تعديلات قانونية تجرّم التعذيب في فلسطين تزامناً مع زيارة لجنة أممية

18 سبتمبر 2023
يرى منتقدو القرار في التعديلات محاولات من السلطة لإبراز دورها بمناهضة التعذيب (الأناضول)
+ الخط -

يتزامن إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً لتعديل قانون العقوبات لسنة 1960 الساري في الضفة الغربية، بما يجرّم التعذيب، مع وجود اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب لدى الأمم المتحدة في فلسطين، حيث بدأت زيارتها الأولى لتقييم التدابير المتخذة لحماية الأشخاص محرومي الحرية من التعذيب وسوء المعاملة، وتستمر من 10 إلى 21 سبتمبر/أيلول الجاري.

ورغم ترحيب قانونيين بتلك التعديلات التي أجراها عباس من دون التشاور مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ونقابة المحامين الفلسطينيين، إلا أن كثيرين انتقدوها ورأوا فيها بروباغندا من السلطة الفلسطينية لإبراز دورها وادّعاء التزامها أممياً بمناهضة التعذيب، إضافة إلى إجراء التعديلات بصورة أحادية ومن دون أي تشاور مع النقابة أو المؤسسات القانونية والمدنية المعنية.

ملاحظات عديدة

يرى القاضي السابق والمحامي أحمد الأشقر، في حديث مع "العربي الجديد" أن التعديلات "مهمة وضرورية وحاجة ملحّة للحد من مظاهر التعذيب، خصوصاً أن القانون شمل تعريف التعذيب بمفهومه الواسع".

لكن الأشقر يسجل ملاحظات عدة، منها أنه "لم يعدل على القوانين السارية في قطاع غزة، وبخاصة قانون العقوبات البريطاني لعام 1936، رغم وجود سوابق لتعديلات شملت القوانين السارية في الضفة وغزة على حد سواء".

ويرى الأشقر كذلك وجوب النص بشكل واضح على إلزام القضاة وأعضاء النيابة العامة بالتبليغ عن جرائم التعذيب في السجون، وأن يشمل القانون مفهوم التمييز على أساس الانتماء السياسي، وأن يحوي على مقاربة حقوقية أوسع في مسألة التعذيب المبني على أساس التمييز، فيما يعبّر عن أمله بأن يكون النص قابلاً للتطبيق.

الأشقر: يجب النص بشكل واضح على إلزام القضاة وأعضاء النيابة العامة بالتبليغ عن جرائم التعذيب في السجون

ويشير القاضي السابق إلى تساؤلات عن ولاية النص على العسكريين وأفراد الأجهزة الأمنية، لكونهم يحاكمون أمام المحاكم العسكرية، وفقاً لقانون العقوبات الثوري لعام 1979، وضرورة إيجاد الآليات المناسبة للوقاية من التعذيب والتبليغ عنه، مبيناً أن دون ذلك سيكون أثر النص محدوداً.

من جهته، يوضح المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) عمار دويك لـ"العربي الجديد"، أنّ فلسطين قدّمت العام الماضي تقريرها الأول إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب حول التدابير التي قامت بها من أجل التزام الاتفاقية، لتقدم اللجنة بدورها توصيات، من ضمنها أن يكون هناك تعريف واضح للتعذيب في القانون الفلسطيني، لأنه كان ضيقاً ومجزوءاً ولا يتوافق مع الاتفاقية.

ويؤكد الدويك أن لجنة مواءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي تعتبر الهيئة المستقلة عضواً مراقباً فيها، تعمل منذ عام على هذا الملف.

ورغم تقديم الهيئة المستقلة مقترحاً آخر للتعديلات القانونية، يرى الدويك في التعديل الحالي تعديلاً مقبولاً ومتوافقاً مع الاتفاقية الدولية، ولا يختلف بشكل جوهري عن المقترح، حيث تبنى النصوص الموجودة بالاتفاقية.

