سحب الجنسية... سلاح آخر لاضطهاد المقدسيين وفلسطينيي 1948

05 يناير 2024
تظاهرة في سخنين، أكتوبر 2021 (أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -

تستحدث حكومة الاحتلال الإسرائيلي قوانين لا مثيل لها في العالم، وسط سباق محموم بين الكثير من الساسة، حول الأكثر تطرفاً وعنصرية. من هذه القوانين، قانون أقره الكنيست الإسرائيلي قبل نحو عام، ويقترب موعد تطبيقه، يوعز لوزير الداخلية بسحب جنسية وإقامة المئات من فلسطينيي الداخل والمقدسيين الذين تزعم إسرائيل "ضلوعهم في الإرهاب" وعمليات ضد الاحتلال، ويتلقون مخصصات من السلطة الفلسطينية. ويتيح القانون سحب الجنسية أو الهوية حتى إن لم يحمل صاحبها غيرها، ويتم طرده إلى الضفة الغربية المحتلة.

وصدر في الآونة الأخيرة، تقرير "سلطة مكافحة الإرهاب" الذي يتيح تطبيق القانون، بحسب ما أفادت إذاعة جيش الاحتلال أمس الخميس، مضيفة أن إسرائيل قامت "بخطوة مهمة" على طريق طرد مئات ممن وصفتهم بـ"المخربين"، مستقبلاً، والعشرات في الأشهر القريبة، وأن القانون الذي يوعز لوزير الداخلية بالطرد صودق عليه في شهر فبراير/شباط الماضي 2023، وجاء من أجل التغلّب على المشكلة القضائية، بشأن عدم إمكانية طرد شخص لا توجد لديه جنسية أخرى. وبحسب القانون، فإن تلقي أموال من السلطة الفلسطينية يُعتبر سبباً كافياً لسحب الجنسية أو الإقامة الإسرائيلية.

ويدور الحديث عن المئات ممن ينسحب عليهم هذا الأمر وتمت الإشارة إلى ثمانية منهم في هذه المرحلة، من قبل وزارة الداخلية ليكونوا المطرودين الأوائل، بعد أن كان القرار متوقفاً على صدور تقرير من قبل "سلطة مكافحة الإرهاب"، يوضح بناءً على معلومات استخباراتية من يتلقى أموالاً من السلطة.

وأضافت الإذاعة أنه "في هذا الأسبوع، تلقّى أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية تحديثاً بأن التقرير قُدّم، والآن سيتوجب على وزير الداخلية موشيه أربيل المضي قدماً في الخطوة التالية".


عبير بكر: تُسلب الجنسية حتى من مواطن لا يحمل جنسية أخرى

وفي حديث للإذاعة ذاتها، قال عميت هليفي، عضو لجنة الخارجية والأمن وأحد المبادرين لسنّ القانون، إلى جانب رئيس الائتلاف عن حزب "الليكود" أوفير كاتس: "لا يعقل أن شخصاً في دولة إسرائيل، يحمل من ناحية جنسية الدولة أو إقامة في الدولة، وفي الوقت ذاته يكون شريكاً في عمليات إرهابية وحشية ضدها"، على حد تعبيره.

وأضاف هليفي: "هذا الأمر يجب أن يتوقّف وأنا مسرور بأن المعلومات التي كانت مطلوبة من أجل تطبيق القانون، الذي مررناه قبل نحو عام، وصلت، وعليه يمكن لوزير الداخلية ابتداءً من صباح الغد (اليوم الجمعة) أن يسحب من مئات الإرهابيين الموجودين في السجن وأولئك الذين تم تحريرهم جنسيتهم الإسرائيلية أو إقامتهم، وأيضاً طردهم بموجب القانون إلى خارج دولة إسرائيل".

