سياسيون تونسيون يرفضون مشروع دستور سعيّد: يكرس حكم الفرد والاستبداد المطلق

01 يوليو 2022
تحذيرات من استفراد قيس سعيّد بالحكم (تييري ماناسا/Getty)
+ الخط -

تتوالى الانتقادات في تونس لمشروع الدستور الجديد المقترح للاستفتاء عليه يوم 25 يوليو/تموز المقبل، حيث أكد سياسيون من مختلف الانتماءات الحزبية أن دستور الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي نشرته الجريدة الرسمية أمس الخميس، يكرس حكم الفرد والاستبداد لجهة التراجع عن مختلف المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.

وقال الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التيار الديمقراطي ومجموعة أخرى من الأحزاب الديمقراطية التقدمية يرفضان المسار برمته"، مضيفا "هذا الدستور لا يمكن أن يكرس دولة مدنية أو جمهورية يُحترم فيها الفصل بين السلطات وتحترم فيها الحقوق والحريات".

وأشار إلى أن "هذا الدستور يكرس نظام جماهيرية على نمط الجماهيرية الاشتراكية العظمى الليبية، التي تتشكل فيها كل السلطات حول القائد الملهم أي حول الرئيس".

"دستور الأنا"

ومضى الشواشي يقول "هذا الدستور هو دستور الأنا، باعتبار أن الرئيس وحده فقط من يحدد الخيارات، ومن صلاحياته أن يختار الحكومة ويعزل من يشاء ويقوم بحل البرلمان ويعين أعضاء الهيئات الدستورية بما فيها المحكمة الدستورية".

وتسائل "ما المقصود بالخطر الداهم؟"، محذراً من استغلال ذلك إذا "الرئيس أراد أن يمدد لنفسه فترة أخرى من الحكم".

وشدد بالقول "لا يمكن أن يكون هذا الدستور مكرسا لجمهورية ديمقراطية، لأن الديمقراطية تقوم على المؤسسات وتقوم على فصل السلط، ولكن هذا الدستور يكرس حكم الفرد الواحد وهو ما يترجم فلسفة الرئيس قيس سعيّد".

وقال الشواشي إن "الدستور يحتوي على 50 فصلاً من دستور 2014، ولكن الفصول المهمة حُذفت وركز فقط على اختصاصات وصلاحيات رئيس الدولة، وبالتالي هو دستور وضعه سعيّد على مقاسه حتى يمكن نفسه من جميع الصلاحيات والنفوذ، وحتى يتمكن من الدولة والسلطة"، مبينا أنه "جرى الحديث باسم الشعب في حين أن الشعب لا أثر له داخل هذا الدستور".

وبين أن "هناك بعض الفصول الشعبوية إضافة الى التوطئة التي هي في مستوى ضعيف"، معتبراً أنها "توطئة إنشائية ومن دون معنى ولا منطق".

وأضاف أن "الدستور هزيل ولا يرقى لأن يحافظ على مكتسبات تونس الجديدة ولا يضمن التفرقة بين السلط ولا يبني دولة ديمقراطية"، لافتاً إلى أن "الرئيس حمل شعار لا عودة إلى الوراء، ولكن هذا الدستور عاد بتونس 150 سنة إلى الوراء، وهو دستور رجعي متخلف ولا يمكن أن يلبي الحد الأدنى لانتظارات الشعب التونسي".

وشدد الشواشي على أن "هناك حالة استياء كبيرة بعد صدور هذا الدستور، ويؤمل أن يتم إيقاف هذا العبث وتعطيل هذا الاستفتاء وهذه المهزلة وبالتالي إسقاط الدستور وصاحب هذا الدستور معا".

"مقدمة إنشائية"

بدوره، قال أمين عام حزب "التكتل من أجل العمل والحريات" خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حزب التكتل يرفض هذا الدستور، فهو من حيث الأسلوب رديء، ومن الناحية القانونية فيه عديد الأخطاء"، مؤكدا أن "الدستور الذي نُشر بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) فيه عديد الكلمات والأخطاء غير المقبولة، وهناك حتى تكرار لبعض الأفكار".

