تحديات فلسطينية في ظل حكومة المستوطنين

29 يناير 2023
محتجون فلسطينيون على اقتحام مستوطنين المسجد الأقصى (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -
تختلف حكومة بنيامين نتنياهو السادسة عن سابقاتها، في ما يخص الإجماع على خطورتها؛ ليس على الشعب الفلسطيني وقضيته ووطنه فقط، إنما على شرائح واسعة من المجتمع اليهودي نفسه، خاصة الليبراليين واليساريين منه، الذين يتمركزون في منطقة تل أبيب الكبرى؛ المعروفة بـ"غوش دان"، التي تعتبر معقل الثقافة الليبرالية والحريات الفردية كما القيم الديمقراطية، إذ يتضمن برنامج الحكومة الإسرائيلية الحالية حربًا على القيم العلمانية، بغرض فرض الشريعة اليهودية وإلغاء القوانين التي تتعارض مع سياسات اليمين الاستيطاني الديني، خاصةً صلاحيات محكمة العدل العليا الإسرائيلية على السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالشعب الفلسطيني؛ هدم المنازل والإبعاد وسحب المواطنة ومصادرة الأراضي وغيرها، من أجل تمرير قوانين عنصرية في الكنيست تنسجم مع السياسات اليمينية، في ظل الأغلبية التي يحظى فيها اليمين الديني أو القومي في الكنيست.
تعتبر الحكومة الحالية الأكثر تطرفًا في تاريخ حكومات إسرائيل، كونها تضم جماعات الحاخام المتطرف مئير كهانا، الذي نجح في انتخابات الكنيست 1984، باسم كتلة كاخ المتطرفة. حظرت حركة كاخ ومنعت من خوض الانتخابات الإسرائيلية بسبب مواقفها المتطرفة العنصرية في عام 1988، ثم اغتيل كهانا على يدي مواطن أميركي مسلم؛ من أصول مصرية، في الولايات المتحدة عام 1990.
كهانا؛ من أوائل من طرح برنامجا سياسيا عنصريا تجاه العرب والفلسطينيين، معتبرًا العرب والفلسطينيين أعداءً يشكلون خطرًا على إسرائيل واليهود، لا يفهمون سوى لغة القوة، لذا يجب طردهم من فلسطين، وفي حال رفضهم الرحيل أو الهجرة، يطردون بالقوة أو السلاح أو القتل.

إعادة بناء الحركة الوطنية على أسس وطنية، تتضمن إعادة تعريف إسرائيل "قوة احتلال وخطر حقيقي على مستقبل الشعب الفلسطيني"، بما يشمل إعادة النظر؛ جذريًا، بدور السلطة الوظيفي