ويتعيّن على طاقم الوزير مراجعة التقرير والتصديق على الأسماء مع وزير القضاء ياريف ليفين، وبعد ذلك ستكون أمام من يطاولهم القرار، مدة أسبوع من لحظة توقيع وزير الداخلية عليه، من أجل الرد على القرار في المحكمة. وأضافت الإذاعة أنه "بسبب بعض التعقيدات القانونية، سيحتاج الأمر وقتاً لطردهم جميعاً وهم بالمئات".

أشخاص من دون جنسية 

المحامية الفلسطينية المختصة بقضايا حقوق الإنسان والأسرى عبير بكر، قالت لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التجديد يعني إخراج القانون إلى حيز التنفيذ، بعد أن كان حتى الآن على مستوى إعلان عن تعديل قانون سيئ جداً". وأضافت: "الأمر الأبرز فيه أنه يسلب الجنسية حتى من مواطن لا يحمل جنسية أخرى، أو إقامة، وهذا يتنافى مع ما هو سائد في العالم، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تتيح ذلك".

ولفتت إلى أن "المحكمة العليا سبق أن وفّرت شرعية لهذا الأمر، وقالت إنه يجوز سحب الجنسية في حالات معيّنة، ويجوز أيضاً أن يبقى الشخص من دون مواطنة، شرط أن تضمن له الدولة إقامة ثابتة محصّنة داخل البلاد، بمعنى ألا تقوم بطرده. وبعد قرار المحكمة تم سنّ القانون الذي نتحدث عنه، أي قانون سحب الجنسية على أثر تلقي أموال من السلطة الفلسطينية في سياق أعمال تُصنّف إرهابية".

جاء القانون بالأساس لاستهداف الأسرى وعائلاتهم، بحيث لم تكتف إسرائيل بحجز الأموال وعمليات الإفقار التي تقوم بها لهذه العائلات، بموجب قانون مكافحة الإرهاب منذ عام 2016، ويتخللها إجراء مسح لجميع عائلات أسرى الداخل، وإصدار أوامر بتجميد حسابات مصرفية وتنفيذ حجوزات على الأموال، ومطالبتها بإعادة الأموال التي حصلت عليها من السلطة.

ورغم قانون مكافحة الإرهاب الذي سُنّ عام 2016 والحجز على الممتلكات وغيرها من الإجراءات، ذكرت بكر أنه "لم تُقدّم تُهم ضد عائلات الأسرى، لأن المواد التي تستند إليها الدولة من بيانات وأدلة، هي مواد سرية، بمعنى أنها مواد استخباراتية، ولا تريد أن تكشف عن مصادرها، لأن هذا سيؤدي إلى الكشف عن الطرق التي تتبعها بشأن التحري عن الفلسطينيين. هذا يدفعها للجوء إلى الإجراء الإداري بدلاً من الجنائي، والذي قد يشمل أيضاً اعتقالاً إدارياً، فتلقي الأموال من السلطة الفلسطينية قد يكون مسبباً أيضاً للاعتقال الإداري".


عمر خمايسي: الهاجس الأمني الذي تعيشه إسرائيل يعكس التخبط حتى في القوانين

لدى إقرار قانون سحب الجنسية الجديد عام 2023، كان بالإمكان تقديم طعون إلى المحكمة العليا بشكل مباشر والمطالبة بإلغائه لأنه يعني طرد مواطن من دون هوية ومن دون إقامة أخرى، وهذا مخالف لقرار المحكمة العليا منذ شهر يوليو/تموز 2022، حين أصدرت قراراً مهماً في قضية المواطنة، وقررت أنه يجوز سحب المواطنة، ولكن بضمان بقاء الشخص في بلاده مع تحصين بقائه.

لكن "منذ سنّ القانون الجديد عام 2023، لم يتم التوجه للمحكمة ضده، بل كان من الأفضل انتظار الحالات العينية، التي يتم فيها تقديم طلب لسحب جنسية أي عائلة أو شخص بادّعاء تلقيه الأموال من السلطة الفلسطينية"، بحسب بكر، "والفكرة من ذلك هي الترافع عن هذا الشخص أو الحالة العينية، والمطالبة بإلغاء القانون من خلاله".