وتابع المتحدث "سعيّد أخذ جزءا من دستور 2014، حوالي 50 فصلا، مع مقدمة إنشائية لا معنى لها، والمسودة حسب عديد الخبراء مختلفة مقارنة بما عبروا عنه سابقا، حيث لم يجرى التطرق إلى الجانب الاقتصادي مثلا في الباب الأوّل كما كان منتظرا"، مضيفا أنه "في العلاقة مع الدين ومقاصد الدين الإسلامي فديننا دين تسامح، ولكن للأسف فُتح الباب لنقاش غير مبرر".

أما في ما يخص طبيعة النظام السياسي، فقال الزاوية "هو نظام رئاسي يؤسس لحكم الفرد"، موضحا أن "النظام الرئاسي يجب أن يكون معه برلمان قوي، لذا فهو نظام يدعو للحكم الفردي".

وأضاف "هذا الدستور يقوم على مجلس جديد للجهات والأقاليم لا نعرف صلاحياته، وما هي مشمولاته وما هي علاقته بالمجلس النيابي؟"، مؤكدا أن "سعيّد منح نفسه حق تحوير الدستور كرئيس يحكم في جمهورية بمفرده، وهذا هو أصل الحكم الفردي الذي يفتح الباب للديكتاتورية".

وأردف الزاوية "بالنسبة للحريات، فقد جرى الحديث عن المساواة مع النساء، ولكن هناك ضربا كبيرا للمساواة في مسألة الترشح لرئاسة الجمهورية، فليس هناك حق للتونسيات في الترشح للرئاسة وتم ذكر التونسي لا التونسية، وهذا يعتبر تراجعا كبيرا عن دستور 2014 وهو ما يعبر عن الفكر المحافظ والرجعي لقيس سعيّد، وهناك إشارة إلى أن المرأة لا تصلح لرئاسة الجمهورية".

"دستور غير مقبول إلى أن يسقط الانقلاب"

أما القيادي في حركة "النهضة" بلقاسم حسن فأكد، في تصريح لـ"العربي الجديد، "أن "النهضة لا تعترف بهذا المسار وبهذا الدستور وتعتبره جزءا من الانقلاب المرفوض بكل كيانه"، مضيفا أن "كل ما يأتي به الانقلاب مرفوض، وهذا المسار من 25 يوليو/ تموز 2021 إلى الدستور غير مقبول إلى أن يسقط الإنقلاب".

واعتبر حسن أن "الإجراءات غير دستورية وغير شرعية، فمجلس نواب الشعب في جلسة 30 مارس/آذار 2022، وعبر القانون عدد1، أنهى العمل بالإجراءات الاستثنائية، وبقطع النظر عما سيترتب عنها من قرارات ومن عديد الإجراءات الاستثنائية، التي تعتبر قد انتهت ولم تعد مقبولة منذ 30 مارس/آذار".

وتابع "ما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي لا علاقة لهم بالاستفتاء أو المشاركة فيه أيا كانت النتائج"، مؤكدا أن "الانقلاب متواصل، وقام باستشارة شارك فيها حوالي 500 ألف، وبنى عليها مشروعه الاستبدادي بوثيقة دستورية في غفلة من الجميع، وكل المسار غير شرعي وغير ديمقراطي لأنه مشروع استبدادي ديكتاتوري بكل ما في الكلمة من معنى".

وبين أن "التوطئة فيها تبرير للانقلاب الذي قام به قيس سعيّد الذي ذكر كلمة نحن الشعب التونسي، وهو في الحقيقة يعطي كل المبررات لانقلاب 25 يوليو/ تموز 2021".