يعتبر وزير الأمن القومي الحالي في الحكومة الإسرائيلية، المتطرف إيتمار بن غفير، من تلاميذ المتطرف كهانا، يحمل نفس الفكر السياسي العنصري تجاه فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الضفة والقطاع، إذ يطالب بحرمان فلسطينيي الداخل من المشاركة في انتخابات الكنيست؛ ترشحًا وانتخابًا، وطردهم كما بقية الفلسطينيين من ما يسمى أرض إسرائيل.
أكثر من نصف وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يقلون تطرفًا عن بن غفير، مثل غلاة المستوطنين المتطرفين؛ عيديت سيلمان وأوريت ستروك وأفي معوز وبتسلئيل سموتريتش، وقد أصبح الأخير مسؤولًا عن الإدارة المدنية الاحتلالية في الضفة الغربية، أي كل ما يتعلق بإدارة حياة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، كما العلاقة مع وزارات ودوائر السلطة الفلسطينية. كانت الإدارة المدنية تتبع مباشرةً لوزير الجيش الإسرائيلي، كونها تعمل في مناطق محتلة، وتنسق أمور المستوطنين اليهود في الضفة الغربية.
شكلت الأحزاب اليهودية الدينية العمود الفقري لحكومة نتنياهو السادسة، إلى جانت حزب الليكود اليميني، الذي يتزعمه نتنياهو. وتجمع تلك الأحزاب الدينية؛ سواء المتزمتة دينيًا أو قوميًا، على اعتبار أرض إسرائيل بمثابة منحة ربانية لليهود فقط، وينص برنامج الحكومة السياسي صراحةً على "يملك الشعب اليهودي؛ في إسرائيل وخارجها، وحده الحق الحصري التاريخي والديني في أرض إسرائيل".
تختلف الأحزاب المتزمتة دينيًا عن نظيرتها المتزمتة قوميًا؛ تسمى بالصهيونية الدينية، بشأن التعامل مع الشعب الفلسطيني، إذ تؤمن الأولى؛ تسمى الأحزاب الحريدية، بإعطاء الأولوية للدين والتوراة ولحماية ما يسمى شعب إسرائيل، لذا فهي لا تميل نحو استمرار الصراع مع الشعب الفلسطيني. في حين تؤمن الثانية بطرد جميع الفلسطينيين من ما يسمى أرض إسرائيل، بشتى الوسائل، وفي مقدمتها القتل والإرهاب، لذا تؤمن بوجوب استمرار قتل الفلسطينيين في زمن السلم والحرب، لأن وضع العلاقة الطبيعية بين اليهود والعرب تتمثل في استمرار الصدام والقتال. كما ترى من المحظور؛ الغباء، منح العرب أي فترة راحة، حتى التخلص منهم جماعيًا وفرديًا. أفتى كثير من حاخامات هذه الأحزاب؛ مرات عدة، بقتل العرب وقطع أشجارهم وقتل أغنامهم وحرق محاصيلهم، كما هناك من اعتبر قتل الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم عملًا يقرب اليهود من التوراة وأرض إسرائيل.
ملحق فلسطين
التحديثات الحية
أكثر أحزاب الحكومة المؤمنة عقائديًا وقوميًا بـ "أرض إسرائيل الكبرى الممنوحة لليهود فقط، حزب "العظمة اليهودية" بزعامة وزير الأمن القومي اليهودي بن غفير، وحزب "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتش، وحزب "نوعم" بزعامة أفي معوز".
ينتمي مجموعة من القتلة المعروفين في إسرائيل لهذه الأحزاب، مثل المجرم باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، حين أطلق النار على المصلين المسلمين أثناء سجودهم في صلاة الفجر، يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان في عام 1994، ما أدى إلى استشهاد 29 مصليا وإصابة 150 آخرين، قبل قتله من قبل المصلين المتبقين على قيد الحياة بعد نفاد ذخيرته. كما ينتمي لهذه الأحزاب قتلة عائلة دوابشة في عام 2015؛ في قرية دوما بمنطقة نابلس في الضفة الغربية، حين قتل ثلاثة من أبناء العائلة، بعد حرق منزلهم فوق رؤوسهم وهم نيام، حينها اعتبر غالبية قادة الأحزاب الثلاثة؛ المذكورة سابقًا، القتلة من أبطال إسرائيل، لذا يجب تكريمهم وبناء تماثيل لهم، كما بنى بن غفير تمثالًا للمجرم غولدشتاين في مدينة الخليل، على مقربة من الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث ارتكب المجرم مجزرته الشنيعة.
كان من الممكن اعتبار حكومة نتنياهو الجديدة فرصة سانحة للفلسطينيين، نظرًا لشرعية مواجهتها؛ بشتى الوسائل المسلحة والسياسية والاقتصادية والقانونية، إذ تجمع غالبية الأطراف على مواقفها العنصرية، ومدى خطورتها على المنطقة برمتها؛ بما يتجاوز الفلسطينيين واليهود العلمانيين.
لكن حال دون ذلك؛ تزامن حكومة بن غفير وسموتريتش مع الحالة الرسمية الفلسطينية الراهنة، التي تعتبر في أسوأ أحوالها، بسبب وضع حركة فتح الداخلي، الذي تراجع كثيرًا في السنوات الماضية، المرتبط كذلك بتراجع حضور وقوة منظمة التحرير، والانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، الذي مثّل ضربة قوية للحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وألحق ضررًا كبيرًا بالقضية الفلسطينية، بعد تراجع الفعل الكفاحي الوطني، وتحول السلطة الفلسطينية من نواة مشروع تحرري وطني دولاتي بديل للاحتلال، إلى كيان وظيفي أمني اقتصادي إداري تحت سلطة الاحتلال، أدخل القضية الوطنية برمتها في وضع يعتبر الأصعب في التاريخ، إذ أصبحت السلطة ومبناها والتزاماتها عائقًا أمام عودة حركة فتح إلى مشروعها التحرري الكفاحي، في وقت يستحيل تحولها إلى دولة في ظل سياسات إسرائيلية ورّطتها في أعباء كبيرة، على الرغم من سيطرة الاحتلال على كل مقومات ومفاتيح وأسباب نجاحها.

