فجر اليوم الخميس، باشر الجيش الروسي بهجومه المنتظر على أوكرانيا، بعد أشهر من التصعيد والتحشيد. وكما كان متوقعاً، استبق الروس عملياتهم العسكرية بشنّ حرب سيبرانية مساء الأربعاء ـ الخميس، أدت إلى تعطيل أجهزة الهاتف والإنترنت في المناطق التابعة للشرعية الأوكرانية في إقليمي دونيتسك ولوغانسك في منطقة دونباس، فضلاً عن إغلاق مطار دنيبرو وإقفال المجال الجوي الأوكراني والمجال الجوي الروسي المتاخم للحدود الأوكرانية.
بعدها، خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم، معلناً قرار "إجراء عملية عسكرية خاصة لحماية دونباس"، وأن "روسيا لا تخطط لاحتلال الأراضي الأوكرانية".
وهدّد بوتين قائلاً: "أياً كان مَن سيحاول الحيلولة دون إجراءاتنا، فضلاً عن تشكيل خطر على دولتنا وشعبنا، يجب عليه أن يعلم أن ردّ روسيا سيكون فورياً، وسيؤدي إلى نتائج لم تواجهوها قطّ في تاريخكم".
وتابع: "نحن مستعدون لأي تطورات، وقد اتُّخِذت القرارات المطلوبة كافة في هذا الخصوص، وآمل أن يُسمع كلامي".
وبعد الانتهاء من كلمته، شنّ الروس غارات متزامنة على مدن أوكرانية عدة، مستهدفين، وفق إعلان وزارة الدفاع الروسية، البنى التحتية العسكرية للجيش الأوكراني والمطارات.
طاول القصف مطار بوريسبيل في ضواحي العاصمة كييف
وطاول القصف مطار بوريسبيل في ضواحي العاصمة كييف، الذي استقبل في الآونة الأخيرة عشرات الطائرات العسكرية، الأميركية والأوروبية، المحمّلة بالذخائر والأسلحة للجيش الأوكراني. وطاول القصف أيضاً مطار إيفانو ـ فرانكيفسك في جنوب غرب أوكرانيا، بالقرب من لفيف، التي لجأت إليها البعثات الغربية في الأسابيع الأخيرة، والقريب أيضاً من بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا.
وهاجم الروس أيضاً مطارات خاركيف ومارويوبول وأوديسا ودنيبرو، بالغارات الجوية والصواريخ الباليستية. ويُعَدّ قصف المطارات جزءاً من محاولة قطع أي سبيل للإمدادات العسكرية الجوية المحتملة للجيش الأوكراني.
وفي وقتٍ نفى فيه الروس قصفهم المدن، إلا أن الانفجارات دوّت في زابوريزيا وبولتافا وكراماتورسك، وهي المدن القريبة من دونباس.
وفي المجمل، بدت هذه الهجمات والمواجهات المنسقة موزعة على 5 جبهات أساسية. فما هي؟
جبهة دونباس
وتعرضت مناطق عدة تابعة للقوات الأوكرانية في دونباس، لغارات روسية. وأعلن الانفصاليون في دونباس أن "قواتنا سيطرت على مدينة بوبوسنايا وعبرت نهر سيفيرسكي دونيتس"، وفي "محور شاستيا عبرت نهر سيفيرسكي دونيتس، وتقدمت لنحو كيلومترين". وتقدم الانفصاليون أيضاً "في محور فولنوفوخا لمسافة ثلاثة كيلومترات".
وكان لافتاً إعلان رئيس "جمهورية لوغانسك الشعبية" المعلنة من جانب واحد، ليونيد باسيتشنيك، أن "المهمة الفورية لهذه الجمهورية، هي التحرير الكامل لأراضيها، وبعد ذلك إذا طلبت أوديسا وخاركيف المساعدة، فسيُنظر فيها".
ويعني هذا الأمر، أن نيات الانفصاليين، ومن خلفهم روسيا، في بسط سيطرتهم على كامل المنطقة الممتدة من خاركيف شرقاً إلى أوديسا جنوباً، حرمان أوكرانيا بالكامل من البحر الأسود، فضلاً عن تقسيمها جغرافياً وفقاً لأمر واقع.
والتمدد باتجاه أوديسا، يعني حكماً وضع المنطقة الممتدة من روستوف على الحدود الأوكرانية باتجاه إقليم ترانسنستريا المولدافي غرباً، تحت السلطة الروسية. وهو ما يسمح وفقاً لهذه الخطوة، بتأمين البحر الأسود من جهة موسكو، وإغلاقه أمام سفن حلف شمال الأطلسي، الذي ستقتصر عملياته، وفقاً لهذا السيناريو، على شواطئ بلغاريا ورومانيا.
