هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ الألمانية.. فوائد لليمين المتطرف تنغصها خلفية المهاجم

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
21 ديسمبر 2024
قتلى وجرحى جراء حادثة دهس في سوق لعيد الميلاد بألمانيا
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت ألمانيا هجومين على أسواق عيد الميلاد، الأول في برلين عام 2016 تبناه تنظيم داعش، والثاني في ماغديبورغ حيث قُتل أربعة أشخاص، مما أثار تساؤلات حول الأمن والسياسة.
- المهاجم في ماغديبورغ، طالب جواد عبد المحسن، سعودي معارض وناقد للإسلام، مما أدى إلى تعقيد المشهد السياسي والإعلامي في ألمانيا.
- خلفية المهاجم تسببت في ارتباك حول تصنيف الهجوم، مع مخاوف من استغلال الحادثة للتحريض ضد اللاجئين والإسلام، وتأثيرها على العلاقة بين ألمانيا ومجتمعات الهجرة.

لعلّ الألمان لم ينسوا بعد هجوم شاحنة على سوق هدايا أعياد الميلاد في ساحة بريتشيدبلاتز بعاصمتهم برلين يوم 19 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، حتى جاء الهجوم ليلة أمس على سوق الميلاد في ماغديبورغ، ليطرح مجددا أسئلة كبيرة عن الأمن والسياسة والمجتمع، قبل شهرين من الانتخابات العامة المبكرة في 23 فبراير/شباط القادم.

هجوم 2016 الذي أسفر عن مقتل 13 شخصا وجرح العشرات سرعان ما تبناه تنظيم داعش، فألصق - من اليمين القومي المتطرف بطبيعة الحال - بالمسلمين واللاجئين، وخاصة أنه لم يمض أكثر من عام على التدفق الكبير للاجئي مسار البلقان في أواخر 2015.

مساء أمس الجمعة كان عدد الضحايا في ماغديبورغ أقل، إذ قُتل حتى الآن في عملية الدهس أربعة حسب صحيفة بيلد، إضافة إلى 41 إصابة خطرة جداً. كما ذكرت الصحيفة نفسها أن 86 شخصاً يتلقون العلاج في المستشفيات من إصابات خطرة، بينما أصيب 78 آخرون بجروح طفيفة. وبغض النظر عن الأعداد فإن هجوم أمس يشكل صدمة حقيقية للشارع الألماني. فالمدينة الواقعة وسط ألمانيا، وإلى الغرب من برلين، بدأت تشهد منذ صباح اليوم السبت تدفقا للمواطنين نحو كاتدرائيتها وبالقرب من السوق لوضع الزهور على أرواح الضحايا، بينما رسميا تقرر تنكيس العلم فوق المباني العامة. ذلك كله وسط تدحرج الأسئلة عن المنفذ الذي جرى اعتقاله، وخصوصا حول أهدافه ودوافعه.

اضطراب وضبابية الدوافع

بالطبع شكل هجوم 2016 فرصة كبيرة لطرح حزب البديل لأجل ألمانيا نفسه بقوة كمدافع عن الألمان، من خلال المسارعة إلى توظيفه آنذاك في مصلحة تعزيز مواقفه المناهضة للمسلمين والمهاجرين عموما. فالهجوم تبنى تنظيم داعش بسرعة مسؤوليته عنه والمهاجم كان أنيس العامري الذي بث أيضا فيديو عنه يظهر فيه الولاء للتنظيم، قبل أن يفرّ عبر الحدود ويقتل في ميلانو أثناء مطاردة الشرطة الإيطالية.

أما الهجوم الجديد في ماغديبورغ فمنذ مساء أمس الجمعة وحتى صباح اليوم السبت لم يكن هناك حديث على المستوى السياسي-الإعلامي عن "إرهاب" و"إسلاميين"، كما جرت العادة. فوسط حالة الذعر الذي عاشته البلاد المأزومة سياسيا واقتصاديا بدأت وسائل الإعلام تنطق بحرف أول من اسم المهاجم، ومع إشارة إلى أنه يحمل إقامة لجوء في ألمانيا، ليفهم أنه ليس مواطنا، ودون ربطه كما جرت العادة بعمل إرهابي، أو على الأقل بـ"الإسلاميين". وربما يكون التعاطي الرسمي بعيدا عن نمطية الاتهام متعلق بمخاوف ما يمكن أن يؤدي إليه الهجوم من صدام في الشارع الألماني ضد اللاجئين عموما.

عليه، تكشف سريعا، وإن بصورة غير رسمية بعد، اسم المهاجم المفترض الكامل: طالب جواد عبد المحسن، منشق سعودي هارب إلى ألمانيا منذ 2006 وحصل على اللجوء فيها في 2016 ويعرف نفسه بأنه ملحد ومعاد وناقد للإسلام. الرجل أيضا طبيب نفسي، متحمس لدولة الاحتلال الإسرائيلي وللصهيونية ولقتل المدنيين الفلسطينيين، ويحمل برلين مسؤولية تحويل ألمانيا إلى "الأسلمة".

أدى الكشف عن هوية عبد المحسن، وترجمة بعض تغريداته على موقع إكس، ويظهر فيها تهديد بالعنف ضد ألمانيا، بسبب ما يقول عنه "اضطهاد اللاجئين السعوديين"، إلى خلط الأوراق عن خلفيته ودوافعه.

