تونس بعد حلّ البرلمان: النفق لا يزال طويلاً

05 ابريل 2022
الغنوشي بين أنصاره في العاصمة التونسية، الجمعة الماضي (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

قام الرئيس التونسي قيس سعيد بتصعيد غير مسبوق ضد معارضيه، بشكلٍ يصعب حالياً التكهن بنتائجه وتداعياته. ففي رد فعل مفاجئ على الجلسة العامة الافتراضية التي جمعت 116 نائباً، يوم الأربعاء الماضي، والتي انتهت بإصدار موقف يبطل جميع القرارات الاستثنائية التي أصدرها رئيس الدولة إلى جانب إلغاء حلّ المجلس الأعلى للقضاء، أقدم سعيد على حلّ البرلمان، وإحالة 30 نائباً على التحقيق العسكري، بتهمٍ عديدة، أقلها "التآمر على أمن الدولة"، بمن في ذلك رئيس البرلمان راشد الغنوشي. وبذلك تكون البلاد قد دخلت مساراً جديداً من أزمتها السياسية المفتوحة على العديد من الاحتمالات.

نجاح المعارضة فاجأ سعيد

لم تكن رئاسة الجمهورية تتوقع أن ينجح خصومها داخل البرلمان في تشكيل أغلبية تكون مستعدة للتحرك في اتجاه تحقيق هدف واحد، وهو توجيه رسالة مفادها أن ما أقدم عليه الرئيس من قرارات "ليست شرعية"، وفي مقدمتها تعليق مجلس النواب.

وهو ما اعتبره سعيد "محاولة انقلابية"، وتهديداً لوحدة الدولة. على هذا الأساس دعا مجلس الأمن القومي إلى الانعقاد ليستعين مرة أخرى بالمؤسستين العسكرية والأمنية لمواجهة هذا "الخطر الفعلي" الموجه ضده.

لقد كان مستعداً لاستعمال القوة إذا أبدى معارضوه أي شكل من أشكال المقاومة الميدانية. فبعد الاستهانة بهم واحتقارهم، ووصفهم بأبشع النعوت في محاولة منه لتهميشهم وإخراجهم نهائياً من دائرة الفعل السياسي بتجميدهم، وتجويع بعضهم ووضع عدد منهم تحت الإقامة الجبرية وآخرين في السجون، ها هم بعد مرور ثمانية أشهر على تفرّده بالسلطة، يثبتون له بشكل ملموس أنهم وعلى الرغم من ضعفهم وتشتت صفوفهم، نجحوا في الاتحاد ضد تفرّده بالسلطة، وتصدوا له من داخل مؤسسات الدولة ومن خارجها.


سعيد مستعد للتخلص من خصومه وعلى رأسهم الغنوشي

وتُعتبر إحالة راشد الغنوشي على التحقيق العسكري بصفتيه، رئيساً للبرلمان ورئيساً لحركة النهضة، نقطة تحول في علاقة سعيد بخصومه، ودليلاً على كونه مستعداً للذهاب بعيداً للتخلص من كل الذين يقفون حجر عثرة في طريقه.

ولن يثنيه أحد عن الوصول إلى هدفه وتحقيق مشروعه الأيديولوجي والسياسي. لا يخشى من الأحزاب، ولا يأبه من الضغوط الخارجية التي عادت لتستأنف من جديد بعد قراراته الأخيرة.

وبعد تجميد هبة بقيمة 500 مليون دولار، أوصت الإدارة الأميركية بخفض المساعدة العسكرية الأميركية إلى حدود النصف في عام 2023.

وسارعت رئيسة اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، المعروفة بلجنة البندقية، كلير بازي مالوري بزيارة تونس ولقاء سعيد.

تنامي الضغط الدولي بعد حل البرلمان

وسبق لهذه اللجنة أن دعمت التونسيين خلال مرحلة صياغة دستور 2014، وحاولت في مناسبات عديدة لفت نظر الرئيس التونسي للتأكيد على أن "أيّ إصلاح ديمقراطي ودائم يجب أن يتم مع احترام الدستور وصلاحيات المؤسسات الديمقراطية وضمانات حماية الحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بمن فيهم المشتبه في ارتكابهم للفساد، ضد أيّ تدخّل تعسفي".

كما عادت وسائل الإعلام الدولية إلى الاهتمام بالشأن التونسي وبلهجة شديدة، على الرغم من تداعيات الحرب على أوكرانيا وعلى العالم. وعلى سبيل المثال، دعا الكاتب بوبي غوش، في مقال على موقع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، التي تشكل معاً أكبر كتلة تقدم المساعدات لتونس وتتعامل معها تجارياً، إلى ممارسة الضغط على سعيد.

واعتبر أن "أمامها فرصة سانحة للضغط على الرئيس حتى يبعث الحياة من جديد في جسد الديمقراطية التي خنقها بيديه. المساعدات والتجارة، وكذلك الحاجة الماسة لمساعدة صندوق النقد الدولي، ينبغي أن تكون جميعها مشروطة بإصلاح قيس سعيد سلوكه".

حتى المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال في مؤتمر صحافي إن المنظمة الأممية "تلحظ بعين من القلق القرار الذي اتُخذ لحل البرلمان".


دعوات لربط المساعدات الدولية بإصلاح سعيد سلوكه

من جهته، يعتبر الرئيس التونسي نفسه في حالة حرب مفتوحة ضد خصومه، وهو ما جعله أكثر إصراراً من قبل على المضي قدماً في تنفيذ أجندته.

وعلى الرغم من أن الاستشارة الإلكترونية التي قام بها لم تنجح في تحقيق مشاركة شعبية عالية (اقتصرت على نحو نصف مليون تونسي)، إلا أنه اعتبر أن النتائج التي توصلت إليها كافية، وأن الحوار الذي سيشرك فيه من هم مع إجراءات 25 يوليو/ تموز سيستند إلى تلك المؤشرات، وكذلك الأمر بالنسبة للاستفتاء الذي ينوي تنظيمه قريباً.

كما أن الدستور الجديد الذي ستتم صياغته في التوقيت نفسه سيكون تجسيداً مرجعياً وأميناً لهذه النتائج، مثله مثل القانون الانتخابي الذي يجري الإعداد له خلال الأشهر المقبلة، والذي ستخضع له الانتخابات التشريعية التي ستنظم بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.