ويتواجد نحو مليون وربع مليون مواطن في الموصل، وتؤكد تقارير أممية أنهم قد يزيدون على هذا العدد بكثير، ويتوزعون على أحياء الموصل البالغ عددها 65 حياً سكنياً، على جانبي نهر دجلة الذي شهد في اليوم الأول قصفاً عنيفاً استهدف الجسور الرابطة بين جانبي المدينة بهدف فصلهما.
وسرعان ما بدأ تسجيل سقوط ضحايا مدنيين مع انطلاق المعركة، إذ كشفت مصادر طبية في مستشفى الموصل العام، أن عدد الضحايا المدنيين بلغ 21 شخصاً بينهم أربعة أطفال وثلاث سيدات حتى عصر أمس، وصلوا جميعاً إلى مستشفى الموصل العام الذي يعاني من نقص حاد في الأدوية والمواد الطبية، التي استولى عليها قبل تنظيم "داعش"، إذ خصص مستشفى له قبل أيام وبشكل مفاجئ، فيما أكدت مصادر محلية أن التنظيم فَقَد أكثر من 30 مقاتلاً بينهم قيادات بارزة في القصف الجوي وسقط مثلهم في المعارك الدائرة حول الموصل. وبدأت العائلات بتخزين الطعام والمياه داخل منازلها، فيما شهدت أفران المدينة ازدحاماً كبيراً عليها على الرغم من عمليات القصف، وسط مخاوف من سيناريو مشابه لمدن أخرى تمت محاصرتها وتعرض من فيها للمجاعة.
وقال أحد سكان الموصل، لـ"العربي الجديد"، إن "القصف تركز على أحياء مختلفة من الموصل بسبب مواقع ومقرات داعش التي بدأ بنقلها داخل الأحياء السكنية في المدينة"، لافتاً إلى أن "الغارات لم تتوقف ومعها استمرت نداءات التبرع بالدم التي تذيعها المساجد".
يأتي ذلك في وقت وضعت الأمم المتحدة فيه خطة لإيواء النازحين من المدينة، بتهيئة معسكرات لجوء للسكان في حال خروجهم. إلا أن التقارير تؤكد أن عدد تلك المخيمات ما زال قليلاً مقارنة بعدد السكان البالغ عددهم مليوناً وربع مليون مواطن.
مستقبل مجهول
وتزايدت التحذيرات من أزمة إنسانية تلوح في الأفق. وقالت منظمة "أوكسفام" الدولية للإغاثة، في بيان أمس الإثنين، إن مئات الآلاف من المدنيين قد يتعرضون لخطر الوقوع في براثن الاشتباكات المسلحة، خلال المعركة. وطالب أندريس غونزاليس، مدير مكتب منظمة أوكسفام في العراق، في البيان، "الحكومة والأطراف الأخرى المشاركة في القتال، بأن تلتزم بالقانون الدولي الإنساني، وحماية المناطق المدنية والبنية التحتية". وأضاف: "ينتظر الأسر الهاربة من العنف والقتل مستقبل مجهول في العراء أو في المخيمات المكتظة".
من جهته، أعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة، ستيفن أوبراين، في بيان، أن المدنيين في "خطر حقيقي". وأضاف: "نخشى على سلامة الفئات الأكثر تعرضاً للخطر، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن، في ظل اشتداد المعارك داخل المدينة، حيث قد يجبر أكثر من مليون شخص على الفرار من منازلهم".
في غضون ذلك قالت ليز غراند، منسقة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في العراق:"نفعل ما بوسعنا لاتخاذ كل الإجراءات في حال حدوث أسوأ السيناريوهات الإنسانية. لكننا نخشى أن يكون ما زال أمامنا الكثير لفعله". وأضافت: "في أسوأ الحالات، نتجه إلى أكبر عملية إنسانية في العالم في 2016".
كما أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن ما يصل إلى مائة ألف عراقي قد يتوجهون إلى سورية وتركيا هرباً من معارك الموصل. وأطلقت المفوضية نداء لتقديم 61 مليون دولار لتوفير خيام ومخيمات وأفران للنازحين داخل العراق والدولتين المجاورتين له. وأضافت أنها نصبت داخل العراق 21800 خيمة كافية لتوفير ملاذ لما يصل إلى 130800 شخص مع تدفق المزيد كل يوم،
فيما قال نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، إن تركيا مستعدة لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين المحتملين الذين قد يفرون من مدينة الموصل. وأضاف قورتولموش للصحافيين في تصريحات أمس أن تركيا على الرغم من ذلك لا تتوقع تدفقا للاجئين إذا تم تنفيذ العملية "بالطريقة الصحيحة".
من جهته، حذر عضو الحكومة المحلية في محافظة نينوى، محمد الحمداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أن "المدنيين في خطر ولا يمكن لأحد إنكار ذلك، ووردتنا تقارير عن قتلى وجرحى وانعدام الخدمات في المستشفى"، لافتاً إلى أن "الوضع الإنساني سيكون أسوأ".
في المقابل، كان الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، يؤكد في بيان أمس، أن "حماية المدنيين من سكان الموصل هي المهمة الأساسية الأولى والعاجلة لقواتنا المسلحة ولكل العراقيين". وشدد على ضرورة "إعطاء أولوية قصوى لحماية حياة المدنيين من سكان الموصل وضواحيها، وتقديم كل أنواع الدعم والتسهيلات لاستقبال ونجدة النازحين من كافة مناطق العمليات". من جهته، دعا رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجيش إلى الحفاظ على دماء المدنيين من أهالي الموصل وعدم التفريق بينهم.
لا ممرات آمنة
من جهته، تخوّف رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان، محمد علي، من أن "الضحايا سيكونون كثراً، بوجود نحو مليون وربع مليون شخص في مدينة مثل الموصل تتعرض للقصف"، مشيراً إلى أن "المعركة شرسة، ونخشى أن يتم تجاهل المدنيين، خصوصاً أن الحديث عن ممرات آمنة اختفى من تصريحات القادة العسكريين". ولفت إلى أن دور الأمم المتحدة يقتصر حالياً على نصب الخيام لمن سينجو من العاصفة، فيما قال العميد، هادي حسين الموسوي، من قوات جهاز مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، إنه تم إلقاء منشورات على سكان الموصل تدعوهم إلى البقاء في منازلهم، موضحاً أن القصف سيكون دقيقاً وانتقائياً بعد التأكد من وجود أهداف لـ"داعش". وأمل من المدنيين "الابتعاد عن النوافذ ومصادر الخطر كالغاز والنفط الأبيض المخزن في المنازل ووضع لواصق على الأبواب ووضع الأطفال في أماكن آمنة"، لافتاً إلى أن "تعليمات أخرى ستصدر حول وضع المدنيين في المرحلة الثالثة من المعركة الخاصة بعملية اقتحام الموصل والوصول إلى مركزها".