تعطيل تأليف المحكمة الدستورية التونسية: إبقاء القرار بيد سعيّد

17 فبراير 2021
اعتبر الغنوشي أن حل الأزمة الحكومية يكمن في تأليف المحكمة (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

نبّهت أزمة التعديل الوزاري في تونس أخيراً إلى الأهمية القصوى للمحكمة الدستورية ودورها المركزي في حسم الخلافات بين المؤسسات الدستورية؛ رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، واستقرار البلاد السياسي، وانعكاسه بالتالي على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ودعت أطراف عديدة إلى التعجيل باستكمال إرساء المحكمة الدستورية وانتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين من حصة البرلمان، ثمّ تعيين الرئيس التونسي والمجلس الأعلى للقضاء بقية أعضائها. ولكن على الرغم من إحالة مكتب البرلمان مشروع ومقترح القانونيْن الأساسييْن المتعلقيْن بتنقيح وإتمام القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية إلى خلية الأزمة في البرلمان للنظر فيه قبل يوم 19 فبراير/شباط الحالي، على أمل إحالته على الجلسة العامة، إلا أنّ هذا المقترح لم يحظ بموافقة أغلبية الحاضرين في اجتماع خلية الأزمة الذي عُقد أول من أمس الإثنين في قصر باردو، فضلاً عن عدم اكتمال النصاب، ما يعكس المفارقة بين الخطاب والممارسة من قبل جهات سياسية عديدة في البلاد.
وقال رئيس "الكتلة الديمقراطية" محمد عمار، إنّ اجتماع خلية الأزمة في البرلمان الذي انعقد الإثنين الماضي، قرر رفض مقترحات تعديل القانون المتعلق بانتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية، مضيفاً في تصريح إعلامي أنه سيتم بذلك تأجيل عرضه على الجلسة العامة.

المليكي: تعديل القانون المنظم للمحكمة الدستورية لا يجب أن يُنظر فيه تحت الضغط

من جهته، قال رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، تعليقاً على أزمة التعديل الوزاري الناتجة عن رفض رئيس الجمهورية قيس سعيّد أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، إنّ "الحلّ يكمن في بناء المحكمة الدستورية، وإلى أن يتم ذلك، يجب على كل الأطراف التعامل بمرونة حتى لا تتعطل الدولة ومصالح المجتمع"، معتبراً في تصريح إعلامي، أنّ "إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي خمسة وزراء أخيراً، هو حل مؤقت وليس دائماً".

وتضم المحكمة الدستورية في تونس 12 عضواً، يعيّن كلّ من البرلمان ورئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء أربعةً منهم. وينصّ الدستور التونسي على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة بعد المصادقة على الدستور (2014). غير أن الكتل البرلمانية لم تتمكن من انتخاب سوى عضو واحد، هي القاضية روضة الورسيغني، في مارس/آذار 2018 من بين أربعة أعضاء.

وفي السياق، قال الرئيس السابق لـ"الكتلة الوطنية"، النائب حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعديل القانون المنظم للمحكمة الدستورية لا يجب أن يُنظر فيه تحت الضغط، أو لغايات انتقامية من قبل أطراف سياسية ضد أخرى. بمعنى أن المحكمة الدستورية هي آلية قانونية ضرورية ومهمة في تونس، ويجب أن تكون جهة قانونية تضمن أعلى مستويات الحياد، فهي ستنظر في قوانين تونس وتحمي الحقوق والمواطنين". وأضاف: "بالتالي، فالتعجيل بإرسائها بسبب الأزمة الوزارية التي نعيشها سيكون خطوة خاطئة، لأنّ الأزمة الحالية سياسية وحلها يجب أن يكون سياسياً، أما إرساء المحكمة من دون ضمان الحياد، فسيجعلها تخضع للابتزاز وستعمّق الأزمة في تونس".

ورأى المليكي أنّ "هناك انتقادات عديدة لآليات إرساء المحكمة الدستورية، خصوصاً آلية الترشيحات من الكتل البرلمانية للأعضاء، فهذا الأمر يتعارض مع استقلالية المحكمة الدستورية"، مؤكداً أنه "إذا رغبنا في التعجيل بإرساء المحكمة الدستورية، فيجب منح المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية تعيين الأعضاء الثمانية المخوّلين تعيينهم، ممن سيشكلون إلى جانب الورسيغني الأغلبية (9 أعضاء)، وهكذا يمكن للمحكمة الشروع في العمل من دون إشكاليات".

