بدأت الحملة الانتخابية في تونس الجمعة الماضي، استعداداً لانتخاب برلمان جديد يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول، فيما يرجح خبراء القانون أن يبدأ منقوص العدد ومهزوز المشروعية، بسبب تداعيات المرسوم الانتخابي المليء بالثغرات.
ويتساءل المتابعون للشأن السياسي والانتخابي، في ظل غموض القانون الانتخابي، عن موعد انطلاق البرلمان الجديد وترتيبات تنظيم هياكله وانتخاب رئيسه الجديد.
وأكد رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك إشكالاً سيخلق جدلاً جديداً حول انطلاق البرلمان الجديد، إذ سيكون منقوصاً عددياً من 7 مقاعد بعد عدم تسجيل ترشحات في 7 دوائر انتخابية في الخارج".
وتساءل عما إذا كان البرلمان "سيبدأ أعماله منقوصاً، خصوصاً أنه سيتم في بداية أعماله انتخاب رئيس البرلمان"، مشدداً على أن "هذا الأمر سيخلق جدلاً قانونياً في مقابل عدم وجود مراجع قانونية واضحة للأسف، ففي كل مرة تتغير قواعد اللعبة وتحدث استثناءات، وهي تمس من نزاهة المسار الانتخابي".
وأشار معطر إلى أن ثغرات القانون الانتخابي "فرضت شرط ترشح يقتضي تجميع 400 تزكية، نصفهم من النساء وربعهم من الشباب، وإلغاء التمويل العمومي القبْلي والبَعْدي، وهي صعوبات اعترضت المترشحين، وانعكست في غياب انتخابات في دوائر في الخارج بسبب عدم تسجيل ترشحات فيها، بالإضافة إلى عدد من الدوائر التي لا منافسة فيها بسبب تسجيل مترشح وحيد".
ولفت إلى أن "غياب الحملة وغياب التنافس الانتخابي هو من تبعات خيارات المشرّع في شخص رئيس الجمهورية، وفي عدم تحمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لمهامها، وعدم تقدمها باستشارة واضحة لحماية المسار الانتخابي".
وأضاف معطر أنه "في ظل نفس المرسوم الانتخابي وشروط التزكيات، فإن هناك دائرتين انتخابيتين في الخارج، "آسيا" و"أفريقيا"، يستحيل أن تقام فيها انتخابات بنفس الشروط، حتى وإن أعدنا الانتخابات عدة مرات، فلن تكون هناك من ناحية تقنية ترشحات، لأن عدد الناخبين فيها صغير جداً يقدّر ببضع مئات، وهم مشتتون في العديد من الجهات".
وقال أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "عدم وجود، ولو مترشحاً في هذه الدوائر، يبيّن المشكلات الموجودة في هذا المرسوم الانتخابي، والذي يعدّ قانوناً رديئاً، وقد لاحظنا حتى قبل إجراء الانتخابات ما طرحه من مشكلات بداية من عملية الترشحات".
وبين الدبابي "أن هذا الدوائر المنقوصة لن تعطل انطلاق البرلمان الجديد، لأن النصاب القانوني يتوفر حتى في غياب 10 نواب من جملة 161 نائباً، فالمسألة لن تعيق العملية قانونياً، ولكن سياسيا سيؤثر، لأنه سيكون البرلمان الوحيد أو من بين البرلمانات القليلة في العالم الذي سيبقى منقوصاً عددياً بعد إجراء الانتخابات".
وتابع الدبابي: "هذه سابقة مضحكة ونادرة وطريفة، وإن لم تؤثر على شرعية وقانونية جلساته، فإنه صورته سياسياً ستكون مهزوزة لدى الرأي العام الداخلي والدولي".
وأضاف أستاذ القانون الدستوري: "لا أستغرب تنقيح القانون الانتخابي بخفض عدد التزكيات، فقد لمح رئيس الجمهورية بعد أسابيع من إصدار المرسوم 55 الانتخابي إلى أنه طرح إشكاليات، وتم التلاعب بالتزكيات، وهناك تدخل الأموال، وبالتالي من غير المستبعد تنقيح هذا القانون وهو ما من شأنه أن يضرب مشروعية هذا المسار لأن رئيس الجمهورية يتفنن لوحده وبمفرده في وضع النصوص وتعديلها".
وقالت أستاذة القانون الدستوري، وخبيرة الشأن البرلماني، منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن نعيش مرحلة هذيان قانوني ودستوري، فلا يمكن أن نبني وضعية قانونية عادية منطقية في ظل ما نشهده من تضارب في النصوص القانونية فيما بينها، ومع نص الدستور".
وشددت كريم على أن "البرلمان القادم سيكون برلماناً لا يخلو من الغرابة، لأنه سيكون برلماناً منقوصاً باعتبار أن هناك دوائر انتخابية بلا مترشحين، وهناك دوائر بمرشح وحيد، أي أنه يخوض التجربة الانتخابية دون منافسة مع أي كان".
وتابعت كريم: "بعد تنصيب هذا البرلمان، سيتم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لسد الشغورات، أي أنه سيكون برلماناً منقوصاً وفيه شغور منذ ولادته".
وبينت أستاذة القانون الدستوري أن "العوائق المسجلة خلال الانتخابات ستتكرر مع الانتخابات الجزئية، وبالتالي مطروح تعديل المرسوم الانتخابي، وبما أننا لا نخضع لأي منطق قانوني وسقف دستوري، فإن أي تعديل يعد سهلاً لحل وضعيات مؤقتة، وهذه الطريقة تلغي أي قدسية أو رمزية أو اعتبارية للنص القانوني، وبالتالي ليس لها أي مشروعية باعتبار أنه يمكن تعديلها بجرة قلم وبكل يسر".