فشلت جولة تفاوض جديدة بين الوفد الذي يمثل الأهالي في أحياء درعا البلد، جنوبي سورية، وبين النظام والجانب الروسي، وذلك للتباحث حول مضمون "خريطة الحل" التي قدّمها الروس لحل الأزمة في هذه الأحياء والمستمرة منذ أكثر من 50 يوماً. ويرفض الأهالي مبدأ تسليم السلاح الذي يدافعون فيه عن أنفسهم. في المقابل، يواصل النظام السوري الضغط عبر قصف الأحياء السكنية واستمرار إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة.
حول هذه التطورات، قال الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الجانب الروسي والنظام يصران على تسليم الأسلحة كلها الموجودة لدى مجموعات تدافع عن الأهالي في أحياء درعا، وهو ما يحول حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق وفق خريطة الحل الروسي. وأوضح أن القصف من قبل قوات النظام "لم يتوقف" على الأحياء السكنية في منطقة درعا البلد، مشيراً إلى أن حاجز السرايا الذي يربط بين جانبي مدينة درعا (المحطة والبلد) لا يزال مغلقاً. وأشار إلى أن النظام يرسل تعزيزات عسكرية إلى محافظة درعا "تحت أنظار الراعي والضامن الروسي"، مضيفاً: "لم يتغير شيء على الأرض، الحصار مستمر والأوضاع الإنسانية كارثية وجولات المفاوضات مستمرة بين وفد الأهالي والنظام والروس".
لم يتغير شيء على الأرض، الحصار مستمر والأوضاع الإنسانية كارثية
في السياق، ذكرت شبكة "نبأ" المحلية التي تهتم بأخبار الجنوب السوري، أن النظام دفع بقوات عسكرية إلى ريف درعا الغربي تمركز قسم منها في نقاط ومواقع عسكرية، من بينها تل السمن شمال مدينة طفس، وفي قرية الطيرة المجاورة، مشيرة إلى أن قوات النظام "استولت على منازل للمدنيين على أطراف قرية الطيرة، وحوّلتها إلى نقاط عسكرية واستقدمت إليها آليات عسكرية".
وكان الجانب الروسي قد قدّم "خريطة حل" للوفد المفاوض عن أهالي أحياء درعا البلد، تنص على تمركز قوى شرطية تابعة للنظام في مواقع عدة (لم يُحدد عددها) في أحياء درعا البلد، إضافة إلى بندين (سيجري التفاوض على تفاصيلهما خلال الأيام المقبلة) هما تسليم سلاح المعارضة للنظام، وتهجير المعارضين غير الراغبين بالتسوية إلى الشمال السوري، ويُقدر عددهم بنحو 135 شخصاً من مدينة درعا. ويسود محافظة درعا رفض شعبي لتسليم السلاح خشية قيام مليشيات إيرانية مساندة لقوات النظام بعمليات انتقامية تطاول آلاف المدنيين المحاصرين منذ أكثر من 50 يوماً، خصوصاً أن أحياء درعا البلد لها رمزية عالية لدى الشارع السوري المعارض إذ انطلقت منها أولى التظاهرات في الثورة السورية في ربيع عام 2011. ويؤكد الوفد المفاوض أنه لن يوقّع على أي اتفاق "مذل" مع النظام السوري، يمكن أن يعرّض حياة آلاف المدنيين للخطر، ملوّحا بورقة الرحيل الجماعي إلى الشمال السوري، في حال عدم التوصل إلى اتفاق يضمن عدم حدوث انتهاكات ومجازر بحق المدنيين في أحياء درعا البلد.
وكانت فصائل المعارضة السورية قد سلّمت السلاح الثقيل في منتصف عام 2018 عقب اتفاقات تسوية تحت رعاية الجانب الروسي والتي سمحت لمقاتلي المعارضة بالاحتفاظ بالسلاح الفردي، ولكن النظام لم يلتزم بالاتفاق في الكثير من مدن وبلدات محافظة درعا.