جبهة خاركيف في الشرق
وشنّ الروس هجوماً برياً من الشرق، بعد التمهيد له بقصف مدفعي من بيلغورود، بغية الوصول إلى ضواحي مدينة خاركيف في الشرق، حيث تدور معارك عنيفة حالياً. وأعلنت الرئاسة الأوكرانية أن "المعارك تدور على بعد خمسة كيلومترات فقط عن محيط مدينة خاركيف". وذكرت وسائل إعلام محلية، أنّ العلم الروسي رُفع في مبنى البرلمان المحلي في المدينة. واستهدفت البحرية الروسية المتمركزة في بحر آزوف، المتفرع من البحر الأسود، مدينة ماريوبول.
جبهة القرم في الجنوب
كذلك شنّوا هجوماً مماثلاً من شبه جزيرة القرم، التي ضموها من أوكرانيا في عام 2014، وصولاً إلى ضواحي مدينة خيرسون. وشمل الهجوم تقدماً بالدبابات بعد التمهيد بقصف مدفعي.
ويهدف الروس، وفقاً لخريطة القصف، إلى تأمين سيطرة القوات الانفصالية في لوغانسك ودونيتسك على كامل أراضي "جمهوريتيهما" التي اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلالهما يوم الاثنين الماضي.
مع العلم أنه منذ اندلاع الحرب في الشرق الأوكراني في عام 2014، سيطر الانفصاليون على أجزاء من دونيتسك ولوغانسك، فيما سيطر الجيش الأوكراني على الأجزاء الأخرى.
وبموجب الاعتراف باستقلال المنطقتين، تحولت الشرعية الأوكرانية إلى "معتدية" على "سيادة الجمهوريتين"، وهو ما يعني إخراجها بالقوة منهما.
أما استهداف المدن البعيدة، مثل لفيف وأوديسا وكييف بنفسها، فالغرض منه دفع الشرعية الأوكرانية إلى عدم التفكير في شنّ هجمات مضادة من جهة، والإيحاء إلى دول حلف شمال الأطلسي أن روسيا لا تكترث بهم من جهة أخرى.
وفي المقابل، اتهم الروس الجيش الأوكراني، بقصف نقطة تفتيش حدودية في منطقة كورسك، مشيرة إلى عدم وقوع إصابات، وأن نقطة إطلاق النار أخمدت بنيران مضادة.
ودعا الجيش الروسي في بيانات متتالية المدنيين الأوكرانيين إلى "عدم القلق"، لأنهم غير مستهدفين، على وقع إعلانات متلاحقة لوزارة الدفاع الروسية عن "تقدم ميداني" للقوات الانفصالية في دونباس على حساب الجيش الأوكراني، محذّرة في الوقت نفسه من أنه "يجري تحضير فيديوهات مسبقة لفبركة سقوط قتلى بين المدنيين في أوكرانيا، ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي".
الجبهة البيلاروسية
ومع أنّ الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، نفى مشاركة جيشه في القتال، إلا أن الوقائع أثبتت العكس، بعد التحركات العسكرية الروسية بالقرب من الحدود البيلاروسية ـ البولندية، فضلاً عن تحرّك القوات الروسية في مدينة بريست، غربي بيلاروسيا، المتاخمة للحدود البولندية، مهددة لفيف الأوكرانية.
وقد أدت المخاوف وتحليق الطيران الروسي إلى إطلاق مدينة ميديكا البولندية الحدودية صفّارات الإنذار. ويبلغ عدد الجنود الروس في بيلاروسيا نحو 30 ألف جندي، وفقاً لوزارة الدفاع الروسية.
تحرّك الروس في بيلاروسيا وإقليم ترانسنستريا المولدافي
الجبهة المولدافية
وتحدثت مصادر ميدانية في مولدافيا عن استهداف القوات الروسية المتمركزة في إقليم ترانسنستريا، الموالي لروسيا، مدينة أوديسا.
وأظهرت فيديوهات نشرها مواطنون أوكرانيون، انتشار الجيش الأوكراني في أوديسا لمواجهة أي إنزال روسي.
وفي المقابل، كشفت وزارة الدفاع الرومانية، أن "مقاتلة أوكرانية من طراز سو-27 دخلت الأجواء الرومانية وهبطت في قاعدة باكاو"، القريبة من مولدافيا.