زيادة الترسانة النووية البريطانية: صمت دولي لتغطية الحليف

26 مارس 2021
تبني بريطانيا غواصات جديدة بقدرات نووية (Getty)
+ الخط -

"قرار مقلق للغاية ولا يصدّق". هكذا وصفت منظمة "الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية" (آيكان)، إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 16 مارس/آذار الحالي، عزم بلاده زيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية بنسبة 40 في المائة. وكانت "آيكان"، ومقرها الرئيسي مدينة جنيف السويسرية، قد فازت بجائزة نوبل للسلام في العام 2017، تقديراً لجهودها للتخلص من أسلحة الدمار الشامل. 
واعتبرت منسقة السياسات والبحوث في المنظمة، آليسا ساندرز- زكاريا، خلال مقابلة مع "العربي الجديد" في نيويورك، أن القرار البريطاني يعد "انتهاكاً لالتزامات المملكة المتحدة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والسعي لنزع أسلحتها (النووية)". وحول توقيته، رأت أنه يأتي في "الوقت الذي تواجه فيه المملكة المتحدة تحديّات أمنية حقيقية، من فيروس كورونا إلى تغير المناخ"، مشيرة إلى أن "قرار إنفاق الموارد على أسلحة الدمار الشامل التي تمّ حظرها بموجب معاهدة حظر الأسلحة النووية، لهو قرار لا يغتفر".

ينتهك القرار البريطاني التزامات المملكة المتحدة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

ولفتت ساندرز - زكاريا إلى دراسة أجرتها "آيكان"، مفادها بأنّ المملكة المتحدة أنفقت في العام 2019 لوحده قرابة 8.9 مليارات جنيه إسترليني على أسلحتها النووية (من صيانة وتحديث وغيرها)، وتوقعت المنظمة أن يرتفع هذا الرقم خلال السنوات المقبلة، حيث يبني هذا البلد غواصات جديدة ذات قدرات نووية ورؤوساً حربية نووية جديدة. قبل هذا الإعلان، كانت "حملة نزع السلاح النووي" قد قدّرت أن المشروع الكامل لإعادة بناء ترسانة المملكة المتحدة النووية سيكلف 205 مليارات جنيه إسترليني. وحول مدى تأثير الخطوة البريطانية على التفاوض مع إيران، أو تشجيع دول أخرى على زيادة مخزونها النووي، وصفت ساندرز - زكاريا خطوة المملكة المتحدة بـ"الاستفزازية بشكل خطير وغير المسؤولة"، مضيفة أنها تظهر "بشكل مؤلم أنه لا توجد دولة مسلحة نووياً، مسؤولة"، مشددة على أن "كلّ بلد يمتلك أو يطور أو يحتفظ بالأسلحة النووية، يفعل ذلك في تناقض مباشر مع معاهدة حظر الأسلحة النووية ويعرض بقية العالم للخطر".
وكانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية قد سبقت إعلان بوريس جونسون، بتسريبها خبر زيادة بريطانيا لمخزون رؤوسها النووية، موضحة أن رئيس الوزراء البريطاني أرجأ الإعلان عن الخبر مرات عدة، لأسباب من بينها جائحة كورونا وتبعاتها.

ومنذ الإعلان الرسمي البريطاني الأسبوع الماضي، يخيّم صمت دولي شبه رسمي حوله، ولم تصدر إلا تصريحات مقتضبة من أغلب الدول الغربية حول هذا القرار المفاجئ والمحرج لعدد من الأسباب، لعل أبرزها المفاوضات الجارية حول عودة الولايات المتحدة وإيران للالتزام بالاتفاق النووي الإيراني. وبريطانيا هي واحدة من الدول الموقعة على الاتفاق، إلى جانب كل من روسيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وإيران. ولم تنتظر طهران طويلاً للتعليق على القرار البريطاني، حيث وصف وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، على حسابه الرسمي على منصة "تويتر"، تصريحات جونسون والتي عبّر فيها عن قلقه من برنامج إيران النووي، بـ"النفاق المطلق"، بل إنها "تأتي في اليوم ذاته الذي أعلن فيه عن نيّة بلاده زيادة مخزونها من السلاح النووي".
والرد الروسي كان أيضاً بالمرصاد للقرار البريطاني، حيث أعرب الكرملين على لسان المتحدث الرسمي باسمه، ديمتري بيسكوف، عن أسف روسيا للقرار البريطاني، واصفاً إياه بأنه "يضّر بالاستقرار الدولي والأمن الإستراتيجي".
وروسيا، إلى جانب الصين، هي واحدة من الدول التي تشير إليها الحكومة البريطانية في مراجعتها للشؤون الدفاعية والأمنية والسياسية الخارجية، والتي تتحدث فيها عن "زمن التهديدات الناشئة" ومواجهة الخطر المتصاعد من البلدين. ولا يبدو أن ما خلص إليه جونسون، أي أن التهديد الروسي - الصيني يحتم ضرورة زيادة مخزون بريطانيا من الرؤوس النووية، مقنعٌ لأي من حلفاء هذا البلد. لكنهم يفضلون الصمت أو التستر وراء تصريحات مقتضبة، ما يضعف موقفهم ويظهر مجدداً سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي، بل قد يفتح الباب أمام إيران للتنصل من التزاماتها بشكل أكبر.
في هذا السياق، يمكن تفسير عدد من التصريحات لممثلي دول غربية جواباً عن أسئلة وجهتها "العربي الجديد" في نيويورك، والمتعلقة بنقطتين: الموقف من القرار البريطاني، وانعكاسه على المفاوضات مع إيران و"مصداقية" بريطانيا والدول الغربية. فقد رد متحدث من مكتب وزارة الخارجية الألمانية، على الأسئلة بشكل مقتضب عبر البريد الإلكتروني، قائلاً "نرجو منكم أن تتفهّموا أن الحكومة الألمانية لا تعلق علناً على أوراق شركائها الاستراتيجية". أما مكتب المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجية الاتحاد الأوروبي، فكان ردّه "لا نريد التكهن حول إعلان المملكة المتحدة. الأمر يعود للحكومة البريطانية من حيث تقديم مزيد من التفاصيل والتعليق على/ الدفاع عن مواقفها وقراراتها السياسية".