ومن ناحيتها عبرت الرياض سريعا عن إدانة الهجوم، وقدمت التعازي للحكومة والشعب الألمانيين. واقتنص رواد مواقع التواصل الاجتماعي السعوديون الفرصة للتذكير بأن برلين رفضت تسليم عبد المحسن، الذي يعتبر نفسه أيضا "معارضا عسكريا". وحتى مالك منصة إكس، إيلون ماسك، لم يتركها فرصة، بعد أقل من 24 ساعة على إعلانه تأييد "البديل" القومي المتطرف في الانتخابات الألمانية القادمة، للغمز من زاوية أن طالب مطلوب للرياض ورفضت برلين تسليمه. فماسك يريد القول إن الطبقة السياسية الألمانية متخاذلة، وبالتالي الأنسب هو انتخاب "البديل" لحل مشاكل البلد مستقبلا، وفي ذلك بالطبع انحياز واستغلال لعمل راح ضحيته أبرياء.

وكان المهاجم المفترض عبد المحسن (50 عاما) سجل في أغسطس/آب الماضي تدوينة في موقعه على منصة إكس فيها تهديد لألمانيا يقول فيها: "أطمئنك أنه إذا أرادت ألمانيا حربا فنحن لها. إن أرادت ألمانيا أن تقتلنا فسوف نذبحهم أو نموت أو ندخل السجن بكل فخر. لأننا استنفدنا كل الوسائل السلمية فما لقينا من الشرطة وأمن الدولة والنيابة والقضاء ووزارة الداخلية (الفدرالية) إلا المزيد من الجرائم ضدنا. فالسلم لا ينفع معهم".

إذا، اختلاط الأوراق والارتباك الذي تتسبب فيه خلفية المهاجم الموصوف بأنه "معاد وناقد للإسلام"، بل يتجاوز مواقف اليمين المتطرف في "البديل" وحركة بيغيدا (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة القارة، انطلقت في 2013) لجهة التحذير من أن "ساسة ألمانيا يعملون على أسلمة البلد عبر الهجرة واللجوء"، بات يربك المشهد أكثر. وتقارب أفكار المهاجم المفترض مع أفكار اليمين المتطرف وتبنيه نظرية المؤامرة لا يعني حتى الآن أن "البديل" لن يذهب إلى انتهازية استغلال الدين الأصلي للمهاجم المفترض وفتح النار على المسلمين، بغض النظر عن توافقه مع أفكاره. مع ذلك، يمكن للهجوم أيضا، إذا وضع في إطاره التحريضي المتطرف ضد اللاجئين والإسلام، أن يأتي بنتائج عكسية، وخصوصا إذا ما احتسب كإرهاب بدوافع يمينية متطرفة.

الساعات المقبلة ستقدّم بعض الأجوبة على حالتي الإرباك والتردد في تصنيف الهجوم، وتأثيراته الفعلية على العلاقة الألمانية بعموم مجتمعات الهجرة واللجوء في البلد، وخاصة مع الاستغلال الدائم لأحزاب يمين ويمين متطرف لأحداث فردية من أجل ردها على تلك المجتمعات بالتعميم.

الساعات المقبلة ستقدّم بعض الأجوبة على حالتي الإرباك والتردد في تصنيف الهجوم

في كل الأحوال، فإن الغوص في موقع "الدكتور طالب عبد المحسن" على منصة إكس، الذي لا يزال فاعلا حتى قبل ظهر اليوم السبت، ومع أنه معروف كطبيب نفسي، يعطي انطباعا عن حالة غضب تعتمر الرجل على الشرطة والنظام القضائي الألمانيين. فهو برأيه نظام خذل الفارين السعوديين، بمن فيهم شابات يتعرضن برأيه لشتى صنوف الاستغلال وسوء المعاملة ولامبالاة من الدولة الألمانية، وخصوصا الاستغلال، بحسب اتهاماته، من قبل منظمة ملحدين ألمان.

وربما الساعات القادمة ستكشف رسميا أيضا مدى ارتباط ذلك الغضب، وموقعه على إكس يحمل بندقية، والشعور بالخذلان من سياسات برلين بالهجوم الدامي الذي ارتكبه بحق أسر ألمانية تتسوق الهدايا لأعياد الميلاد.

ذات صلة

الصورة

سياسة

حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزيرة الداخلية نانسي فيزر جميع مؤيدي عائلة الأسد التي كانت تحكم سورية من محاولة الاختباء في ألمانيا.
الصورة
المخيم من أجل غزة في حديقة قبالة مقرّ البرلمان الألماني في برلين - نوفمبر 2024 (ربيع عيد)

مجتمع

أعادت مجموعة من الناشطين الألمان نصب مخيمها الاحتجاجي "لأجل غزة" أمام "البوندستاغ" في برلين، احتجاجاً على استمرار ألمانيا في تزويد إسرائيل بالسلاح.
الصورة
المصورة الوثائقية الألمانية ــ الإيرانية شيرين عابدي/ فيسبوك

منوعات

واجهت المصورة الوثائقية الألمانية ــ الإيرانية شيرين عابدي موجة انتقادات بعد قولها عبارة "فلسطين حرة" أثناء تسلمها جائزة الجمعية الألمانية للتصوير
الصورة
وزيرة الخارجية الألمانية خلال مؤتمر صحافي، 23 يوليو 2024 (فرانس برس)

سياسة

دعت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، اليوم الأربعاء، إلى فتح تحقيق ضد وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
المساهمون