وأوضحت أن "الأمر يتعلق بمواد سرية، وعلى أساسها يريدون سحب الهوية أو الجنسية وهذا أمر سيئ. ونظرياً يمكن تحدي القرار من الناحية القانونية والدستورية في الحالات العينية، وإن كانت المحكمة العليا تتجه أيضاً إلى مكان سيئ".

لا أثر رجعياً

ما حدث اليوم عملياً هو الاستعداد لاختيار أشخاص، يبلّغهم وزير المالية بقراره سحب جنسيتهم، تحت ذريعة تلقي أموال من السلطة الفلسطينية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه لا يمكن محاسبة شخص حصل على الأموال قبل سنّ القانون بأثر رجعي، والقانون نفسه لا يشير إلى وجود أثر رجعي وحتى لو ذكر ذلك فهذا الأمر سيكون باطلاً.

وبتقدير بكر "سيستهدفون كل من حصل على أموال أو من يدّعون حصوله عليها منذ سنّ القانون. وسيكون من الصعب محاكمة أشخاص حصلوا على أموال قبل سنّه". ورغم حالة الحرب المستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر ضد قطاع غزة، وحالة الطوارئ، واصلت المؤسسة الإسرائيلية إجراءاتها، ورصد الحالات التي تنوي سحب جنسيتها أو إقامتها، ما قد يشير إلى نوايا سيئة جداً، حتى الحرب لم تعرقلها.

ويندرج هذا الأمر برأي بكر في خانة "الرغبة بتلقين المواطنين، وسكان القدس على وجه الخصوص، الذين يحملون الإقامة الدائمة، درساً"، مضيفة أنه "لم تعد إسرائيل تكتفي بعقوبات صارمة وسجن وحجز حسابات المصارف وغيرها، بل أصبح موضوع سحب الجنسية أو الإقامة نوعاً جديداً من العقاب، وكأنه نقطة ضعف لدى الفلسطينيين، لأنه يشكّل وسيلة سهلة جداً للطرد بمسوّغات قانونية (بموجب القانون الإسرائيلي)".

ولفتت إلى أن الموضوع لا يقتصر فقط على الطرد، بل مع تقديم طلب سحب الجنسية أو الإقامة، فإن العائلة التي توضع تحت المساءلة ستواجه تضييقاً كبيراً على مستوى حياتها حتى قبل خوض المعركة القانونية، بما في ذلك على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وقد تجمّد المصارف حساباتها، فضلاً عن تبعات أخرى.

وأضافت أن "استمرار المؤسسات الإسرائيلية مثل مؤسسة مكافحة الإرهاب بالعمل رغم الحرب على موضوع شائك وخطير كهذا، يعني أن هناك نوايا لإخراج هذا القانون إلى حيّز التنفيذ، ستظهر لدى إرسال وزير الداخلية بلاغات لأشخاص بأنه سيقوم بسحب جنسيتهم".

وتزداد الأمور تعقيداً في الداخل الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من تضييق وممارسات قمعية من قبل المؤسسة الإسرائيلية ضد فلسطينيي 1948 وسلبهم حقهم في التعبير وفي رفض الحرب على غزة. وطُرح في الآونة الأخيرة اقتراح "قانون فيسبوك"، والحديث هنا عن قانون ينص على سحب الجنسية إثر منشورات تصنفها إسرائيل أنها تؤيد وتدعم الإرهاب.

لكن لم يُسنّ هذا القانون حتى اليوم. واعتبرت بكر، أنه "حتى لو تم تشريعه، فلا يجوز سريانه بأثر رجعي على الضالعين في منشورات أو نشاطات من هذا النوع، قبل تشريع القانون". مع هذا، حذّرت من أن "المحكمة العليا متجهة إلى مكان سيئ جداً"، في إشارة إلى أن المرحلة المقبلة قد تكون أصعب وأخطر على فلسطينيي 1948.

