بايدن ودوامة القلق في واشنطن

12 يوليو 2024
بايدن في اليوم الأخير من قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، واشنطن 11 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تشبث بايدن بالرئاسة وتأثيره على واشنطن وحلفائها**: إصرار بايدن على خوض معركة الرئاسة رغم قصوره الذهني أثار قلقاً في واشنطن وبين حلفائه، بما في ذلك الديمقراطيين في الكونغرس ومعاونيه في البيت الأبيض.

- **قمة الناتو وتأثير الانتخابات الأميركية على المساعدات لأوكرانيا**: قمة الناتو في واشنطن تأثرت بقلق حول وضع بايدن، حيث تعهدات المساعدات لأوكرانيا مهددة بالتأجيل أو الشطب في حال فوز ترامب أو سيطرة الكونغرس عليه.

- **المؤتمر الصحافي لبايدن وتداعياته**: بايدن عقد مؤتمراً صحافياً في ختام قمة الناتو، حيث ارتكب بعض الهفوات وأبدى انفتاحاً على التداول في موضوع ترشيحه، مما يزيد من الضغط عليه للمغادرة.

تشبُّثُ الرئيس الأميركي جو بايدن بخوض معركة الرئاسة رغم انكشاف قصوره الذهني والظاهري، خلق حالة قلق أربكت واشنطن وحلفاءها، ويبدو أنها مرشحة للاستمرار والتفاقم حتّى يوم انتخابات الرئاسة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني القادم. وتشمل هذه الحالة فريقاً متزايداً من حزبه الديمقراطي في الكونغرس، وبعض معاونيه في البيت الأبيض والمحسوبين على خندقه في الإعلام، فضلاً عن القواعد الانتخابية وكبار ممولي حملته ومؤيديه من نجوم هوليوود. حتى خصمه ترامب، أربكه الجدل حول وضع بايدن المعلق، واضطره لتأجيل إعلان اختياره لمنصب نائب الرئيس، علماً أن اسم هذا الأخير كان يفترض أن يكون معلوماً قبل فترة من حلول موعد المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري، الذي ينعقد بعد أربعة أيام.

كذلك كان حال قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي اختتمت أعمالها مساء اليوم الخميس، إذ بقيت هي الأخرى أسيرة هذا القلق طوال أيامها الثلاثة في واشنطن. تعهداتها بتزويد أوكرانيا بما تحتاجه من أسلحة وشبكات دفاع جوي وذخائر وأسلحة مدرعة وتدريبات، لن تبدأ بالوصول قبل العام القادم وما بعده. فوز ترامب أو مجيء كونغرس يسيطر عليه الرئيس السابق يهدد هذه المساعدات بالتأجيل إن لم يكن بالشطب كليا. هذا الهاجس خيّم على القمة طوال أيامها الثلاثة. وتردد بالتلميح والتسريب أن اهتمامات المؤتمرين كانت منصبّة في اللقاءات الهامشية على متابعة وضع الرئيس بايدن، ورصد جدية وتزايد الضغوط عليه من الديمقراطيين، وبما يساعد على استشراف مآلات المعركة واحتمالاتها. فهذه الأخيرة كانت "حاضرة في القمة ومداولاتها الجانبية بما لا يقل عن حضور الملف الأوكراني"، بحكم ارتباط الملفين بالنسبة للأوروبيين، الذين يخشون عودة الرئيس ترامب وانعكاساتها السلبية على الحلف والدور الأميركي المركزي فيه، خصوصاً أن بعضهم "يتخوف من نوايا" روسيا تجاه بعض دول "ناتو" المتاخمة لحدودها، في اليوم التالي لحرب أوكرانيا، وثمة حديث عن أن بعض الأوروبيين بدأ يدعو إلى وجوب "الاعتماد على الذات"، لأن انتخابات الرئاسة الأميركية "مفتوحة على ما يبدو"، وبما لا يسمح بالركون إلى  دور واشنطن والتعويل على استمرارها  في الحلف. 

