حارسات النقب… شريكات النضال والاعتقال ومقاومة التهجير

18 يناير 2022
لم تؤثر الاعتقالات على عزيمة النساء بالمقاومة (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

أعادت الاحتجاجات في قرية سعوة إظهار الدور الرئيسي الذي تقوم به النساء في النقب، اللواتي تحولن إلى حارسات للأرض، في وجه محاولات الاحتلال الاستيلاء عليها.

وعلى مدار السنوات الماضية إلى اليوم، كانت النساء ولا تزلن خط الدفاع الأول عن المساكن المعرّضة للهدم، والأراضي المهددة بالتجريف. وعلى الأغلب، تتم هذه العمليات في الأوقات التي يتواجد فيها الرجال في العمل، بينما الأطفال، لا سيما القصّر منهم، على مقاعد الدراسة، ما يبقي النساء وجهاً لوجه مع آليات الهدم والدمار الإسرائيلية.

وخلال هبّة سعوة الأخيرة، خرجت النساء والفتيات جنباً إلى جنب مع الرجال للتصدي لتجريف أراضي القرية، وتحويلها إلى أحراش غير مثمرة، على غرار أم بدران الهواشلة التي قامت بتوزيع البصل على المتظاهرين، لحمايتهم من تأثير الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته قوات الاحتلال بكثافة عليهم.

سجى الأطرش: عادت الفتيات المعتقلات أكثر عزماً وإصراراً على التصدي لآليات التجريف

وعلى الرغم من أن النساء قررن الاحتجاج بصورة سلمية إلى جانب منازلهن، إلا أنهن كن على مرأى عناصر شرطة الاحتلال، وبالتالي تعرّض قسم منهن للاعتداءات اللفظية الجارحة والخادشة للحياء، بينما تم اعتقال عدد من فتيات القرية.

لا بد أن يكون لنساء النقب صوت

أم رفعت الأطرش (50 سنة)، وهي أم لستة أطفال، والدهم وأعمامهم من أكبر المتضررين من تجريف الأراضي في النقب التي هي مصدر دخلهم، إذ يقومون بزراعتها لإطعام مواشيهم، تقول بحرقة، لـ"العربي الجديد"، إنه "للمرة الأولى نرى هجوماً بهذا الشكل، وهذه المرة الأولى التي أشارك فيها كامرأة في مثل هذه الاحتجاجات".

وتضيف: "لقد هددونا، وهاجمونا بطريقة وحشية. بنات أعمامي اعتقلن دون أي سبب، وأنا أرى ذلك بأم عيني. اعتقلوا عدداً من شباب عائلتي، واعتدوا على الجميع بشكل رهيب". 

وعن رسالتها لنساء النقب المهددة أراضيهن بالتجريف، تشدد الأطرش على أنه "لا بد من مشاركة النساء، وأن يكن لهن صوت، وألا يشعرن بالخوف، وعليهن المطالبة بحقوقهن دون تردد. هذه مشاركتي الأولى (في مواجهة الاحتلال)، لأننا شعرنا أن الدم يغلي في عروقنا بسبب تهديدنا في أرضنا ومصدر رزقنا، ونحن لن نتنازل عنها مهما حدث".

شراكة في النضال لأجل النقب 

وقد تطور دور البدويات في ديرة بئر السبع، أو ما يتعارف عليه باسم النقب، عما كان عليه حتى منتصف القرن الماضي، والذي كان يغلب عليه الاهتمام بأمور المنزل والعائلة ورعي الماشية.

وظهر جيل جديد من النساء تلقّى تعليماً عالياً، ويخوض معترك الحياة من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة. وأصبحن شريكات في النضال والاحتجاج والتظاهر، بل والاعتقال في سبيل الدفاع عن أراضي القرى العربية المسلوبة الاعتراف. 