تعتبر الحكومة الحالية الأكثر تطرفًا في تاريخ حكومات إسرائيل، كونها تضم جماعات الحاخام المتطرف مئير كهان 

رغم الحاجة الإسرائيلية لبقاء السلطة؛ حاجزًا بين الاحتلال والشعب الفلسطيني؛ نظرًا لدورها الوظيفي، الذي يجنب الاحتلال تحمل مسؤوليات احتلاله، إلا أن معظم مكونات الحكومة الإسرائيلية الحالية ترى في بقاء السلطة خطرًا على مستقبل مشروعها التصفويّ للقضية الفلسطينية، كون السلطة ما تزال إطارًا جماعيًا يمثل الكل الفلسطيني في الضفة الغربية، وتمثل؛ إلى حدٍ ما، هويةً فلسطينيةً جماعيةً، رغم الكثير من الملاحظات عليها.
لم يعد الرهان على المواقف الأميركية والأوروبية مجديًا، بعد الخراب الكبير الذي أحدثته عملية أوسلو وطنيًا وسياسيًا، الحديث الأميركي المستمر عما يسمى "حل الدولتين" يخدم المشروع الاحتلالي، الذي حوّل الواقع الحالي من مؤقت إلى دائم وأبدي، حتى زيارات المسؤولين الأميركيين في الأيام الأخيرة إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية، تحاول الحفاظ على تأثير إبر التخدير في الشارع الفلسطيني، بغرض الحؤول دون انفجار الأمور، الذي لا تريده الإدارة الأميركية والمنظومة الأمنية الإسرائيلية.
مساعي الإدارة الأميركية في الوقت الراهن تنصب على اتجاهين آخرين مرتبطين بعدم التغول على القيم الليبرالية والقانونية في إسرائيل من جهة، وعدم ترسيخ دولة الشريعة اليهودية من جهة أخرى، لعدم تحول الصراع من سياسي إلى ديني، نظرًا لتداعياته المحتملة على استقرار المنطقة برمتها، على عكس رغبات الإدارة الأميركية ومعظم الأنظمة العربية، خاصة تلك التي ذهبت نحو التطبيع مع إسرائيل، حتى في ظل حكومة بن غفير وسموتريتش.
توجه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة؛ بغرض المطالبة باستشارة قانونية من محكمة العدل الدولية حول قانونية الاحتلال والاستيطان، مسألة مهمة يجب إلحاقها بخطوات أخرى، ضمن استراتيجية فلسطينية شاملة؛ نضاليًا وسياسيًا، أهمها إعادة بناء الحركة الوطنية على أسس وطنية، تتضمن إعادة تعريف إسرائيل "قوة احتلال وخطر حقيقي على مستقبل الشعب الفلسطيني"، بما يشمل إعادة النظر؛ جذريًا، بدور السلطة الوظيفي؛ شريكة الاحتلال في إدارة حياة الشعب الفلسطيني، لنقيض قوة الاحتلال الحقيقي، وبناء شراكة وطنية حقيقية، تمنح الشعب الفلسطيني حقه في اختيار ممثليه، كونها حجر الأساس لبناء شعب ملتحم مع قيادته. غير ذلك قد نصحو قريبًا على واقع جديد خالٍ من السلطة الفلسطينية، والأخطر من ذلك كله، تمكن حكومة المستوطنين من استغلال الوضع الفلسطيني الداخلي، بغرض تفكيك السلطة وتحويلها إلى بلديات وهيئات ولجان محلية صغيرة، في ظل صمت فلسطيني وانعدام الفعل الجماعي الوطني المنظم في مواجهة المشروع الاقتلاعي التصفويّ.
المساهمون