ومن هنا كان الاهتمام بالمؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس بايدن في اختتام القمة مساء الخميس، علّه يعوّض فيه عن بعض التدهور الذي أصاب صورته ورصيده بعد أدائه البائس في المناظرة مع ترامب قبل أسبوعين.

المؤتمر أعطى أهمية كبيرة لجهة اعتباره اختباراً آخر، من النوع الذي "إما أن يصحح بايدن فيه صورته أو ينتهي إلى انكسار جديد". في النهاية لم يكن هذا ولا ذاك، فقد صمد إجمالاً خلاله طيلة 50 دقيقة، افتتحها ببيان مقتضب عن القمة، ثم  رد على 11 سؤالاً دارت معظمها حول مصير ترشيحه، إضافة إلى أوكرانيا، وسؤال عن حرب غزّة واحتمالات مشروع وقف النار الذي تتوالى الإشارات حول حصول "تقدم ملحوظ فيه"، إلا إذا استهدفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلغم في آخر لحظة، مع أن التوقعات ترجح مروره قبيل وصول هذا الأخير إلى واشنطن لإلقاء خطابه أمام الكونغرس في 24 يوليو/تموز الجاري، مع زيارة محتملة إلى البيت الأبيض. ويبدو أن الإدارة استبقت ذلك بالإفراج عن تزويد إسرائيل بقنبلة الـ500 رطل بدلاً من الألفي رطل.

الاستعداد للمؤتمر الصحافي كان هذه المرة أفضل، على ما بدا. وهكذا كان الأداء والدخول في التفاصيل بصورة متماسكة في سردها وحيثياتها ووقائعها، ولو أنه خلط بين بوتين وزيلينسكي وبين ترامب ونائبته كامالا هاريس. ويبدو أن مثل هذه الهفوات صارت مستعصية، بحيث أصبحت مشكلة لا يقوى على التخلص منها رغم التحضيرات والاستعدادات المكثفة. وإذ لم يفته التأكيد على أنه المرشح الأنسب والقادر على الفوز، إلا أنه حرص على ألا يأتي تأكيده بصيغة تنم عن معاندة لا تخلو من الاستفزاز، وثمة من رأى في ذلك إشارة إلى انفتاحه على التداول في موضوع ترشيحه وإلى حد أنه "ترك خط الرجعة مفتوحاً". فهو بات يدرك بأن تصحيح الصورة صار أقرب إلى المستحيل طالما أن الهفوات ارتبطت بعمره. وبذلك فهو يواجه حالة محفوفة بالخطر، إذ إن تصريحاته وأجوبته ولقاءاته الصحافية، فضلاً عن مناظرته الثانية في سبتمبر/أيلول القادم (لو بقي في السباق)، ستكون كلها تحت المجهر، ولن تُسجل له نقاط تفوق عندما لا يخطئ، في حين سوف تُسجل ضده أي زلة تصدر عنه. كما بات على دراية بأن المطالبة بانسحابه تتزايد في صفوف حزبه وقياداته في الكونغرس، كما في أوساط المفاتيح الانتخابية والممولين.

يذكر أن أحد النواب الداعين إلى خروجه من المعركة عاد وكرر مطالبته بعد دقائق من نهاية المؤتمر الصحافي. وهذه إشارة إلى أن موجة الدفع لإخراجه باقية وعلى تزايد، ثم إن أرقام الاستطلاعات لم تسعفه حتى الآن. آخرها استطلاع أجرته الخميس شبكة "أي بي سي نيوز"، كشف عن تقدم ترامب بنقطة واحدة: 47% مقابل 46%.

توالي الاستطلاعات بهذه الصورة من شأنه أن يؤدي إلى تزخيم الضغط عليه لأجل المغادرة. لكن مغادرته لا تضمن الانقلاب في المعادلة، خاصة إذا كانت نائبته هاريس هي البديل. وهنا تدور معركة أخرى وراء الأبواب المغلقة حول من يخلفه. هذا إذا قرر الخروج!

المساهمون