مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي حدد النظام السوري موعداً لها في مايو/أيار المقبل، بدا أن روسيا سرعت الخطى في محاولة لتعويم نظام بشار الأسد عربياً، انطلاقاً من إعادة سورية إلى محيطها العربي، وتحديداً إلى الجامعة العربية، وذلك المطلب حمله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جولته الخليجية، التي زار خلالها أبوظبي والرياض والدوحة، غير أنه سمع في العاصمة القطرية التي عقد فيها أمس الخميس لقاء مع نظيريه، القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والتركي مولود جاووش أوغلو، موقفاً واضحاً بأن عودة سورية إلى الجامعة العربية مشروطة بحدوث تقدم نحو الحل السياسي. وكان طرح عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، أثار مخاوف المعارضة السورية، التي شددت على رفض أي محاولة لتعويم النظام.
وكان الوضع السوري من أبرز الملفات التي حضرت في اللقاء الثلاثي الذي جمع أمس الخميس وزراء خارجية قطر وروسيا وتركيا في الدوحة، إضافة إلى مفاوضات السلام في أفغانستان والأوضاع في الخليج وليبيا، والملف النووي الإيراني. وكان وزير الخارجية القطري قد عقد صباح أمس لقاءين مع نظيريه، كل على حدة، فيما بحث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع جاووش أوغلو، ولافروف، المستجدات الإقليمية والدولية.
وفيما اتفق الوزراء الثلاثة، بعد لقائهم، على أن لا حل عسكرياً في سورية، أكد وزير الخارجية القطري أن الأسباب التي أدت إلى خروج سورية من الجامعة العربية ما زالت قائمة، متمنياً حدوث تقدم سياسي في سورية لأنه السبيل الأسلم لعودتها إلى الجامعة. وشدد على أهمية وحدة الأراضي السورية، والتوافق على رفض الحل العسكري للأزمة. وقال إن "كافة فرص التعاون بين الدول يجب استغلالها وسنكون مكملين للجهود الدولية للوصول إلى تسوية في الأزمة السورية". وعن المسار السياسي الجديد بين قطر وتركيا وروسيا، للدفع لايجاد حل سياسي للأزمة في سورية، قال الوزير القطري إن "صيغتنا التشاورية الجديدة موازية لمسار أستانة وتخص المسائل الإنسانية"، مؤكدا دعم الدوحة وحدة الأراضي السورية ومفاوضات اللجنة الدستورية السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين.
وزير الخارجية القطري: الأسباب التي أدت إلى خروج سورية من الجامعة العربية ما زالت قائمة
من جهته، قال جاووش أوغلو، في المؤتمر الصحافي المشترك، إن التعامل مع النظام في الوقت الراهن يشجعه على انتهاج سياسات سلبية ويزيد من عدوانه، وهذا سبب موقفه غير البنّاء في موضوع اللجنة الدستورية، وهو يصر على الحل العسكري. وأشار إلى أن النظام لا يميل إلى الحل السياسي على الرغم من جميع الجهود المبذولة، وكلما اكتسب شرعية دولية سيبتعد أكثر وهذا الأمر لن يجلب السلام والحل الدائم إلى سورية. وأضاف: "يجب الضغط على النظام لكسر الجمود في الوضع الراهن". وأكد ضرورة أن يبدي النظام السوري موقفاً بناءً كي تكون اجتماعات اللجنة الدستورية المقبلة مثمرة. وذكر أنه قرر مع نظيريه القطري والروسي مواصلة الاجتماعات الثلاثية بشكل منتظم، وأن الاجتماع التالي سيعقد في تركيا.
أما لافروف، فاعتبر أن هناك حتمية لعودة سورية إلى الجامعة العربية وأن ذلك سيصب في تحقيق الاستقرار بالمنطقة كلها. وقال إن بلاده تتفق مع تركيا وقطر على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وأوضح أن البلدان الثلاثة تتخذ موقفا مشترك إزاء وحدة الأراضي السورية وسيادتها، مؤكدا أهمية إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين المحتاجين.
وأفاد بيان مشترك، عقب الاجتماع الثلاثي، أن وزراء الخارجية شددوا على الالتزام بحماية سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاق على عدم وجود حل عسكري للصراع. وأكد الوزراء عزمهم على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ومواجهة مساعي الانفصاليين التي تضر بسيادة سورية ووحدة أراضيها والأمن القومي لدول الجوار. وأشار البيان إلى أهمية دور اللجنة الدستورية وضرورة الالتزام بالنظام الداخلي ومبادئ عملها الأساسية من قبل الأطراف السورية.
وجاءت زيارة لافروف إلى الدوحة بعد زيارته الرياض الأربعاء، وقبلها أبوظبي، وكان قد سبقه مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف إلى العاصمة السعودية، قبل يوم واحد، حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. أكثر المواقف قرباً من الطرح الروسي، جاء على لسان وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، الذي قال في مؤتمر صحافي مع لافروف، إن "عودة سورية إلى محيطها أمر لا بد منه، وهو من مصلحة سورية والمنطقة ككل"، مشيراً إلى أن "التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سورية هو قانون قيصر". أما في السعودية، فقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، رابطاً عودة سورية إلى محطيها العربي بإيجاد مسار سياسي يؤدي إلى التسوية.
وفي ظل هذه التطورات، أشار الائتلاف الوطني السوري المعارض، في تصريح صحافي أمس الخميس، إلى أن "سجل النظام المليء بالمجازر وجرائم التهجير والتعذيب واستخدام غاز السارين لخنق الأطفال والنساء والشيوخ، هو ما يحول دون عودة سورية إلى محيطها العربي والإقليمي والدولي، ويمنع أي تعاون أو تنسيق أو عمل مشترك". وشدد على أنه "لا يمكن القبول بأي محاولة لتعويم هذا النظام أو البحث عن غطاء للقيام بذلك". ونوّه إلى أن "الإجراء الدولي المطلوب لعودة سورية إلى محيطها العربي والدولي وعودة التنسيق والعمل المشترك مع سورية، يبدأ بتنفيذ القرارات الدولية، ومحاسبة مجرمي الحرب، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، بالتوازي مع العمل من أجل انتقال سورية إلى نظام سياسي مدني جديد وفق مقتضيات بيان جنيف والقرار 2254".
الائتلاف الوطني: لا يمكن القبول بأي محاولة لتعويم هذا النظام أو البحث عن غطاء للقيام بذلك
من جهته، قال المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن "السعي من قبل البعض لم يتوقف لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وهذه الجهود تتجاهل كل ما حدث في سورية من جرائم وتدمير". ونوه العريضي إلى أنه "حتى الآن ليست هناك مؤشرات حقيقية على العودة في ظل عدم التوافق، فبعض الدول تشير إلى أن عودة سورية إلى المحيط العربي وحتى الجامعة العربية مشروط بالحل، وهذا طبعاً في ظل التحذير الأميركي من أي تواصل مع النظام". وانتقد العريضي ما وصفه "الحماس الشديد لدى البعض، لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام منذ أكثر من عام"، معتبراً أن "روسيا تريد تعويم النظام بأي شكل"، مؤكداً أن ذلك "لا يلقى توافقاً إلى حد الآن من قبل الدول العربية".