على الرغم من كل المشاكل التي تواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ولا سيما القانونية، فإنه يواصل مساعيه لتأكيد حضوره وتكريس نفسه كـ"صانع ملوك" في الحزب الجمهوري، ولا سيما عبر الانتخابات النصفية لتجديد جزء من أعضاء الكونغرس الأميركي وحكّام الولايات، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، غير آبه بتداعيات الانقسامات التي يغذيها بين قواعد الحزب الجمهوري على حظوظ هذا الأخير.
دعم ترامب لمرشحين جمهوريين في الانتخابات التمهيدية والنصفية
وفيما يدعم ترامب مرشحين بعينهم ضد آخرين يسعى للانتقام منهم لعدم ولائهم له وتأييدهم لرؤيته ولا سيما بشأن ما يقول إنه "تزوير لنتائج انتخابات 2020"، فإن حملات بعض هؤلاء المرشحين تبدو متعثرة بالفعل، ليبقى أن يتضح خلال الانتخابات التمهيدية للحزب المقررة في مايو/أيار المقبل مدى نفوذ ترامب الفعلي في الحزب الجمهوري، وحظوظه في انتخابات الرئاسة لعام 2024 في حال مضى بالترشح.
يدعم ترامب مرشحين بعينهم ضد آخرين يسعى للانتقام منهم لعدم ولائهم له
وفي سعي ترامب لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري، عاد مجدداً أمس السبت إلى ولاية جورجيا. وقد أدى دعمه لأسطورة كرة القدم هيرشل والكر في هذه الولاية، إلى تمهيد الطريق للأخير للترشح لسباق مجلس الشيوخ الأميركي.
كما يلعب ترامب دوراً نشطاً في سباق اختيار حاكم جورجيا، حيث قام بتجنيد السناتور السابق ديفيد بيرديو، لتحدي الحاكم الحالي بريان كيمب، كعقاب للأخير على عدم موافقته على ادعاءات ترامب بشأن تزوير نتائج انتخابات عام 2020. كذلك دعم ترامب النائب الديمقراطي الذي تحوّل إلى جمهوري فيرنون جونز، للترشح للكونغرس.
ووصل ترامب إلى جورجيا أمس لحضور اجتماع حاشد مع واكر وبيرديو وجونز وغيرهم من الجمهوريين الذين يدعمهم قبل الانتخابات التمهيدية في 24 مايو/أيار المقبل. وتبرز هذه الحملة كاختبار مبكر وحاسم لاستطاعة الرئيس السابق لأن يرقى إلى مستوى دوره المعلن كـ"صانع ملوك" في الحزب الجمهوري.
وهناك علامات تحذير لترامب. فبينما يسير والكر إلى المرحلة التمهيدية بأقل قدر من المعارضة، هناك معارك أخرى تبدو أكثر تعقيداً. فجونز على سبيل المثال، يتنافس الآن في انتخابات أولية مزدحمة، في حين قد يشكل بيرديو تحدياً أكبر للرئيس السابق، إذ إنه يكافح من أجل جمع الأموال.
وأظهر استطلاع أجرته قناة "فوكس نيوز" هذا الشهر، أن كيمب قد يكون على مسافة قريبة من الفوز بالانتخابات التمهيدية. وأفاد كيمب، أخيراً، بأن لديه 12.7 مليون دولار في حساب حملته الرئيسي اعتباراً من 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وهذا يفوق بكثير بيرديو، الذي كان لديه أقل من مليون دولار نقداً في متناول اليد خلال الفترة نفسها.
ويقول حلفاء للرئيس السابق، إنه أصيب بالإحباط بسبب تعثر بيرديو. وبينما وضع ترامب ثقله في تأييد بعض المرشحين، إلا أنه يرفض إلى الآن فتح دفتر الشيكات الخاص به لدعمهم مالياً على حد تعبير "أسوشييتد برس".
وقد تكون هذه الانتخابات في جورجيا وغيرها من الولايات، أمراً محورياً لمستقبل ترامب السياسي مرة أخرى، إذا ما قرر الترشح للرئاسة في عام 2024. وهذا هو السبب الأساسي في أن نشاطه في جورجيا ملحوظ بشكل خاص، فهو يحشد الناخبين بشكل أساسي وراء المرشحين الذين يمكنهم لعب أدوار حاسمة في التصديق على الانتخابات المستقبلية التي يشارك فيها.
وكان قد ضغط على المسؤولين في جورجيا بعد انتخابات 2020 لقلب النتائج التي لم تأت لصالحه، وهو ما لم يحصل.
