتم إلغاؤه. ويعني "حقّ التعطيل" أنه يمكن لعضو واحد أن يقدم اعتراضاً، ما يرفع نسبة الموافقة على تمرير التشريع إلى 60 صوتاً بدلاً من "50 زائد 1"، لكن في حالة عدم الاعتراض فيتم تمريره بالأغلبية البسيطة، ويستثنى من ذلك أنه يمكن تمرير قانون مالي واحد سنوياً بالأغلبية البسيطة دون الحاجة إلى 60 صوتاً.
ويستلزم إلغاء حق التعطيل موافقة الأغلبية البسيطة، غير أنه على مدار السنوات الماضية، ورغم طرح الفكرة، إلا أن الأحزاب لا تزال تخشى تنفيذها لأسباب تتعلق بأنه يمكن لأي حزب يتولى الأغلبية في المستقبل أن يقلب القواعد.
من جهته، أشار سامح الهادي، الخبير في الشؤون الأميركية وعضو الحزب الديمقراطي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إلى أن زعيم الأغلبية الجمهوري الجديد شخص جمهوري تقليدي محافظ، وليس من مجموعة ترامب، وقد أكد أنه سيتبع الإجراءات الدستورية المعتادة في الاستماع والفحص والتقييم والرفض، بما يبدو من تصريحاته الميل إلى التقليدية في عمليات التسكين واعتبارات الترشيحات للمناصب الوزارية. وأوضح أنه إذا نجح جون ثون بفرض رؤيته في ما يخص التعيينات، فسيكون قد نجح بوضع مسار لن يستطيع ترامب تجاوزه في المستقبل، واسترد جزءاً من حظوة وهيبة الحزب الجمهوري التقليدية. وهذا يعني برأيه، أنه سيكون هناك توازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وأنه ليس كل ما يطلبه ترامب سيتحقق، والعكس صحيح، إذا تمكن ترامب من فرض كلمته منذ البداية، فإن هذا مؤشر للعامين المقبلين حتى انتخابات التجديد النصفية.
وتوقع الهادي أن بعض الأسماء التي طرحها ترامب لن تمر، وإن مرّت فستمر بصعوبة شديدة، مثل مرشحي وزارتي الدفاع والعدل، خصوصاً أن هذه الأسماء يجب أن تمر من اللجان الفرعية أولاً، حتى إن كان الجمهوريون هم من سيسيطرون على هذه اللجان، ما يعني أنه ربما لن تطرح للتصويت من الأساس.