ولفت إلى أنّ "المحكمة الدستورية تعطّلت لنحو 7 أعوام كاملة، بعدما كان الاتفاق أن يكون إرساؤها خلال فترة سنة من المصادقة على الدستور"، مبيناً أنّ "الأطراف التي كان بإمكانها إرساء المحكمة سابقاً رفضت ذلك، كي لا يتمكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، من تعيين 4 أشخاص يختارهم في عضوية المحكمة، وها هي اليوم تجد نفسها في مأزق لأنه كانت هناك سابقاً أغلبية وكان بالإمكان إرساء المحكمة".

من جهته، قال المحلل السياسي، قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه كان يتوقع أن "تعجّل الأزمة الوزارية بإرساء المحكمة الدستورية، لا سيما في ظلّ المأزق الدستوري الحاصل، ولكن هناك خيبة أمل بعد انعقاد خلية الأزمة المكلفة بالنظر في مقترحات تعديل القانون المتعلق بانتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية والتي قررت الإثنين تأجيل النظر في مقترحات التعديل، والسبب عدم اكتمال النصاب". وتابع أنّ "هذا يُفهم منه غياب الرغبة في إرساء المحكمة الدستورية، على الأقل لدى الأطراف التي تغيّبت"، مبيناً أنّ "الأزمة لا تزال مستمرة، والصراع السياسي حول إرساء المحكمة الدستورية أصبح أكثر بروزاً من ذي قبل، ولا سيما بين الأطراف السياسية، والسؤال مَن مِن مصلحته إرساء المحكمة، ومن يعمل ضدّ ذلك، والإجابة على هذا السؤال ستوضح الكثير".

الغربي: الأطراف التي تساند سعيّد ليس من مصلحتها إرساء المحكمة

ولفت الغربي إلى أنّ "الأطراف السياسية التي تريد إرساء المحكمة الدستورية هي التي تعارض سعيّد، أما الأطراف الأخرى التي تساند رئيس الجمهورية، فليس من مصلحتها إرساء هذه المحكمة، والسبب لا يرتبط بمساندة الرئيس، بل لأنّ ذلك يندرج في إطار صراعها مع حركة النهضة وحلفائها"، موضحاً أنّ "غياب المحكمة يضمن للأطراف المساندة لسعيّد، السيطرة على الصراع السياسي، بحيث يكون الأخير هو المفسر الوحيد للدستور، وخلاف ذلك هي ستفقد سلاحاً هاماً في صراعها مع النهضة".

وأشار المحلل السياسي نفسه، إلى أنّ "الوضع كان مختلفاً في الماضي، لأنّ الأطراف الرافضة اليوم، كانت تدافع عن إرساء المحكمة الدستورية، ولكن طبيعة الصراع والمواقع والمواقف اختلفت". وأكد أنّ "استمرار غياب النصاب قد يقود إلى الحد من العدد المطلوب لإحالة تعديلات قانون المحكمة الدستورية على الجلسة العامة، وهي نقطة إيجابية قد تدفع لإرساء المحكمة، ولكنها لا تخلو من خطورة، لأن مشروع القانون قد يذهب لرئاسة الجمهورية للتوقيع عليه، ويتم رفضه لعدم دستوريته. وبالتالي لا مفرّ من التوافق السياسي حول إرساء المحكمة الدستورية، لأنّ المغالبة وفرض الرأي بالقوة لن ينجح".

ولفت الغربي إلى أنّ "الأمر نفسه حدث في التعديل الوزاري، فالظروف الدستورية والقانونية تبدو لصالح المشيشي في تشكيل الحكومة، ولكن عملياً لا يمكنه فعل ذلك"، مضيفاً أنه "لا بدّ من التوجه إلى التوافق السياسي، فالتمسك بالقانون وحده لا يكفي". ورأى أنّ "التعديل الوزاري الذي شمل 5 وزراء أخيراً، يكشف أنّ المشيشي على علم بالوزراء الذين يتهمهم الرئيس بالفساد، وبالتالي هي صيغة للخروج من الأزمة لتجنّب المأزق السياسي"، مؤكداً أنه "مهما كان أداء المشيشي، فإنه لا بدّ من الدفع بالوضع الحكومي إلى الأمام، أي باتجاه الحل، لأنه لا يمكن للأزمة أن تستمر، والأمر نفسه بالنسبة لمسألة المحكمة الدستورية، إذ لا بد من التعجيل في إرسائها".

المساهمون