"قريب من النظام السياسي الإيراني"

وبحسب النائب المستقل حاتم المليكي، فإنه "في قراءة أولية لمشروع الدستور، يمكن القول إن هناك عدة ملاحظات في الشكل والمضمون، وهي موجودة على أي نص دستوري أو أي نص قانوني"، مشيرا إلى أن "الفلسفة العامة الواردة بالتوطئة وبأحكام الدستور تقترب للنظام السياسي الإيراني".

وأكد المليكي في تصريح لـ"العربي الجديد " أنه "في قراءة أولية للتوطئة وصياغتها، هي تشبه كثيرا دستور 1959، وفي طبيعة النظام السياسي والصلاحيات الموكولة لرئيس الجمهورية فهي شبيهة كثيرا بالنظام السياسي الإيراني"، بحسب قوله.

وقال المتحدث ذاته إن "هناك العديد من المكاسب التي جرى التراجع عنها على غرار المكسب المتعلق بمدنية الدولة، والنص غامض ولا يتحدث بشكل صريح عن مدنية الدولة"، مضيفا أن هناك "أيضا تراجعا على مستوى مكاسب المرأة والنص لا يشير إلى مسألة ترشح النساء، وأيضا على مستوى الحريات، والدستور عموما غامض وقابل للتأويلات".

في المقابل، اعتبر حزب "التحالف من أجل تونس" أن "نص مشروع دستور الجمهورية الجديدة، الذي سيعرض على الشعب في استفتاء 25 يوليو/ تموز، أعاد للدولة وحدتها وتماسكها وللحكم نجاعته وإمكانية تحميله المسؤولية، من خلال نظام رئاسي لا يخول لأي رئيس الترشح لأكثر من دورتين".

في الأثناء، قال عضو "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة انفرادَ سعيّد بالحكم جوهر بن مبارك: "بعد الصدمة العارمة، صارت المهمّة الوطنية واضحة، وهي إسقاط الاستفتاء على المهزلة التي نشرها القائم على السلطة اليوم"، موضحاً في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك": "عشرات الآلاف في الشوارع يهتفون لا لا للاستفتاء، نعم لمظاهرة وطنية عارمة لا حساب فيها إلا للوطن ومصالحه العليا مظاهرة تونس ضدّ سعيّد".

من جهته، اعتبر القيادي بحركة "النهضة" ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام أن "دستور قيس سعيّد كفيل بأن ينقض في جملته وتفصيله، بمجرد قراءة ديباجته قبل الولوج الى أبوابه وفصوله، لأن ديباجته تقوم من أصلها على سردية انقلابية بامتياز".

وأضاف في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك": "هذا الدستور ولد في الغرف المظلمة وتعود ملكيته الحصرية لقيس سعيّد شكلا ومضمونا، وهو يحمل قاموسه الاصطلاحي الخاص والعجيب الغريب".

وأضاف "لكن هذه كلها تفاصيل صغيرة في مشهد كبير، وهو أن هذا الدستور هو دستور السقوط الحر وليس الصعود الشاهق، ويفتقد الشرعية والمشروعية لأنه بني على باطل، وعليه لا وجود إلا لدستور 2014 الذي حبر بإرادة الشعب الحرة ومرجعية ثورته المجيدة، وما زاد على ذلك هو مجرد فواصل وهوامش لا غير".

ويتوج مشروع دستور "الجمهورية الجديدة" مسارا كاملا انطلق في 25 يوليو 2021، فرضه الرئيس قيس سعيّد منذ سنة تقريبا عبر الاستحواذ على جميع السلطات ضمن ما أسماها "إجراءات استثنائية"، قال في ما بعد إنها "مسار إصلاحي تصحيحي" لـ"أخطاء العشرية السوداء"، حسب تعبيره، غير أن معارضيه، ضمن طيف واسع من المشهد السياسي، وصفوها بـ"الانقلاب"، وأن قراراته "ضربٌ للثورة التونسية".

وشهدت عملية صياغة الدستور انتقادات واسعة من قبل الخبراء والأحزاب والمنظمات، الذين قالوا إنه يؤسس لـ"الديكتاتورية وحكم الفرد".

المساهمون