ومن الواضح أن النظام يريد بسط هيمنة مطلقة على جنوب سورية، والتخلص من كل المعارضين له في محافظة درعا من خلال تجريد الأهالي من السلاح الفردي ودفع المعارضين للتسوية إلى الشمال السوري، في موجة تهجير جديدة سبقتها موجات أبرزها كان في عام 2018. ولا تزال هناك منطقتان خارج سيطرة النظام في محافظة درعا، هما أحياء درعا البلد، وبلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، حيث يتمركز اللواء الثامن التابع للجانب الروسي بقيادة القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية أحمد العودة. وتحذر المعارضة من اتساع رقعة النفوذ الإيراني في جنوب سورية في حال إصرار الجانب الروسي على دخول قوات النظام السوري إلى أحياء درعا البلد، إذ يتخذ الإيرانيون من هذه القوات خصوصاً الفرقة الرابعة الموالية لهم غطاء لانتشارهم في هذا الجنوب. وأكدت مصادر محلية أن عدة مليشيات إيرانية تنتشر في محيط درعا البلد، منها "حزب الله" اللبناني ولواء "الغيث" التابع للفرقة الرابعة، ومليشيا "قوات أسود العراق"، ولواء "أبو الفضل العباس"، ولواء "الرسول الأعظم".
الروس باعوا الجنوب للإيرانيين بعدما يئسوا من الأميركيين
وفي هذا الصدد، رأى نقيب المحامين الأحرار في محافظة درعا، سليمان القرفان، أن "الروس قد باعوا الجنوب للإيرانيين بعدما يئسوا من جلوس الأميركيين إلى الحوار بخصوص الملف السوري". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "خريطة الطريق التي قدمها الروس بخصوص أحياء درعا البلد، تنص على ضرورة سحب السلاح الفردي وهو مخالف لما تم الاتفاق عليه بتسوية عام 2018"، مضيفاً: "إلا أن المؤشرات توحي بأن الثوار لن يتخلوا عن سلاحهم الفردي تحت أي ظرف، لأنهم على يقين بأنه السبيل الوحيد لردع المليشيات التي يحمل عناصرها سيوفاً في إشارة إلى عزمهم على ارتكاب مجازر بحق المدنيين، كما حصل سابقاً في مناطق عديدة في محافظتي حمص وحماة". وتوقع القرفان أن تكون محافظة درعا "مقبلة على مواجهات ستكون دامية على الطرفين".
على الصعيد الإنساني، لا يزال آلاف المدنيين يعانون من تبعات الحصار المستمر منذ 25 يونيو/حزيران الماضي على أحياء درعا البلد، إذ نفد الغذاء والدواء، وفق مصادر محلية. ووصف المتحدث باسم "تجمّع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، الأوضاع الإنسانية في درعا البلد بـ"الكارثية"، مضيفاً: "لا كهرباء أو غذاء أو دواء في المنطقة بسبب الحصار". وقال في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "حالة من الخوف انتشرت بين مهجري درعا البلد المقيمين في مراكز الإيواء في درعا المحطة، نتيجة انتشار فيروس كورونا في بعض التجمعات السكنية فيها"، مؤكداً "غياب الإجراءات الطبية بشكل كامل". كما كشف الحوراني عن إصابة 31 شخصاً بالفيروس من مهجّري الأحياء المحاصرة، والقاطنين في أحد مراكز الإيواء بدرعا المحطة، وهم من الفئات العمرية المسنة والمتوسطة. وأشار إلى أنّ "هذه التجمعات تفتقر إلى إجراءات الحماية المفترض تطبيقها، فضلاً عن عدم اتخاذ مؤسسات النظام الطبية أيا من التدابير، أو الإجراءات الوقائية للحد من انتشار المرض فيها، خصوصاً بين المسنين، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة".