درعا السورية ميدان فوضى أمنية عارمة

01 سبتمبر 2024
حاجز للنظام على مدخل درعا، سبتمبر 2021 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يضرب فلتان أمني واسع النطاق محافظة درعا جنوبي سورية، التي لم تعرف الاستقرار منذ استعادة النظام السيطرة عليها منتصف عام 2018، في ظل مؤشرات واضحة على أن أجهزة النظام الأمنية تقف خلف استمرار الفوضى التي وصلت إلى حد قطع الطرق وخطف المدنيين من سوريين وأردنيين. وانتشرت صباح أمس السبت مجموعات محلية في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، وقطعت الطرقات الرئيسية احتجاجاً على اعتقال قوات النظام شاباً من أبناء المدينة قبل نحو أسبوع. وأكد "تجمع أحرار حوران" (مؤسسة إعلامية مستقلة، تعمل على تغطية إخبارية للأوضاع في مناطق جنوبي سورية)، أن المجموعات المحلية حاصرت حواجز النظام والثكنات العسكرية في المنطقة، مهددة بالتصعيد في حال عدم الإفراج عن الشاب. وأشار إلى أن عناصر المجموعات المحلية طلبت من الأهالي عدم الخروج بالسيارات أو التجول في المدينة، تحسباً لأي تصعيد محتمل مع قوات النظام، مبيناً أن هذه المجموعات أغلقت طريقي جاسم ـ إنخل، وجاسم ـ نمر، في جزء من تصعيدها ضد قوات النظام.

قطعت مجموعات محلية في جاسم الطرقات الرئيسية احتجاجاً على اعتقال شاب من المدينة

ودأبت المجموعات المحلية المسلحة في جنوب سورية خلال العام الحالي على احتجاز ضباط وعناصر من قوات النظام، أو حصار حواجز عسكرية ومقار أمنية في وسيلة ضغط على النظام للإفراج عن المعتقلين. ورأى الناشط الإعلامي محمد السعيد، لـ "العربي الجديد"، أن الضغط على النظام بهذه الطريقة "هو الأسلوب الوحيد الذي يفهمه"، مشيراً إلى أن هذه الطريقة أجبرت قوات النظام على إطلاق سراح امرأة اعتقلتها في بلدة أنخل في يوليو/تموز الماضي.

فلتان أمني في درعا

ويعكس ما يجري في مدينة جاسم مجمل الأوضاع في محافظة درعا التي تعيش حالة واسعة من الفوضى والفلتان الأمني، الذي تشير المعطيات إلى أن النظام يعمل على تغذيته من خلال أجهزته الأمنية ليبقي هذه المحافظة الحدودية مع الأردن بحالة من عدم الاستقرار. ونشطت في الآونة الأخيرة مجموعات تمتهن الخطف على الطرق الرئيسية في المحافظة التي استعاد النظام السيطرة عليها منتصف عام 2018، ولكنها منذ ذاك الحين مسرح عمليات خطف وقتل واغتيال واسع. ولقيت امرأتان تنحدران من بلدة صيدا شرق درعا حتفهما أمس الأول الجمعة. وأصيب آخرون إثر انقلاب سيارتهم بعد مطاردتهم من قبل قطاع طرق بقصد السرقة على أوتوستراد دمشق ـ درعا. وانقطع الاتصال قبل أيام بسائقين أردنيين على الطريق الدولي الذي يربط دمشق بالعاصمة الأردنية عمّان، حيث رجحت مصادر إعلامية محلية تعرضهما للاختطاف من قبل قطاع طرق، مشيرة إلى أن السيارة التي بحوزتهما بيعت خارج محافظة درعا، ما يعزز الفرضية.

ارتباط قطاع الطرق بأجهزة النظام

وأكد أبو محمود الحوراني، وهو المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران"، لـ "العربي الجديد"، أن المجموعات التي تقوم بعمليات الخطف وقطع الطرق "مرتبطة بالأجهزة الأمنية التابعة للنظام"، مضيفاً: أفراد هذه المجموعات لديهم بطاقات أمنية تسهّل لهم القيام بهذه العمليات. ولا يكاد يمر يوم في محافظة درعا منذ بداية العام الحالي، دون حوادث اختطاف أو قتل أو اغتيال، سواء من عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام أو المتعاونين المحليين معها، أو من جانب مجموعات المعارضة، أو الأشخاص الذين كان لهم ارتباط بالجيش السوري الحر في المحافظة قبل عام 2018.

أبو محمود الحوراني: المجموعات التي تقوم بعمليات الخطف وقطع الطرق مرتبطة بأجهزة النظام الأمنية

وفي هذا الصدد، قتل الأربعاء الماضي المدعو رامز الزرزور قرب بلدة عتمان بريف درعا، وهو كان أحد مؤسسي "اللجان الشعبية" في درعا، وهي مليشيات رديفة لقوات النظام السوري، كان لها دور في قمع المتظاهرين وملاحقتهم وتسليمهم للأجهزة الأمنية. وذكرت مصادر محلية أن القتيل متهم بالمشاركة في عمليات الاقتحام وقتل المدنيين خلال سنوات الثورة في عدة بلدات في محافظة درعا إلى جانب كونه لاعب كرة قدم في نادي الشعلة المحلي، ثم حكماً في المباريات المحلية. وجرى تشييع رسمي للزرزور شارك فيه كبار مسؤولي النظام في المحافظة، بمن فيهم أمين فرع حزب البعث الحاكم، والمحافظ وقائد الشرطة، ما يؤكد الدور الكبير الذي قام به في اعتقال معارضين وقتلهم، حيث يُتهم بتسليم ما لا يقل عن 50 شخصاً لقوات النظام، معظمهم اليوم في عداد المفقودين والمغيّبين قسرياً في المعتقلات.

بموازاة ذلك، أطلقت عصابة مسلحة الأربعاء الماضي سراح شاب من آل الزعبي من بلدة الغارية الشرقية في ريف درعا خُطف قبل شهرين، بينما لا يزال مسؤول في حزب البعث في بلدة إزرع، مختطفاً منذ 7 يوليو الماضي، وفق شبكات إخبارية محلية. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد بلغت حصيلة الاستهدافات في محافظة درعا منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، 245 حادثة انفلات أمني، جرت جميعها بطرق وأساليب مختلفة، وتسببت بمقتل 263 شخصاً، بينهم 78 من المدنيين، بينهم 8 نساء و18 طفلاً، إلى جانب 80 من قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة لها والمتعاونين معها، وسبعة أشخاص من المتعاونين مع حزب الله اللبناني، و57 من الفصائل المحلية المسلحة.

إلى ذلك، ما زالت جثامين الشبان الذين قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام تصل إلى محافظة درعا. وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر محلية أن شاباً من قرية المدورة في منطقة اللجاة شمال شرقي درعا قضى نحبه جراء التعذيب الوحشي في سجن صيدنايا العسكري، بعد اعتقال دام قرابة عام ونصف عام، مشيرة إلى أن أهله تسلموا جثته من قوات النظام قبل يومين. وكان القتيل في صفوف الجيش السوري الحر قبل اعتقاله من قبل قوات النظام بالقرب من الأوتوستراد الدولي دمشق ـ عمّان بالقرب من جامعة قاسيون الخاصة. وكانت عائلة من بلدة غباغب بريف درعا قد تسلمت مطلع أغسطس/آب الماضي جثة أحد أفرادها بعد مقتله تحت التعذيب في سجن صيدنايا بعد اعتقاله في مدينة حلب قبل عدة أشهر، في أثناء محاولته العودة من الشمال السوري إلى درعا بعد ترحيله قسراً من تركيا.

المساهمون