حزب اتحاد مصر الوطني يثير جدلاً بسبب توجهاته القبلية والجهوية

08 ديسمبر 2024
علي عبد العال، في مجلس النواب المصري، 14 فبراير 2019 (محمد مصطفى/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأسيس حزب "اتحاد مصر الوطني" يثير جدلاً بسبب انتماءات قبلية لشخصيات بارزة مثل إبراهيم العرجاني، مما يثير مخاوف من تراجع الديمقراطية القائمة على التعددية والمواطنة.
- الحزب يواجه انتقادات لاعتماده على تحالفات قبلية وتدوير شخصيات من النظام السابق، مع غياب رؤية سياسية واضحة، مما قد يعمق الانقسامات ويثير شبهات حول ارتباطه بمليشيات مسلحة.
- سياسيون مثل محمد أنور السادات يعبرون عن قلقهم من دعم السلطة للحزب، محذرين من تهديده لوحدة الدولة واستقرارها وتراجع قيم المواطنة.

يثير حديث متكرر من شخصيات سياسية وإعلامية عن قرب إعلان تأسيس حزب جديد تحت اسم "اتحاد مصر الوطني" جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية المصرية، خصوصاً مع التركيبة القيادية في حزب اتحاد مصر الوطني المزمع تأسيسه، والتي تضم شخصيات ذات انتماءات قبلية وجهوية بارزة، إذ يأتي وسط استعدادات الساحة السياسية للانتخابات البرلمانية المقررة في عام 2025. ويضم الحزب رئيس اتحاد القبائل العربية إبراهيم العرجاني، إلى جانب وزراء سابقين وشخصيات سياسية، مثل رئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، فيما يواجه انتقادات لاذعة باعتباره يعيد إحياء النزعات القبلية والجهوية في الحياة السياسية، ما يُعد تراجعاً عن مبادئ الديمقراطية القائمة على التعددية والمواطنة.

ويرى مراقبون أن تشكيل حزب اتحاد مصر الوطني يُرسخ توجّهاً قائماً على التحالفات القبلية والعلاقات الجهوية بدلاً من تقديم برامج سياسية تعكس تطلعات المصريين ككل. وقد دفع وجود العرجاني، المعروف بنفوذه القبلي في سيناء شمال شرقي البلاد، في قلب قيادة الحزب كثيرين إلى وصفه بأنه محاولة لتعزيز المصالح القبلية في المشهد السياسي. وإلى جانب الطابع القبلي، تعرض الحزب لانتقادات أخرى تتعلق بإعادة تدوير شخصيات سياسية خرجت من المشهد خلال السنوات الأخيرة، منها عبد العال الذي كان يُعد أحد رموز النظام في فترة رئاسته مجلس النواب بين 2014 و2021، ويعود الآن عبر بوابة الحزب الجديد بعد استبعاده من رئاسة المجلس في دورته الحالية والذي أثار جدلاً كبيراً آنذاك، فسّره بعضهم تهميشاً لواحد من أبرز رجال النظام. لكن عودته عبر حزب اتحاد مصر الوطني تعكس، وفقاً لمحللين، رغبة في استعادة النفوذ وإن عبر قاعدة جهوية ضيقة.

تعميق الانقسامات

يرى منتقدو حزب اتحاد مصر الوطني أن التركيز على الطابع القبلي والجهوي في تشكيله قد يُساهم في زيادة الانقسامات داخل المجتمع المصري. ويخشون أن تُعيد مثل هذه التحالفات إثارة حساسيات بين الأقاليم المختلفة، خصوصاً إذا ما استغل الحزب النفوذ القبلي في حشد الأصوات الانتخابية. وعلى الرغم من الاجتماعات المكثفة التي عُقدت لتأسيس حزب اتحاد مصر الوطني ووضع هيكله التنظيمي، إلا أن المنتقدين يشيرون إلى غياب رؤية واضحة تعبّر عن مشروع وطني شامل.

علاء الخيام: الحزب الجديد مزيج من بقايا نظام مبارك ورجال أعمال تحوم حولهم شبهات فساد