إشكاليات قانونية

رغم التصعيد الحاصل في حدة القوانين الإسرائيلية وتطرفها، خصوصاً في العام الأخير، الذي أنجب قانون سحب الجنسية، رأى بعض خبراء القانون، ومنهم مدير "مركز ميزان لحقوق الإنسان"، عمر خمايسي أن "ثمة إشكاليات قد تواجه تطبيق بعضها، خصوصاً لدى الحديث عن قانون لسحب الجنسية أو الإقامة الدائمة".

وأوضح خمايسي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "لكل حالة ظروفها الخاصة. في قضية سابقة كانت هناك إشكالية في تطبيق قانون لسحب جنسية شاب من مدينة أم الفحم، لأنه لدى الدخول إلى التفاصيل الدقيقة قد تظهر إشكاليات. هذا لا يعني أن المشرّع يتراجع وإنما يمضي قدماً لتجاوز الثغرات وبالتالي إقرار القانون".


ينص القانون على مراجعة وزير الداخلية كل الملفات مع وزير القضاء قبل التصديق عليها 

في تلك القضية، التي سبقت قانون سحب الجنسية الجديد، "أشارت المحكمة إلى أن الأمر قد يختلف، عندما يتعلق بشخص لديه أكثر من جنسية، أو شخص لديه فقط جنسية واحدة. وكذلك يتعلق الأمر بنوع المخالفة في قانون الإرهاب. لذلك الأمور مركّبة من حيث البعد القانوني" برأي خمايسي. وأضاف: "يريدون تنفيذ القانون الجديد في الأيام أو الأسابيع القريبة، حسب الإجراءات التي سيتخذها وزير الداخلية، ولكن من الواضح أنه سيكون هناك اعتراضات وطعون تُقدّم للمحكمة العليا في هذا الشأن".

تتصاعد الانتهاكات وقمع الحريات، في عهد أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً، ومن دوافع ذلك، برأي خمايسي: "كسب نقاط سياسية، لأن هناك سباقا محموما، من هو الأكثر تطرفاً في الخريطة اليمينية في إسرائيل. لذلك نجد القوانين التي باتت تصبغ حتى مخالفات فيسبوك والتعبير عن الرأي بالإرهاب. هذا يدل أن الهاجس الأمني الذي تعيشه إسرائيل منذ قيامها وحالة الطوارئ التي تعلن عنها كل عام، يعكس التخبط حتى في القوانين".

وتابع: "لا نقلل من خطورة هذه القوانين، فهي خطيرة جداً خصوصاً مع التغيّرات التي تريد أن تطرحها الحكومة من خلال خطة التعديلات القضائية التي تسعى إليها لتقويض القضاء، وتغيير طريقة تعيين القضاة".

ولفت خمايسي إلى أن "هذا يجعل الفلسطيني هو الحلقة المستضعفة تحت سطوة الغطرسة الإسرائيلية، إن كان من قبل المشرّع الذي لا يتوانى عن تقديم طروحات وقوانين عنصرية جداً أو جهات أخرى".

وأشار إلى أنه "عندما يدان شخص بمخالفة ما ويقضي محكوميته ويخرج، يجب منحه الفرصة للانخراط في المجتمع وليس المضي في الحجوزات المالية وسحب الجنسية والمواطنة والإقامة والطرد، فإلى أين يمكن طرد المواطن العربي في الداخل الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية؟ إلى أين يمكن ترحيله؟".

وتابع: "أعتقد أن القانون سيواجه بعض الإشكالات القانونية والتحدّيات لدى مناقشة القضايا في المحكمة العليا، ولكن الأخطر هو أن هذه القوانين تعكس العقلية التي يحملها الساسة الإسرائيليون، والتي أصبحت تمعن أكثر في أيديولوجيا عنصرية. المجموعات المتطرفة أصبحت مهيمنة وفي سدة الحكم وتقر القوانين وتفرض الأجندات".

المساهمون