استمع إلى الملخص
- **جيبوتي بين الحياد والمصالح الاقتصادية:** خلال قمة التعاون الصيني الأفريقي، حاولت جيبوتي تقديم اقتراحها، لكن الرئيس الصومالي رفض لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي. جيبوتي تخشى من تداعيات الأزمة الاقتصادية وتسعى للحفاظ على موقف الحياد.
- **خيارات إثيوبيا المحدودة وتداعيات المقترح الجيبوتي:** قبول إثيوبيا للمقترح قد يفقدها فرصة تأمين قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، بينما الرفض قد يعزز صورتها كدولة توسعية. ثلاثة عوامل تمنع إثيوبيا من قبول المقترح: استراتيجيتها في البحر الأحمر، غياب عضويتها في "مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، وغياب وحدة الصف في الصومال.
مع تسارع حلقات الأزمة السياسية بين الصومال وإثيوبيا بشكل أثار قلق أطراف الأزمة ودول الجوار خوفاً من تدهور الوضع إلى صدام مسلح بين أديس أبابا ومقديشو، إثر نشر إثيوبيا قوات عسكرية لها على الحدود مع الصومال رداً على المساعدات العسكرية المصرية لمقديشو، بادرت جيبوتي إلى تقديم اقتراح بمنح ميناء بحري لإثيوبيا في محاولة لنزع فتيل الأزمة بين الجارتين.
ورأى محللون أن اقتراح جيبوتي غير كافٍ لنزع فتيل الأزمة بين الصومال وإثيوبيا نظراً لطموح الأخيرة لإيجاد منفذ بحري خاضع لسيطرتها، إلى جانب امتيازات ميناء بربرة في صوماليلاند (إقليم أرض الصومال الانفصالي غير المعترف به دولياً) الذي منحها إمكانية تشييد قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الرئيسية في التجارة العالمية. وعلى الرغم من أن البعض رأى أن المبادرة الجيبوتية لم تأت من فراغ، بل سبقتها تلميحات إثيوبية إيجابية بهذا العرض، إلا أن إمكانية الفشل أكبر، نتيجة سقف أديس أبابا وطموحها لتأمين منفذ بحري، مطيحة بالوساطة التركية، بالإضافة إلى الرفض المتوقع من الجانب الإريتري للاقتراح الجيبوتي لتوفير أديس أبابا إمكانية الوصول إلى ميناء تاجورة المجاور لها.
جيبوتي بين الصومال وإثيوبيا
شكّلت القمة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عُقد في بكين، بين 4 و6 سبتمبر/أيلول الحالي، فرصة لجيبوتي لعرض اقتراحها رسمياً على إثيوبيا مستغلة حضور الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لكن التوقعات جاءت عكس ذلك؛ إذ رفض الرئيس الصومالي إجراء لقاء مع أبي أحمد، وفشلت مساعي كل من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة والموريتاني محمد الغزواني، وهو ما أطاح بآمال جيبوتي لتقديم صفقة ميناء تاجورة للجانب الإثيوبي لمنع تفاقم الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حسبما اعتبر الباحث والمحلل الصومالي محمد عبد الله.
وقال عبدالله في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من مبادرة جيبوتي بوصفها وسيطا ناجحا في إحدى أكثر الأزمات التي شهدتها المنطقة تعقيداً منذ عقود، إلا أن مبادرتها حيال الأزمة بين الصومال وإثيوبيا جاءت بمثابة استشعار مبكر منها نظراً لتأثيرات الأزمة على الإقليم، من تحديات اقتصادية إذا تطورت إلى مرحلة الاحتدام العسكري، لأن جيبوتي ستكون المتضرر الأكبر من تداعياتها اقتصادياً وأمنياً. وأضاف عبد الله، أن "جيبوتي تحرص من خلال هذا الاقتراح على الأرباح الاقتصادية التي تجنيها من الجانب الإثيوبي في مقابل استخدامها لموانئها توريداً وتصديراً، فتوجه إثيوبيا إلى البحث عن بدائل وتنويع الموانئ التي تستخدمها لا يصب في مصلحة جيبوتي، ولهذا أرادت أن تحرج أديس أبابا في هذا العرض، وتقدم نفسها وسيطا بين الصومال وإثيوبيا يقدم منفذاً بحرياً لإثيوبيا، من أجل إخماد نار هذه الأزمة التي تهدد استقرار المنطقة الهش أصلاً".