وبالنظر إلى تركيز الرئيس السابق بشكل خاص على جورجيا، فإن أي تعثر فيها قد يضعف جهوده في أماكن أخرى لتأييد المرشحين الذين تعهدوا بالولاء لرؤيته للحزب الجمهوري. وبعض هؤلاء المرشحين يكافحون بالفعل، وقد ألغى ترامب تأييده للمرشح الجمهوري المتعثر في مجلس الشيوخ في ولاية ألاباما مو بروكس يوم الأربعاء الماضي.
وسيسافر إلى نورث كارولينا الشهر المقبل في محاولة لتعزيز اختياراته في الانتخابات التمهيدية هناك، حيث يؤيد النائب الجمهوري تيد بود للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ عن الولاية، فيما يتخلّف بود في جمع التبرعات عن الحاكم السابق للولاية بات ماكروري.
في هذه الأثناء، لم يتراجع بعض كبار خصوم ترامب، بما في ذلك النائبة الجمهورية ليز تشيني من ولاية وايومنغ والسناتور ليزا موركوفسكي من ألاسكا، عن السعي لإعادة انتخابهم، على الرغم من تعهد ترامب منذ أكثر من عام بهزيمتهم.
تحديات عدة تواجه ترامب ومستقبله السياسي
وفي السياق، رأت شبكة "سي أن أن" في مقال على موقعها الإلكتروني، أنه مع بدء الموسم التمهيدي لانتخابات عام 2022 النصفية، فإن أولئك الذين عارضوا ترامب منذ فترة طويلة، قد يبدأون أخيراً في رؤية نهاية عهد سلطته على الحزب الجمهوري، مشيرة إلى مجموعة من الحقائق الحالية التي يواجهها ترامب.
ولفتت الشبكة إلى مشاكله القانونية ومواجهته محاكمات عدة، ولا سيما التحقيق الذي تقوده لجنة في الكونغرس بشأن أحداث 6 يناير 2021، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس لمنع المصادقة على فوز جو بايدن.
ستبين الانتخابات التمهيدية مدى نفوذ ترامب بالحزب الجمهوري
في غضون ذلك، شهد ترامب، الذي كان في يوم من الأيام "سيّد وسائل التواصل الاجتماعي"، نتائج كارثية في إنشاء منصاته الخاصة على الإنترنت. كذلك أظهر استطلاع حديث أجرته شبكة "إن بي سي" انخفاضاً كبيراً في سيطرته على الحزب الجمهوري.
ففي حين أظهرت استطلاعات سابقة أن ما يصل إلى 54 في المائة من الجمهوريين والناخبين ذوي الميول الجمهورية، عرّفوا عن أنفسهم على أنهم مؤيدون لترامب وليس للحزب الجمهوري، أظهر الاستطلاع الجديد أنّ 56 في المائة من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية، يعتبرون أنفسهم من مؤيدي الحزب، وفقط 36 في المائة فقط يعتبرون أنفسهم مؤيدين للرئيس السابق.
وبحسب الشبكة، فإنّ حملة ترامب الانتقامية ضد الجمهوريين الذين يعتبرهم غير موالين بشكل كافٍ له، وهوسه بنشر "الكذبة الكبيرة" حول تزوير نتائج انتخابات 2020، لا يعملان سوى كوسيلة إضافية للتنفير منه.
ولفتت الشبكة كذلك إلى أنّ "من المحتمل أن يكون سلوك ترامب وتصريحاته سبباً في تراجعه" الأخير. فعلى سبيل المثال، مدح ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد غزوه أوكرانيا ووصفه بـ"العبقري".
وأظهر استطلاع أجرته جامعة "كوينيبياك" أخيراً أنّ الأميركيين مؤيدون بأغلبية ساحقة لأوكرانيا، كما أظهر عمق المشاعر المعادية لبوتين، مما يدل مرة أخرى على مدى ابتعاد ترامب عن الرأي العام الأميركي.
قد يرجح تأييد ترامب لبعض المرشحين كفة الميزان في بعض السباقات المهمة هذا العام، لكنّه بعيد كل البعد عن أن يكون حاسماً. وستبين الانتخابات التمهيدية مدى نفوذ ترامب في الحزب الجمهوري.
والحقيقة أن بعض المرشحين المعتمدين، ولكن ليس كلهم، سيفوزون بالترشيحات، وسيجري انتخاب البعض وليس الكل في نوفمبر/ تشرين الثاني. وفي أحسن الأحوال، ستكون النتائج بالنسبة لترامب مختلطة، وفق "سي أن أن".