في هذا الصدد، يحذّر علاء الخيام، منسق تيار الأمل والرئيس السابق لحزب الدستور، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، من خطورة الخطوات الجارية لتشكيل حزب سياسي يقوده رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المدعوم من تحالف قبلي وعشائري، واصفاً هذا التحرك بـ"الخطوة الفجة" التي سبق أن قوبلت برفض شعبي وحزبي واسع في الماضي. ويوضح أن الحزب الجديد يمثل مزيجاً من "بقايا نظام (الرئيس الراحل حسني) مبارك" ورجال أعمال تحوم حولهم شبهات فساد، مشيراً إلى أن العرجاني تحديداً يثار حوله حديث عن امتلاكه مليشيات مسلحة في سيناء وشركات ذات سمعة سيئة، فضلاً عن علاقاته بشخصيات مثل صبري نخنوخ المتهم بأعمال بلطجة. ويشدّد الخيام على أن هذا الكيان يخالف الدستور المصري الذي يمنع إنشاء أحزاب على أسس طائفية أو ترتبط بمليشيات مسلحة أو تعتمد على ولاءات إقليمية، مشيراً إلى أن هذه المحاور الثلاثة تجتمع في الحزب المزمع تأسيسه. ويضف أن "هذا الحزب لا يحمل أجندة سياسية حقيقية، بل يبدو كأنه أداة للنظام لتمرير رسائل معينة، رغم وجود أحزاب موالية بالفعل، مثل حزب مستقبل وطن وحماة الوطن، تقوم بدورها في دعم النظام والتشريع". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويشير الخيام إلى أن الهدف من تشكيل حزب اتحاد مصر الوطني يتجاوز دعم النظام أو المنافسة الانتخابية، إذ برأيه قد يتحول إلى "أداة صدام" داخل المشهد السياسي، مضيفاً أن "هذا الحزب يعتمد على مليشيات عسكرية ومجموعات قبلية وعشائرية، ما يثير مخاوف من استخدام العنف لتحقيق أهدافه". ويقول: "نحن كوننا أحزاباً سياسية في مصر لسنا قلقين من المنافسة بقدر ما نخشى من الصدام مع كيان بهذه الطبيعة"، معتبراً أن "هذا الحزب لم يأتِ لدعم النظام في التشريع فقط، بل يبدو أنه صُمم ليكون أداة مواجهة للمعارضة، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الساحة السياسية المصرية". من جهته، يشير المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، إلى غياب رؤية شاملة وفلسفة واضحة لإصلاح النظام السياسي وفتح المجال العام في مصر، معتبراً أن استمرار القيود الحالية وعدم تأسيس دولة مدنية حقيقية سيؤدي إلى "فشل مستمر ومتكرر". وحول الحديث عن تأسيس أحزاب سياسية جديدة، يرى ربيع أن هذه الخطوة قد تكون وسيلة للتنمية السياسية، لكنه يشدّد على أن الأسلوب المتبع في التعامل مع هذا الملف يعكس "تنمية للتخلف" وليس تقدماً حقيقياً. ويوضح أن "التنمية السياسية الحقيقية تتطلب إطاراً فكرياً متكاملاً وإرادة لإحداث تغيير جذري، وليس مجرد إعادة إنتاج الأدوات والسياسات نفسها التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الأزمات".

تشكيك في هدف تأسيس حزب اتحاد مصر الوطني

بدوره، يعرب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية والنائب البرلماني السابق، لـ"العربي الجديد"، عن اندهاشه واستغرابه مما اعتبره "إعلاناً" عن تأسيس الحزب السياسي الجديد المدعوم من السلطة وأجهزتها، مشيراً إلى أن هذا الحزب أثار تساؤلات واسعة حول أهدافه وتأثيره على المشهد السياسي في مصر. ويرى أن "الإعلان عن هذا الحزب ولّد ردود فعل مستهجنة ودهشة كبيرة لدى الكثيرين، خصوصاً أنه من الواضح أن السلطة والأجهزة هي التي تقف وراء تأسيسه وجمع الشخصيات المكونة له"، معتبراً أن "هذا الأمر يثير علامات استفهام كبيرة حول الغرض الحقيقي من وراء إنشاء الحزب، في وقت توجد فيه أحزاب قائمة بالفعل لكنها تعاني من ضعف الدعم وقلة التفاعل مع مشكلات الناس ومظالمهم".

 محمد أنور السادات: الحزب الجديد قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية 

ويشير السادات إلى أن الدولة تكرر الأخطاء التاريخية نفسها من خلال إنشاء أحزاب "فوقية" بقرارات سيادية، قائلاً إن "هذه الطريقة في تأسيس الأحزاب تمثل مهزلة سياسية بصراحة. الدروس المستخلصة من التاريخ تشير إلى فشل هذه الطريقة، ومع ذلك يجرى تكرارها". ويوضح أن "هذا الحزب الجديد قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية خلال الفترة المقبلة، ليس فقط على مستوى الأحزاب المعارضة، بل أيضاً على مستوى أحزاب الأغلبية القائمة حالياً، التي قد تجد صعوبة في التعامل مع هذا الكيان الجديد". ويشدّد السادات على أن توقيت ميلاد حزب اتحاد مصر الوطني، مع الإمكانيات المالية الكبيرة التي يمتلكها وعلاقاته القوية مع أصحاب القرار في الدولة، يثير الكثير من التساؤلات. ويضيف أن "الشخصيات التي تشكّل الحزب معروفة، لكن ما يثير الانتباه هو حجم الدعم المالي الذي يحظى به، وكذلك التفاهمات والمشاورات التي أجريت مع أجهزة الدولة وقيادتها العليا لتأسيس هذا الكيان"، معتبراً أن "هذا الأمر يدعو إلى الانتباه والتساؤل حول الدور الذي يُراد للحزب أن يلعبه في المستقبل".

يأتي ذلك وسط تحذير البرلماني السابق عماد جاد، في منشور على صفحته الخاصة في منصة فيسبوك، أخيراً، من خطورة تأسيس حزب سياسي جديد يقوم على أسس قبلية وعرقية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل تهديداً مباشراً لوحدة الدولة المصرية واستقرارها، وقد تؤدي إلى تراجع قيم المواطنة لصالح الانتماءات الأولية التي تعتمد على العرق والجغرافيا. وبرأيه، فإن "أبرز مقدمات تفتيت الأوطان هي تشكيل كيانات سياسية تنهض على عوامل الانقسام الأولي، مثل العرق والدين والطائفة أو الجغرافيا"ـ مضيفاً أن "هذه الكيانات تُضعف فكرة الوطن الجامع وتُرسخ نزعات الانقسام، ما يؤدي إلى حالة من التفكك الوطني". وباعتقاد جاد، فإن "تجارب دول الجوار تؤكد أن مثل هذه التحركات في ظل أزمات اقتصادية وديكتاتورية وفساد لا تقود إلا إلى صراعات أهلية وانقسامات عميقة"، موضحاً أن تأسيس الحزب القبلي الجديد يأتي في سياق استمرار النظام في تهميش الأحزاب المدنية التي تؤمن بالمواطنة والديمقراطية لصالح كيانات قائمة على الولاءات القبلية والعرقية. 

 
 

المساهمون