محمد عبدالله: جيبوتي تخشى عواقب الأزمة اقتصادياً
أشار عبد الله إلى أن "جيبوتي تخشى من عواقب التداعيات الاقتصادية أكثر من التحديات الأمنية، فقبول إثيوبيا بهذا العرض يزيل التوتر الجيواقتصادي الجيبوتي، بمعنى أنها أمّنت وأغلقت باب التنافس على موانئها في المنطقة. كما أن الحماية المتوفرة من قبل الدول التي لها قواعد عسكرية في بلدها، لا تسمح لإثيوبيا بالمغامرة في السيطرة على موانئها مستقبلاً". ولفت عبد الله إلى أن "جيبوتي تسعى للحفاظ على موقف الحياد من أزمة الصومال وإثيوبيا عبر إمساك العصا من الوسط بين حليفها القديم والاستراتيجي (الصومال) وحليفها الاقتصادي (إثيوبيا). وهذه المبادرة تأتي في إطار بحثها عن أي وسيلة يمكن أن تساهم في حل هذه الأزمة حتى لا تضطر للانحياز إلى طرف على حساب الآخر، وتكون أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن تخسر حليفها الاستراتيجي وتفقد مكانتها لدى الصومال، أو أن تخسر حليفها الاقتصادي ومن أهم مصادرها الاقتصادية بعد القواعد العسكرية في بلدها". وأضاف أن "هناك أمراً آخر قد لا يتبلور في الوهلة الأولى في مضامين هذا المقترح، وهو تحويل التحالف الاقتصادي بين جيبوتي وإثيوبيا إلى تحالف أمني واستراتيجي ضد إريتريا، التي تكن العداء للبلدين".
خيارات إثيوبية محدودة
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية (مقرها مقديشو) الصومالي أبوكر إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن اقتراح جيبوتي يضع أديس أبابا في موقف حرج، فقبول المقترح سيفقد أديس بابا فرصة تأمين قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، لتحافظ على ثقلها في المنطقة والخروج من خندق الدولة الحبيسة. أما الرفض لهذا المقترح وهو أقرب إلى الاحتمال، فقد ينهي مبررات إثيوبيا وتكون محط أنظار العالم، بوصفها دولة طامعة توسعية تهدد أمن منطقة القرن الأفريقي. وأضاف إبراهيم أنه من غير المستبعد أن تجري جيبوتي وإثيوبيا مفاوضات دبلوماسية تحت سقف بعيد عن الأنظار، حول مقترح ميناء تاجورة الجيبوتي. وأعلن وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف عن نيّة بلاده منح إثيوبيا منفذاً بحرياً تجارياً كامل السيادة، لكن أديس ابابا لا تزال تدرس المقترح الجيبوتي واحتمالية فرص تحقيق منفذ بحري يجمع لها الأغراض التجارية والعسكرية معاً من الطرف الصومالي، عبر مذكرة التفاهم مع إقليم صوماليلاند المحلية.
وأكد إبراهيم أن ثلاثة عوامل سياسية قد تمنع أديس أبابا من الاستجابة للمقترح الجيبوتي في الوقت الراهن، فاستراتيجية إثيوبيا في المنطقة في ظل الصراع الدولي للتموضع في البحر الأحمر عبر توقيع اتفاقيات بين الدول العظمى والدول الواقعة على ضفتي البحر الأحمر، توحي ببروز تحالفات جديدة قد لا يكون فيها دور لأديس أبابا، ما ينهي دورها القديم والتاريخي شرطيا للمنطقة مستقبلاً. أما العامل الثاني فهو غياب عضوية إثيوبيا عن"مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، الذي أنشأته السعودية في يونيو/حزيران 2020، المكون من ثماني دول، وهي السعودية والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا ومصر واليمن والأردن. ويسمح هذا التحالف في إنشاء قواعد عسكرية لدوله، مما يضعف مكانة إثيوبيا الإقليمية وينسف فكرة قبول الاقتراح الجيبوتي من قبل حكومة أبي أحمد راهناً.
