حظر عمل اتحاد طلبة العراق: ضرب النشاط السياسي بالجامعات

29 يونيو 2023
طلاب عراقيون يتظاهرون أمام جامعتهم في البصرة، أكتوبر 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

تسبّب قرار وزارة التعليم العالي في العراق، بحظر عمل ونشاطات "اتحاد الطلبة" في الجامعات العراقية الحكومية والخاصة، بغضب بين صفوف أعضاء الاتحاد والتجمعات والأحزاب المدنية والليبرالية في البلاد، لا سيما أن القرار وجّه جهاز "الأمن الوطني" للتكفل بتطبيق هذا الإجراء الجديد، بحجة "الحفاظ على سير العملية التعليمية".

ودفع هذا القرار، الذي صدر في مايو/أيار الماضي، وعُمم على جميع جامعات العراق، بما فيها إقليم كردستان، اتحادات الطلبة في عموم المدن العراقية بإصدار البيانات والتوجه نحو الإعلام المحلي للتعبير عن رفضهم الإجراء، معتبرين إياه "قراراً تعسفياً بوليسياً" يستهدف التثقيف السياسي في الجامعات.

وتربط القوى المدنية العراقية القرار بشخص وزير التعليم الجديد نعيم العبودي، الذي ينتمي لجماعة "عصائب أهل الحق"، الحليفة لإيران، والمعروفة بمواقفها المتشددة من القوى والحركات المدنية بالعموم.

لن تُسكتوا صوت الطلبة

وأصدر الاتحاد العام لطلبة العراق، بياناً حمل عنوان "لن تُسكتوا صوت الطلبة". وجاء فيه أن "القرار مرفوض، وأنه تعسفي يمثل كبتاً واضحاً للحريات الطلابية والأكاديمية، ويحمل في طياته استهدافاً واضحاً وممنهجاً لصوت الطلبة واتحادهم، بغية التغطية على فشل الإدارات المتعاقبة وفسادها، الذي أوصل العملية التعليمية والتربوية إلى الانهيار، ومن أجل تمرير المزيد من المشاريع والقرارات المدمرة للتعليم في بلادنا".

محمد حمزة: الأحزاب النافذة والفصائل المسلحة باتوا ينظرون إلى الاتحاد كمنظمة تهدد وجودهم

وأضاف أن "ما يثير استغرابنا واستنكارنا أكثر هو إحالة متابعة هذا القرار إلى مكاتب الأجهزة الأمنية في الجامعة، وهي خطوة بوليسية مرفوضة ومخالفة صريحة لقانون التعليم العالي، الذي يمنع وجود أي مظاهر عسكرية داخل الحرم الجامعي".

واعتبر "أن السمعة الأكاديمية قد أهينت عندما اعتمدت المحاصصة الطائفية والاثنية معياراً لاختيار الإدارات الجامعية على حساب الكفاءة المهنية والنزاهة، وبالغ المتنفذون في سحقها عندما أقر قانون معادلة الشهادات، الذي شرع الآلاف من الشهادات المزورة خارج العراق ليتولى حاملوها لاحقاً مناصب عليا في الدولة".

أعرق الاتحادات الطلابية عربياً

واتحاد طلبة العراق، هو منظمة مستقلة تُعنى بشؤون الطلاب وتهتم بحل مشكلاتهم، تأسس على يد قوى وشخصيات سياسية يسارية عام 1948، ويعتبر أعرق الاتحادات الطلابية في الوطن العربي.

وقدم المئات من الضحايا خلال مواقف سياسية من مختلف الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ ذلك الوقت، كان آخرها في الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

ويضم الاتحاد في عضويته جميع الطلبة الراغبين في العمل التطوعي في صفوفه، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القومية أو الدينية. كما أنه انتمى إلى اتحاد الطلبة العالمي وساهم بنشاط في جميع فعالياته واحتل مواقع قيادية، إذ شغل منصب السكرتير العام ومنصب نائب الرئيس.

محاولات للاستيلاء على اتحاد الطلبة

وقال عضو اتحاد طلبة بغداد، محمد حمزة، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب النافذة والفصائل المسلحة، حاولت الاستيلاء، في أكثر من مناسبة على الاتحاد من خلال اختراقه وزج عناصر موالية لهذه الأحزاب فيه، ولم تنجح خطتهم، كما أنهم أرادوا تغيير اسم الاتحاد إلى منظمة "الحشد الطلابي" كي يكون مسانداً لهيئة الحشد الشعبي، وفشلوا أيضاً في ذلك".

وأضاف: "يبدو أنهم باتوا ينظرون إليه كمنظمة تهدد وجودهم، ما دفعهم باتجاه محاصرته وحظر نشاطاته داخل الجامعات"، مبيناً أن "القرار يهدف إلى منع مساندة اتحاد الطلبة للحراك المدني الرافض لعسكرة المجتمع وسرقة موارده عبر الأحزاب".

