تونس... الدولة الضعيفة

17 أكتوبر 2022
عادت الاحتجاجات في أكثر من منطقة تونسية (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

تؤكد المؤشرات المختلفة في تونس أن الدولة تتهاوى وتتراجع، بينما يكاد مسؤولوها يرفعون الصوت ويصرخون أن لا حول ولا قوة إزاء ما يجري في البلاد، وأن المواطن أصبح ولياً على أمره، يتولى شؤونه بنفسه ويدبر حاله بما استطاع. أما الرئيس قيس سعيّد فيكتفي بكلمات، مجرد كلمات، تؤكد حالة الوهن، فيما رئيسة حكومته تلوذ بالصمت، والكل ينتظر بفارغ الصبر أن يصل قرض جديد من صندوق النقد الدولي لعله يغيّر الأحوال، أو لعله بالأحرى ينقذ حكومة عاجزة.

وعاش التونسيون الأسبوع الماضي أياماً عصيبة لم يعتادوها. طوابير بالساعات أمام محطات البنزين المفقود، وبيع الحليب والماء بالتقسيط، ثم تأجج الاحتجاجات في أكثر من مكان. احتجاج في مدينة جرجيس المنكوبة بـ18 مواطناً لقوا حتفهم في مركب هجرة سرية إلى إيطاليا، ولم تكلف الدولة عناء البحث عن جثثهم إلا عندما انتفض الأهالي هناك، وفي مدينة بنزرت لنفس الأسباب تقريباً، واحتجاج وسط العاصمة على عنف الشرطة، بعد مقتل شاب في مقتبل العمر متأثراً بجراحه إثر اعتداء عناصرها عليه، بحسب ما رواه الفقيد نفسه قبل وفاته.

أما سعيّد فيستقبل رئيسة حكومته، نجلاء بودن رمضان، في مشهد مكرر ملّه المتابعون، تصمت هي ولا تنطق ببنت شفة، بينما يقول الرئيس إنه "يتقدم إلى كل عائلات الضحايا بأصدق عبارات التعازي... ويتوجه بالشكر للأهالي، خصوصاً أصحاب المراكب، على ما بذلوه من جهود لمعاضدة القوات العسكرية والأمنية وأعوان الحماية المدنية" بحسب بيان الرئاسة. 

وإزاء هذه الكارثة، لم يجد الرئيس من ضرورة للانتقال إلى عين المكان ومواساة الناس هناك، مكتفياً  بالقول "إن الواجب يقتضي البحث عن الأسباب التي تجعل حتى الأطفال يفكرون في الإلقاء بأنفسهم في عرض البحر في زوارق صارت تُعرف بزوارق الموت". أي مجرد إنجاز بحث اجتماعي وكلمات لا معنى لها، ويبشرنا بـ"أنه تم توفير الكميات اللازمة في كل المحطات، بما يفي بحاجة المواطنين" في انتظار نفاد الكمية طبعاً والعودة إلى نفس المربع.

لا يكترث الرئيس لمآسي هذا الشعب، إلا بما يراه مناسباً لخطبة عصماء. في المقابل، يؤكد أنه سيتم إجلاء الخونة من البلاد، ويقصد معارضيه الذين يثبتون كل يوم فشله وفشل حكومته في تحسين حياة الناس وتحقيق بعضٍ من وعوده التي خدّر بها عقول الناس عندما اجتمعوا من كل الجهات والأفكار على انتخابه. وهم يدفعون اليوم جميعاً ثمن ذلك الخطأ التاريخي الذي ارتكبوه في حق شعبهم وحق أنفسهم، بينما هو يسارع الخطى إلى 17 ديسمبر/كانون الأول، متوهماً أن انتخاب برلمانه سينهي المعارضة اللئيمة والمزعجة من طريقه، ولكنها في الحقيقة لن تكون إلا خطوة أخرى لكي يستفيق ما تبقى من طامعين بأنه لا فُتات سيبقى لهم.

المساهمون