وفي الوقت الذي تنعم فيه المستوطنات، التي تقام على القرى التي يتم تهجيرها، بأعلى مستويات الرفاهية، عانت نساء سعوة من عدم توفر مياه الشرب كأبسط حق طبيعي للإنسان لمدة ثلاثة أيام متتالية، ناهيك عن أن أدنى الخدمات، أو أبسط مقومات الحياة الكريمة، لا تتوفر لهن ولأطفالهن في هذه القرى التي يرفضن التهجير منها مهما كان الثمن.

تقول سجى عودة الأطرش (18 سنة)، التي خسر والدها أرضه بسبب تجريف الاحتلال لها وزراعتها بالأشجار الحرجية، إنّ "معاملة الاحتلال كانت همجية، دخلوا البيوت وألقوا القنابل الصوتية على الأطفال والنساء".

وتوضح سجى، لـ"العربي الجديد"، أن "الأرض مصدر دخل والدي وأعمامي وجدي. أشجار الزيتون التي تم اقتلاعها كانت مصدر دخل لنا، وفي المقابل زرعوا مكانها أشجاراً حرجية لا يمكن أن تفيدنا في هذه الصحراء التي نعيش فيها". 

وتضيف: "أعيش في أسرة مكونة من 8 أفراد. إخوتي وأخواتي جميعاً دون سن الـ18، جميعهم كانوا داخل البيت بعد أن تقرر الإضراب في مدارس القرية، وبالتالي شاركوا جميعاً في الاحتجاجات السلمية".

وحول كيف تمكنت النساء والفتيات من الخروج والاحتجاج رغم أن الوضع لم يكن يسمح بهذا الأمر، تقول سجى الأطرش "تم اعتقال معظم الشباب والرجال، وبالتالي إن لم نقف نحن، فمن علينا أن ننتظر؟ والمثلج للصدر أننا لاحظنا اليوم تغطية إعلامية عالمية لقضيتنا، ولا مانع من وجود مزيد حتى لا يتم التعتيم على قضيتنا".

وعما إذا كانت عملية اعتقال النساء أثرت سلباً على عزيمتهن للمشاركة في أي احتجاجات أو فعاليات مقبلة، تؤكد سجى أن "الاعتقالات لم تؤثر علينا أبداً. على العكس تماماً، فقد عادت الفتيات المعتقلات أكثر عزماً وإصراراً على الوقوف والتصدي لآليات التجريف من جديد".

وتشدد على أنهم "لن يصلوا إلى هدفهم بأسلوب القمع الذي اعتمدوه لترهيبنا. وقد عاد المتطرفون بعد التظاهرة التي جرت يوم الجمعة لمحاولة الاعتداء على قريتنا ليلاً، لكننا فوتنا الفرصة عليهم". 

وتوضح أنه "خلال احتجاجاتنا حاولنا الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، لبث ما يحصل بشكل مباشر. وقد حاولوا (قوات الاحتلال) اعتقالي خلال قيامي ببث مباشر، لكن تم إخلاء سبيلي لأنني لم أقم بما يخالف القانون".

تمسك باستئناف الاحتجاج إذا عادت التعديات على أهالي النقب

وتؤكد سجى أنها "ستعود مرة أخرى للاحتجاج إن عادت التعديات على أرضنا. لقد تعاملوا معنا وكأننا حيوانات، وللمرة الأولى يستخدمون معنا قنابل الغاز وأساليب القمع. ومع ذلك، أكرر مرة أخرى بأننا لن نتنازل عن حقنا، وستشارك النساء إلى جانب الرجال في كل المواقع النضالية".

وتقول إسراء حسين الأطرش (20 سنة)، شقيقة رانية (16 سنة)، التي اعتقلت من دون أي سبب في أحداث هبة سعوة: "رأينا القوات دخلت القرية، وبدأت عملية التجريف". وتضيف أنه "فيما كان الشباب يحتجون على مفرق القرية، بقيت النساء إلى جانب البيوت، ولم نشكل أي خطر على القوات كما ادعوا". 