لم يكن مبرر التهديد الروسي - الصيني مقنعاً لحلفاء بريطانيا، لكنهم فضلوا الصمت

من جهتها، وحتى كتابة هذه السطور، فقد التزمت الولايات المتحدة الصمت، فيما أعادت وزارة الخارجية الفرنسية، كباقي الدول "الحليفة"، الكرة بشكل أو بآخر إلى الملعب البريطاني. وبحسب وكالات الأنباء، فإن فرنسا، وهي واحدة من الدول التسع التي تمتلك ترسانة أسلحة نووية، وصفت بريطانيا بـ"الشريك الاستراتيجي والدولة الحليفة"، وتحدثت عن "احترامها الكامل للقرار البريطاني".
وفي مقابل الصمت الدولي الرسمي والتصريحات الخجولة، كان الرد واضحاً من قبل مؤسسات دولية، بما فيها "آيكان"، والأمم المتحدة. هذه الأخيرة، كانت قد أبدت قلقها من الخطوة البريطانية، ثم خففّت من حدّة تصريحاتها حول المسالة، من دون أن تتراجع عنها. وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، لـ"العربي الجديد"، إن إعلان بريطانيا عن زيادة ترسانتها من رؤوس الأسلحة النووية لا يتسق مع التزاماتها في ما يخصّ نزع السلاح الذي تعهدت به الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، بما فيها بريطانيا. وأضاف: "كما أن القرار البريطاني لا يتماشى مع الالتزامات بموجب النتيجة المتفق عليها من مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية للعام 2010، والتي تشير الدول فيها إلى بذل المزيد من الجهود لخفض جميع أنواع الأسلحة النووية وإزالتها في نهاية المطاف والتحرك السريع نحو تخفيض شامل في المخزون العالمي لجميع أنواع الأسلحة النووية". وأكد المتحدث الأممي في الوقت ذاته أن "تصريحاتنا ليست رأياً قانونياً وإنما هي موقف ورأي نعبّر عنه". هذه الجملة الأخيرة، والتي أضافها دوغاريك في اليوم التالي لتصريحاته الأولى، تأتي في سياق وصفه للقرار البريطاني قبلها بيوم بأنه "يتعارض مع التزاماتها بموجب المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية". وأضاف أن القرار البريطاني "يمكن أن تكون له تبعات وتأثير ضار على الاستقرار العالمي والجهود المبذولة لإيجاد عالم خال من الأسلحة النووية".
لكن حكومة المملكة المتحدة تتحدث رسمياً عن استمرار التزامها بالمعاهدات على المدى الطويل. وقال متحدث باسم المملكة المتحدة من المكتب الإعلامي، لـ"العربي الجديد" إن "المراجعة المتكاملة سلطت الضوء على التزام المملكة المتحدة بالهدف طويل الأمد المتمثل بعالم خال من الأسلحة النووية. إننا نواصل العمل من أجل الحفاظ على، وتقوية تدابير السيطرة على انتشار الأسلحة (الدمار الشامل)، ونزع السلاح، وتدابير عدم الانتشار، مع مراعاة البيئة الأمنية السائدة". وأردف "إننا ملتزمون التزاماً قوياً بتطبيق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بكل جوانبها. لا يوجد طريق بديل لنزع السلاح النووي". ثم ختم بقوله: "وقد لاحظنا أن الأمم المتحدة وضحت موقفها في ما يخص البند السادس" من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وينهي القرار البريطاني سياسة استمرت 30 عاماً التزمت بها الحكومات البريطانية، على اختلاف توجهاتها السياسية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بتخفيض تدريجي لأسلحة الدمار المتاحة. وبالفعل، فقد تمكنت بريطانيا من خفض مخزونها من 500 رأس نووي حربي إلى 180 متاحة عملياً، على أن يتم خفضها مجدداً إلى 120. إلا أن القرار البريطاني نسف تلك المعادلة في وقت يحتاج فيه العالم، وحتى الدول الغنية والصناعية، لأموال طائلة في حربها على التغيير المناخي، وهي المسؤولة عنه إلى حدّ كبير، كما يحتاج إلى التصدي لتبعات كورونا.
إلى جانب كل هذا، فإن الدمار الذي يمكن أن تحدثه هذه الأسلحة يصعب تخيله. إذ تقدر القوة الانفجارية لكل رأس نووي بريطاني بحوالي 100 كيلوطن. وللمقارنة، فإن القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما، وبعدها بأيام على ناغازاكي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تزن حوالي 15 كيلوطناً، وقتلت في هيروشيما لوحدها على الفور 70 ألف مدني ياباني. ويقدر أن الرقم الفعلي أعلى بكثير، حيث مات الكثيرون لاحقاً من تبعات الإشعاعات، ناهيك عن التشوهات في الولادة، ولسنوات تلتها، كما الضرر البيئي وغيره الكثير من التبعات الكارثية. في المحصلة، إن ترسانات الأسلحة النووية لطالما كانت رادعاً استراتيجياً، ولكن قرار تدعيمها وتضخيمها، يشير إلى تحسّبات من صراعات جيوسياسية، قد تزيد حدّتها وتبعاتها في العقود المقبلة.

المساهمون