أما العامل الثالث الذي يدفع إثيوبيا لتجاهل هذا المقترح، وفق إبراهيم، فهو غياب وحدة الصف في الصومال والخلافات بين المركز والأطراف في كيفية التعاطي مع الطموحات الإثيوبية للوصول إلى البحر الأحمر، مع تمكن أديس أبابا من شق صف وحدة الصومال عبر اللجوء إلى الولايات الفيدرالية المتحالفة معها. وتتطلع إثيوبيا إلى الوساطة التركية في أزمتها مع الصومال، فقبول مقديشو الجلوس مع أديس أبابا يعتبر إشارة إيجابية تمكّن أديس أبابا من تحقيق حلم منفذ بحري يكون تحت كامل سيادتها. أما احتمالية قبول إثيوبيا مقترح جيبوتي، بحسب إبراهيم، فعُدّ "آخر خيار لأديس أبابا إذا تعذّر حلم الوصول إلى البحر الأحمر من خلال الاتفاق مع إقليم صوماليلاند. ولفت إلى أن إثيوبيا تعاني صراعات داخلية فهي لا تحتمل حالياً صراعاً جديداً على حدودها مع الصومال، وذلك في حال تطبيق التحالف العسكري الصومالي المصري، ولمنع أي تأثير محتمل لدى القاهر من تأجيج صراعاتها الداخلية قد تلجأ اديس أبابا للاستفادة من المقترح البحري الجيبوتي لإنهاء أزمتها مع مقديشو.
أبوكر إبراهيم: قبول إثيوبيا مقترح جيبوتي سيفقدها فرصة تأمين قاعدة عسكرية في البحر الأحمر
المقترح البحري الجيبوتي يمنح الصومال فرصة تعميق تعاونها مع مصر، فكلاهما يترقبان الرد الإثيوبي على هذا العرض الجيبوتي لإعادة تقييم إجراءاتهما الدبلوماسية ضد إثيوبيا التي تعد بالنسبة لهما تهديدا حقيقياً لأمنهما القومي، بحسب المحلل السياسي الصومالي أويس عدو، الذي رأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مقديشو حققت انتصارات دبلوماسية لصدّ أطماع أديس أبابا في الوصول إلى البحر الأحمر عبر طرق ملتوية والالتفاف على الشرعية الدولية، بسبب تحركاتها الدبلوماسية التي حالت دون نجاح إثيوبيا صياغة مبرراتها وحقها القانوني في الحصول على منفذ بحري وفق القانون الدولي. وأضاف عدو أن الصومال ينتظر الموقف الإثيوبي من هذا المقترح، لكنه يؤمن بأن إثيوبيا لن تدع أهدافها في المنفذ البحري، حتى وإن قبلت المقترح الجيبوتي، مما يوسع هوة عدم الثقة بين البلدين في المستقبل بل يستحيل التعاون الدبلوماسي بينهما مستقبلاً.
التعاون المصري ـ الصومالي
أما عن مستقبل التعاون العسكري بين الصومال ومصر في حال وافقت إثيوبيا على المقترح الجيبوتي، فاستبعد عدو أن يتأثر التعاون العسكري الصومالي ـ المصري بشكل مباشر في ضوء التطورات الأخيرة بخصوص العرض الجيبوتي، لأن هذا التعاون يلزم الأطراف الموقعة عليه بتنفيذ بنوده، ويمكن أن لا يرى هذا الاتفاق النور إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية في تنفيذ مخرجات هذا التعاون. كما ستفقد مصر أيضاً الحجج التي روجتها وربطت وجودها في الصومال بموجبها. وقال عدو: ما لا يختلف عليه اثنان، أنه في حال ظهرت مضامين هذا المقترح ستتغير معالم التعاون والوجود المصري في الصومال، لأن وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر قد يضر بمصلحة الصومال ومصر أمنياً واقتصادياً.
وعلى الرغم من أن إريتريا لم تعلق رسمياً على المقترح البحري الجيبوتي لإثيوبيا، إلا أن التزامها الصمت يوحي بعدم قناعتها به، وأنها في موقف المتابعة والمراقبة، نظراً لأسباب عدة تتعلق في المقام الأول بأمنها القومي إلى جانب مخاوفها من أن ينقل هذا المقترح التعاون بين إثيوبيا وجيبوتي إلى شراكة طويلة الأمد واستراتيجية في المنطقة، ما يجعلها دولة منعزلة جغرافياً بحسب الباحث والمحلل السياسي الإريتري عبد القادر محمد علي. وقال علي لـ"العربي الجديد"، إنه بالنظر إلى الخلاف الثنائي بين إريتريا من جهة وجيبوتي وإثيوبيا من جهة أخرى، لا يسمح لإريتريا بقبول هذا المقترح الذي سيساهم في التقارب وبناء شراكة استراتيجية بين جيبوتي وإثيوبيا، مما قد يضع أسمرة في وضع شبه حصار من المحور الجنوبي. وأضاف أن وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر بالطريقة التي تطمح بها، سيحولها إلى لاعب أمني واقتصادي في آن واحد، مما سيضعف موقف إريتريا.