التضييق على الحريات العامة

وتابع حمزة أن "القرار الذي اتخذته وزارة التعليم العالي، التي تسيطر عليها جماعة سياسية عسكرية معروفة التوجه، وهي "عصائب أهل الحق"، يهدف إلى التضييق على الحريات العامة، وينافي مبادئ الدستور العراقي، التي نصت على حرية التجمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طالما أنها تتوافق مع القوانين والأطر العامة".

وأشار إلى أن "الطامة الكبرى في هذا القرار، هي إحالة متابعة تنفيذه إلى مكاتب الأجهزة الأمنية وتحديداً "جهاز الأمن الوطني" وليس مكاتب المتابعة في الجامعات، ما يعني أنه ضوء أخضر لاعتقال أعضاء اتحادات الطلبة".

ورفض مسؤولان في وزارة التعليم العراقية التعليق على القرار بعد تواصل "العربي الجديد" مع مقر الوزارة ببغداد، لكن مستشاراً في هيئة الرأي بالوزارة قال عنه إنه "صادر من مكتب الوزير نعيم العبودي"، مُقراً بالوقت ذاته، في رده على تساؤل لـ"العربي الجديد" حول دوافع القرار، بأنه "غير بعيد عن السياسة".

حسين الحمداني، وهو عضو في اتحاد طلبة محافظة البصرة، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الطلبة كان لهم دور كبير في إنجاح الحراك المدني خلال السنوات الماضية، وتحديداً خلال فترة الاحتجاجات الشعبية، لذلك فإن الأحزاب تدرك خطورة الاتحاد، وإمكاناته الحالية، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة لطلبة العراق، وأنهم جميعاً يشتركون بنفس الهموم".

ورأى أن "القرار جاء لهدف لا يعرفه الجميع، وهو أن الأحزاب زجت فرقها داخل الجامعات من أجل التثقيف السياسي لصالح مرشحين في الانتخابات المحلية المقبلة، وهو ما لا يقبله اتحاد الطلبة، لأنه يعد خرقاً للقانون الذي يمنع التعاطي السياسي داخل الجامعات".

الأحزاب الكبيرة تحقد على اتحادات الطلبة

من جهته، أشار عضو حراك "البيت العراقي" وائل البارود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الطلبة كانوا جزءاً مهماً وأساسياً في انتفاضة تشرين 2019، وتسبب الطلبة باستمرار الاحتجاجات ودعمها وزيادة الزخم البشري فيها، وهذا ما جعل الأحزاب الكبيرة، والمتهمة بالفساد، تحقد على اتحادات الطلبة التي نادت بإنهاء البطش تجاه المحتجين وتعديل المسار الديمقراطي".

واعتبر البارود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإجراءات بحق الطلبة من قبل السلطات حالياً، تشير إلى مخاوف داخل صفوف الأحزاب والمليشيات، لذلك فإن الأخيرة، باتت تتعامل بعنف وتحييد مع كل أشكال المدنية في العراق، بما فيها اتحادات الطلبة والأحزاب".

وائل البارود: هذه القرارات الغاية منها واضحة وهي إسكات كل من ينتقد عمل السلطة

وأضاف البارود أن "هذه القرارات الغاية منها واضحة، وهي إسكات كل من ينتقد عمل السلطة ويثقف ضد فسادها وتخبطها ويلغي احتكارهم للعمل الحكومي ليتسنى للجميع المشاركة في بناء عراق ديمقراطي قوي. وما حصل لاتحاد الطلبة، يمثل ضربة كبيرة لحريات التعبير في العراق، وهو إجراء ينطوي على مخاطر كبيرة على الحريات العامة، وقد يكون للاتحاد حراك جديد أكبر من إصدار بيانات أو خطابات، في المرحلة المقبلة".

بدوره، رأى الباحث العراقي غالب الدعمي، أن "اتحاد الطلبة مهم كحلقة تواصل ما بين عمادة الكلية والطلبة من جهة، ورئاسة الجامعة والطلبة من جهة ثانية، كما أن له الفضل في إسهامات مهمة، مثل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والحملات التطوعية والإغاثة، بالتالي فإن إبطال عمله أو إيقافه بقرار وزاري، هو قرار مستعجل ولا يسهم في تقوية العملية التعليمية، بل إنه يساهم بتهميش أصوات الطلبة".

وأكد الدعمي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك صراعاً سياسياً على اتحادات الطلبة، حيث إن الاتحادات تميل باتجاه القوى الثورية والمدنية، وهو ما لا يخدم مصالح القوى السياسية الدينية، لذلك فإن محاولات كسب للاتحادات من قبل هذه القوى يبدو أنها فشلت، فصدر القرار بمنع عمل الاتحاد العام، وهذا خطأ كبير".

المساهمون