قبل أيام قليلة، ظهر الناشط الطالبي المصري معاذ الشرقاوي، أمام نيابة أمن الدولة، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الاختفاء القسري، أعقبت القبض عليه من منزله، ليحكي عن "أهوال" تعرض لها خلال تلك الفترة.
أبلغ الشرقاوي، جهات التحقيق أمام نيابة أمن الدولة بالقاهرة الجديدة، التي ظهر بها للمرة الأولى، منذ القبض عليه من منزله في 11 مايو/أيار الماضي، أنه تعرض لانتهاكات من بينها "التعذيب والإخفاء القسري والحرمان من التواصل مع أسرته أو محاميه". وتحدث عن تعرضه "عدة مرات خلال الأيام الأولى من احتجازه، للضرب على الوجه والكتفين باستخدام الأيدي والأحذية، على يد أفراد لم يستطع تحديد هوياتهم بسبب تغطية عينيه طوال فترة احتجازه".
انتهاكات خلال التوقيف
التفاصيل التي رواها الشرقاوي للنيابة، عن انتهاكات فترة إخفائه، قد تختلف في تفاصيلها مع روايات أخرى لسجناء سياسيين، قضوا فترات متباينة رهن الإخفاء القسري، قبل ظهورهم أمام جهات التحقيق، لكنها لا تختلف في كونها مخالفة واضحة وصريحة لكافة القوانين والمعاهدات الدولية.
من هذه الاتفاقيات، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي انضمت إليها مصر في عام 1986. داخلياً، تنص القوانين المصرية على وجوب عرض أي متهم على النيابة في غضون 24 ساعة من القبض عليه، كما ينص قانون العقوبات على "توقيع عقوبات بالحبس أو الغرامة على الموظفين العموميين حال ارتكبوا فعل الإخفاء القسري أو التعذيب لنزع الاعترافات".
حسن البنا، معارض مصري مقيم في الخارج، وسجين سياسي سابق، روى من قبل عن أهوال فترة الإخفاء القسري التي مر بها قبل ظهوره أمام جهات تحقيق، والتي كادت تدفعه لإنهاء حياته. كتب البنا عن تلك الفترة، منشوراً عبر "فيسبوك" قال فيه: "لم يسبق لي تاريخ في إيذاء النفس، المرة الوحيدة التي فكرت فيها بجدية في إنهاء حياتي كانت فترة الاختفاء القسري في أمن الدولة، لكن للأسف لم يكن أمامي أي أداة أو طريقة لذلك، ولو عاد الزمن ووفرت لي أداة، فلن أتردد في ذلك".
على مدار السنوات الثماني السابقة، تم توثيق نحو أربعة آلاف حالة للاختفاء القسري
وطبقاً لحملة "أوقفوا الاختفاء القسري"، فعلى مدار السنوات الثماني السابقة، تم توثيق نحو أربعة آلاف حالة للاختفاء القسري لفترات متفاوتة داخل مقار قطاع الأمن الوطني وغيرها من مقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، بينما لا يزال 300 شخص على الأقل قيد الاختفاء.
عملية ممنهجة
عضو حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" سارة محمد قالت لـ"العربي الجديد" إن "ظاهرة الإخفاء القسري عملية ممنهجة وتمارس بشكل مكثف جداً، ولا نستطيع أن نقول إن معدلاتها تقل، بل ممارستها وعنفها وقساوتها تزداد". وأضافت: "الدولة تستخدمها لأسباب عديدة، منها نزع الاعتراف، وكوسيلة تهديد وكسر للضحية، وكنوع من أنواع تقفيل القضايا، ولذلك عادة نجد زيادة في أعداد وأرقام المختفين قسريا بين شهر أغسطس/آب حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، لأن الأمن لديه أعداد معينة من أرقام القضايا بحاجة إلى غلقها قبل نهاية العام".
وتابعت: "منذ بداية الحوار الوطني الشهر الماضي، رصدنا أعداد الاختفاء القسري، ووجدناها كما هي ولم تتغير، ربما تكون زادت، وحتى عمليات القبض على المواطنين مستمرة بالوتيرة نفسها". ورأت أن هذا الأمر "يثبت أن الاختفاء القسري هو أمر ممنهج، وعندما نتحدث مع أي من المحامين الذين يعملون في شق القضايا السياسية، وعندما نسألهم عن إمكانية ظهور المقبوض عليهم خلال 24 ساعة في النيابة، وهي الفترة القانونية، يكون الرد إنه أمر شبه مستحيل أن يظهر المتهم خلال الوقت القانوني".
سارة محمد: منذ بداية الحوار الوطني الشهر الماضي، رصدنا أعداد الاختفاء القسري، ووجدناها كما هي ولم تتغير، ربما تكون زادت
أما المحامي والحقوقي حليم حنيش، فقال لـ"العربي الجديد": "بعد إلقاء الضوء على ظاهرة الاختفاء القسري في مصر من خلال بعض التقارير الحقوقية التي صدرت من المؤسسات الحقوقية، مثل المفوضية المصرية لحقوق الإنسان، وحملة أوقفوا الاختفاء القسري، ولفت الأنظار الدولية إلى خطورة الظاهرة، حاولت الدولة المصرية تقنين إخفاء الضحايا من خلال قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، المعدّل بتاريخ 3 مارس/ آذار 2020، والذي يمنح الصلاحية، في المادة رقم 40 من باب الأحكام الإجرائية، للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، أن تأمر باستمرار التحفظ على المقبوض عليه، لمدة أربعة عشر يوما، ولا تجدد إلا مرة واحدة". وتابع: "على الرغم من ذلك، لم تلتزم الدولة بهذا القانون الذي أصدرته".
أما الحقوقي المصري والمدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، محمد لطفي فقال لـ"العربي الجديد" إنه "من الصعب تحديد الحجم الحقيقي لحالات الاختفاء القسري، أو التأكيد إذا كانت الظاهرة في تصاعد وزيادة أو في انحسار ونقصان، لكن نستطيع القول إن الاختفاء القسري ظاهرة مستمرة تحدث بشكل ممنهج وواسع النطاق".
وتابع: "أي شخص يتم القبض عليه لأسباب سياسية فهو تلقائياً معرض لخطر الإخفاء القسري، وشاهدنا ذلك بشكل واسع جداً، خصوصاً في فترة أحداث وتظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019، وسبتمبر/ أيلول 2020، ودعوات 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث استُخدم الإخفاء القسري في البداية ضد مؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي وداعمي تيارات الإسلام السياسي من جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم، ثم توسعت السلطات المصرية بعد ذلك في استخدام ذلك السلاح ضد النشطاء من التيارات السياسية الأخرى كالتيارات الليبرالية واليسارية، ثم أصبح أمراً معتاداً حتى ضد المواطن العادي غير المسيّس".
وأضاف: "أصبح أمراً معتاداً أن يختفي الشخص لأيام أو أسابيع أو شهور، وبعض الأشخاص اختفوا لسنين ثم ظهروا بعد ذلك في نيابة أمن الدولة".