جربة وتداعياتها

15 مايو 2023
من الانتشار الأمني بعد الاعتداء في جربة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تبدو علامات الاضطراب واضحة على السلطة في تونس إزاء اعتداء جربة (الأربعاء الماضي) وكيفية التعامل معه، والحد من تداعياته، وأياً كانت أسباب العملية ودوافعها الحقيقية، فقد قرر المسؤولون في نهاية الأمر تكييفها على أنها "عملية إجرامية"، وهو ما قاله الرئيس قيس سعيّد في آخر اجتماع مع وزرائه، الجمعة الماضي.

غير أن سعيّد لا يريد أن يضيّع فرصة كهذه من دون ضرب خصومه، ولذلك، فإنه على الرغم من الطابع الإجرامي للعملية الذي أقره بنفسه، لا ينفك عن محاولة إلصاق التهمة بمعارضيه، ويلمح إلى علاقتهم بالموضوع، قائلاً في الاجتماع: "الذين يخططون لسفك الدماء هم أنفسهم الذين يسعون إلى افتعال الأزمات بشتى السبل، لتأجيج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وللتنكيل بالشعب في قوته ومعاشه".

لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى كل الربح الممكن والحد من كل خسارة ممكنة، ومحاولة إرضاء الجميع، ولذلك يهاجم أولئك: "الذين يتحدّثون عن السامية"، و"الفلسطينيون يُقتلون كلّ يوم من شيوخ ونساء وشباب وبيوت تهدم ولا أحد يتكلم". ويتنبه سريعاً في جولة له في العاصمة، أول من أمس السبت قائلاً: "هنا في هذا المكان كانت خيام الجيش النازي، وكان اليهود يختبئون في منزل جدّي هذا...".

يريد الرئيس أن يربح الجميع، أو على الأقل ألا يخسر أحداً في معركة طاحنة ضد معارضيه، الذين خرجوا السبت للاحتجاج عليه والتنبيه من الخطر المقبل، لأن الرئيس تحدث في اجتماعه بوزرائه عن "ضرورة تطهير الإدارة العمومية من كل من اندس داخلها ويعمل على تعطيل السير العادي لها"، وهو ما قد يوضح طبيعة المرحلة المقبلة من الصراع في تونس.

في كتابه الأخير الصادر منذ أيام "سنوات الطين، تونس من الديمقراطية الكسيحة إلى الاستبداد الشعبوي"، يؤكد الباحث عدنان المنصر، مدير ديوان الرئيس السابق منصف المرزوقي، أن "في كل التجارب الشعبوية للقرن العشرين وإلى حد الآن، جاءت الشعبوية كرد فعل على فشل الديمقراطية الليبيرالية، ونوعاً من التمرد على التمثيلية وإقراراً بعجزها عن مواجهة مشاكل الشعب".

ويضيف: "لكننا اليوم بإزاء عملية قتل ممنهج للديمقراطية وليس علاجها، عوضاً عن تحسين منطق التمثيل، فإننا إزاء عملية تجميع للسلطات في يد واحدة بما يلغي، ليس منطق الديمقراطية الليبيرالية فحسب، بل المنطق الأساس الذي تقوم عليه الفكرة الديمقراطية في المطلق".

وهو ما يعني أننا أمام لحظة قتل الديمقراطية، وأن هذه المرحلة ليست تونسية فحسب، وإنما هي تاريخية لكل المنطقة وتداعياتها ستشمل الجميع، ولذلك تتقاذفها التدخلات الخارجية التي تتزايد يوماً بعد يوم، ولن تفلح تهديدات سعيّد في إيقافها.

المساهمون