وتؤكد إسراء، لـ"العربي الجديد"، "أنهم دخلوا القرية وهاجمونا وبدأوا بدفعنا، وقاموا بسحب رانية واعتقالها أولاً، ثم سجود الأطرش ابنة عمي. يفترض أن تقوم مجندات باعتقال النساء، لكن رانية وسجود اعتقلتا على أيدي مجندين رجال، قاموا باستخدام ألفاظ بذيئة ضد رانية ظناً منهم أنها ستخاف، إلا أنها لم تتردد في الرد على الإهانة اللفظية والدفاع عن نفسها".

لم تتردد رانية الأطرش في الدفاع عن نفسها في وجه مجندين حاولوا إخافتها

وتوضح أنه "تم الإفراج عن رانية في اليوم التالي، وفرضوا عليها دفع غرامة والدخول لحبس منزلي لعشرة أيام، ولم يسمحوا لها بالخروج إلا لتقديم امتحان الشهادة الثانوية. أما سجود فتم إخلاء سبيلها بكفالة طرف آخر، وفرض عليها الحبس المنزلي لدى الكفيل لعشرة أيام، ودفع غرامة مالية أيضاً".

أوامر بالحبس المنزلي

معنويات رانية وسجود عالية تماماً كما كانت قبل الاعتقال. ولم يتسن لـ"العربي الجديد" التواصل معهما بشكل مباشر، بسبب أمر الحبس المنزلي، إلا أن إسراء نقلت رسالة من رانية مفادها بأن "ما حصل سيتكرر من جديد، لأن هذا متوقع. حدثت مثل هذه الأعمال العام الماضي في قرية خربة الوطن، وفي أراضي عائلة الأطرش كنوع من التمهيد لما حدث قبل أيام". 

وتضيف: "وضعت لافتات العام الماضي تفيد بمنعنا من دخول أراضينا بزعم أنها تابعة للدولة، وذلك على الرغم من أن شجرة التين المزروعة في أرض عائلتي، والتي قاموا باقتلاعها، عمرها أكثر من 70 سنة، أي أكبر من عمر الاحتلال نفسه".

من جهتها، تقول الطالبة جنين الأطرش (16 سنة)، التي اعتقلتها قوات الاحتلال لنحو ساعتين، "كنت أقف مع صديقاتي للاحتجاج. لم نقم بما يخيف الشرطة، التي كانت تطارد الشبان المتظاهرين على مفرق القرية".

وتشير إلى أنه تم اعتقالها "لأنني أقف مع المحتجين. اقتادوني للتفتيش معتقدين أن لدي ما يهددهم كسلاح أو غيره، وقاموا باحتجازي لنحو ساعتين. رأيتهم يضربون الشبان المحتجزين بطريقة وحشية. أطلق سراحي وعدت إلى المنزل بسلام وبمعنويات عالية".

أما والدها سليمان فيوضح، لـ"العربي الجديد"، أنه "بسبب عمله كسائق شاحنة، فإنه مضطر للخروج (من منزله) مبكراً جداً. وبالتالي لم يكن لدي علم بأن القوات عادت لمهاجمة القرية وتجريف الأراضي". 

ويشير إلى أن "جنين شاركت صديقاتها وقفتهن خارج المنازل، من دون القيام بأي خطوة مثيرة للقلق. لم تقم سوى بالاحتجاج السلمي، ورغم ذلك اعتقلتها المجندات وقمن باقتيادها إلى سيارة المعتقلين لمدة ساعتين. ويبدو أنهم اضطروا للإفراج عنها لأنها قاصر".

وعن شعوره عند رؤيته، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورة ابنته بين المعتقلين، يؤكد سليمان أنه "لم يشعر بالخوف أبداً. تواصلت مع والدتها وعدت إلى البيت ووجدتها هناك. الحمد لله لم تصب بأي أذى، لكني فخور جداً بها، ولا أرى أي سبب يمنعها من الاحتجاج، فالأرض أرضها وأرضنا، وعلى الجميع الوقوف ضد مخطط المصادرة والتحريش".

المساهمون