في المقابل، يؤكد المستشار القانوني لمؤسسة الحق أشرف أبو حية، لـ"العربي الجديد"، أنه لم تجر استشارة المؤسسات حول هذا التعديل، معتبراً وجوب أن تشكل المواءمة للقوانين مع الاتفاقات الدولية كل التشريعات المتعلقة بموضوع التعذيب، "خصوصاً أن عدم تعديل قانون العقوبات الثوري سيؤدي إلى عدم تطبيق هذه التعديلات على أفراد الأجهزة الأمنية".

ويوافق القاضي السابق أحمد الأشقر على ذلك، بقوله: "أغلب جرائم التعذيب تكون من قبل عسكريين، كان ينبغي أن ينص متن القرار بقانون على أنه يشمل العسكريين والمدنيين على حد سواء".

وعدل القرار بقانون المادة الـ208 من قانون العقوبات الأردني لعام 1960 الساري في الضفة الغربية، حيث أُضيفت تعريفات خاصة بالتعذيب، وإساءة المعاملة، والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، والمعاملة المهينة، والتمييز، بما يجرمها كلها. ويفرض التعديل عقوبات على الموظف العام أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية، بما يصل إلى السجن لسبع سنوات في حالات التعذيب، وقد يصل إلى عشر سنوات إن أدى ذلك إلى ضرر جسدي أو عقلي أو نفسي دائم، والسجن المؤبد إذا أفضى إلى الموت.

في هذه المسألة، يقول عمار دويك إن لديه معلومات عن وجود تعديل آخر على قانون العقوبات الثوري، مؤكداً أنه حين التقى عباس قبل أسبوعين، لتسليمه تقرير الهيئة المستقلة، تحدث معه في ملف مناهضة التعذيب، وفهم منه ذلك.

ويفيد عضو مجلس نقابة المحامين أمجد الشلة لـ"العربي الجديد" بورود معلومات بشكل شخصي له، بوجود تعديلات على قانون العقوبات الثوري، ويرى الشلة إمكانية لتطبيق النص الذي عُدِّل في قانون العقوبات لعام 1960 على العسكريين.

التعديل جيد.. ولكن

ويؤكد الشلة أن نقابة المحامين فوجئت بالتعديل، ولم تستشر النقابة، ويقول: "التعديل ممتاز، وتوسع بمفهوم التعذيب، لكن الأصل في ظل غياب المجلس التشريعي أن يكون هناك دور للنقابة وتدخل تشاوري في القوانين".

ويشير الشلة إلى وجود شراكة بين النقابة ووزارة الداخلية الفلسطينية لإنشاء الآلية الوطنية لمناهضة التعذيب والإشراف على تشكيل الهيئة الوطنية لمناهضة التعذيب، لتراقب عمليات التوقيف ومراكز التوقيف، بغضّ النظر عن التهم، وبحسب الشلة، "فإن ذلك يعد تطوراً إيجابياً ونوعياً يجب الحفاظ عليه".

لكن تلك الهيئة، وتحديداً النص القانوني الخاص بها الذي أقره عباس بقانون العام الماضي، دفعت مؤسسات المجتمع المدني إلى طرح ملاحظات عدّة، إذ يقول أشرف أبو حية: "إن الاعتراضات كان لها علاقة باستقلالية الهيئة، لأن القرار يجعل من رئيسها موظف دولة، والآلية تخضع لقانون الخدمة المدنية والشراء العام، ما يجعلها آلية حكومية".

بينما يشير عمار دويك إلى أن نقاشاً جرى عام 2017، بعد انضمام فلسطين إلى البروتوكول الاختياري، وحصل بعده التوافق مع الحكومة على صيغة معينة للقانون، فوجئت الهيئة المستقلة بنشر قانون مختلف تحفظت عليه لجنة مناهضة التعذيب الأممية، ليحصل مرة أخرى التوافق مع الحكومة على صيغة معدلة موجودة في مكتب عباس بانتظار الموافقة عليها.

وكانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان قد نشرت في تقريرها السنوي لعام 2022، ورود 542 شكوى لها تتعلق بالحق في السلامة الجسدية، بواقع 264 في الضفة الغربية و278 في قطاع غزة.

المساهمون